قال خبراء اقتصاديون أن واقع الليرة السورية وسعر صرفها مقابل الدولار الأميركي المتعلق بعدة عوامل ينذر بانخفاض أكبر خلال الفترة المقبلة، بمعنى أن واقع الليرة تجاوز الانهيار الذي يلغي أي قيمة للأوراق النقدية المتداولة في سوريا.
رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا؛ د.أسامة قاضي، قال خلال حديث لـ “روزنة” أن واقع الليرة السورية لايعكس بشكل حقيقي واقع الاقتصاد السوري وانخفاض العرض والطلب والبيئة غير الآمنة له.
وأضاف: “السعر الحقيقي للصرف أسوأ من سقف الـ٦٠٠ ليرة بكثير، فواقع الآلة العسكرية وسياسة الأرض المحروقة وإبادة الشعب بعشرات ألوف الطلعات على مدى تسع سنوات ترشح سعر الليرة لينخفض أكثر من ذلك بكثير”.
واعتبر قاضي أن سعر العملة السورية يعكس بشكل بسيط جدا واقع تهجير نصف الشعب السوري و”تجويع 13 مليون منه، وجعل ثلثي الشعب غير آمن غذائيا وأكثر من 80 بالمائة منه تحت خط الفقر، و أكثر من ثلثيه عاطل عن العمل، وانعكاسا لهبوط العملة المحلية أكثر من 12 ضعف، وتضخم فاق 400 بالمائة، وخسارة 17 مليار دولار من الاحتياطي النقدي، وفقدان مداخيل الثروة النفطية منذ عام 2012 وهبوط إنتاج سوريا النفطي حسب تصريح عماد خميس الجريء إلى الصفر”.
وقدم رئيس حكومة دمشق؛ عماد خميس، الأسبوع الفائت بعض الإحصاءات حول واقع الاقتصاد السوري وخسائره، حيث قال في كلمة له أمام مجلس الشعب، إن “موجودات المصرف المركزي السوري تقلصت خلال السنوات الأولى من الأزمة، وأن إنتاج النفط اليومي انخفض من 380 ألف برميل إلى صفر برميل”.
وأضاف أن نسبة الأراضي المزروعة تقلصت وباتت محدودة جدا، كما تأثرت السياحة بشكل مباشر وأصبح مدخولها صفرا، أما الكهرباء؛ فتم تدمير نصف محطاتها.
قد يهمك:هل يستطيع النظام السوري الاستمرار بدفع رواتب موظفيه؟
ونتيجة لذلك، ادعى خميس، أن حكومته باتت تحتاج 200 مليون دولار شهريا ثمن نواقل نفطية تحتاجها سوريا، كما يلزمها 400 مليار ليرة لإعادة قطاع الغاز إلى العمل، ناهيك عن بقية القطاعات الأخرى المهمة التي تحتاج إلى ميزانية أيضا وكان يجب توفيرها، ومنها ميزانية التربية والتعليم العالي التي بلغت 400 مليار ليرة من الموازنة الجارية.
من جانبه أشار الباحث الاقتصادي خالد تركاوي، خلال حديثه لـ “روزنة” إلى أن العملة هي مرآة الاقتصاد، بمعنى أنه في ظل اقتصاد منهار بوضع كارثي لم تمر به دول العالم حتى في الحرب العالمية الثانية وما بعدها، فإن الليرة السورية ستستمر بعكس الحالة الاقتصادية المزرية، ما سيؤدي إلى هبوط تدريجي على المدى المتوسط والبعيد؛ مع تذبذبات هبوط وصعود “نتيجة عمليات المضاربة على المدى القصير”، إلا أنه أكد أن الاتجاه العام لسعر الليرة إلى هبوط.
وأضاف بالقول: “في علم الاقتصاد نُعرّف الانهيار بأنه انخفاض قيمة العملة بشكل مفاجئ بأكثر من عشرة بالمائة؛ وهذا ماحصل مع دول جنوب شرق آسيا في التسعينيات، أما عن الليرة فهي هبطت بأكثر من عشرة أضعاف وهذا يحتاج اصطلاح جديد أقوى من الانهيار، أي أنها بالمعنى الصريح انهارت و تدمرت ولم يتبقى منها إلا تلك الأوراق الخالية من القيمة التي يتداول بها بعض الناس ليس حباً بها ولكن لأنهم لا يملكون الخيار”.
وداوم خميس خلال الأيام القليلة الفائتة على إطلاق تصريحات تتعلق بالوضع الاقتصادي، حينما اعتبر يوم الثلاثاء الفائت أن اقتصاد حكومته يعتبر من أقوى الاقتصادات في العالم للدول التي تمر بظروف مشابهة لظروف سوريا، وفق وصفه، معتبراً بأن السفينة الاقتصادية والتنموية تسير في الاتجاه الصحيح، لأن أكبر الموارد المتاحة في حكومته تُسخّر للمشاريع التنموية.
وحول ذلك رأى تركاوي أن التصريح الذي أطلقه خميس في مجلس الشعب ليس بالجديد، فهي معلومات متداولة لسنوات سابقة في أوساط مسؤولي حكومة دمشق بشكل بعيد عن الإعلام، وتابع: “بات السوريون يعرفون أن ما في خزينة الدولة من أموال قد استهلكت منذ زمن لصالح حرب الأسد ضد شعبه، وإلا لما كان خميس صرح بها هذا الشكل السافر والعلني”.
و أردف بأن “اللاحقة التي أتم بها خميس حول “السفينة التي تسير في اتجاه صحيح” تأتي في سبيل محاولة بث الأمل في قلوب بعض من لا يزال يقتنع بأن هناك حكومة تعمل لصالح البلد والشعب، والكلام عن السفينة يتناقض مع تصريحات خميس التي سبقتها تماماً فهو تكلم عن خزينة فارغة وصناعة وسياحة قريبة من الصفر أي أن السفينة الاقتصادية احترقت وشبعت احتراقاً ولم يتبقى منها إلا الرماد، (ولعل) كان قصده أنهم مستمرين بسياسة الأسد أو نحرق البلد التي انتهجها النظام منذ البداية”.
هل بدأ الأسد بمكافحة فساد موظفيه قبل أقاربه؟
وفي سياق مواز و من بعد الفضيحة المدوية التي كشفت تورّط وزير التربية السابق هزوان الوز في قضية فساد كبيرة ومسؤولين وتجار آخرين، خرج عماد خميس مؤخراً بتصريحات متعلقة أوضح من خلالها أن حكومة دمشق بدأت بالتحقيق في ملفات الفساد تلك، مبيناً أن “هناك مؤسسات معنية تقوم بالتحقيق في هذا الملف، وإن الأرقام التي طرحت حول وجود فساد في وزارة التربية هي أرقام جنونية”.
وأشار خميس إلى تورط تجار كبار خارج سوريا في ملف فساد وزير التربية السابق، قائلاً: “إن المعطيات الأولية تشير إلى وجود خلل في 150 عقداً يخص 150 تاجراً، بعضهم خارج البلاد، قدّموا مواد لجهة معينة فيها خلل ما”.
وكان وزير المالية في دمشق أصدر قراراً في الـ 11 من الشهر الحالي بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لوزير التربية السابق هزوان الوز وزوجته، كما شمل القرار مجموعة أسماء أخرى تقرر وضع أموالها تحت الحجز الاحتياطي.
و حول ذلك أشار رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا؛ إلى أن عمليات ملاحقة صغار الفاسدين التي تسربها جهات مقربة من حكومة دمشق، مقابل ترك حيتان الفساد ينعمون بالأمان لن يحل الأزمة.
ولفت خلال حديثه إلى أن سوريا و ضمن مناطق نفوذ النظام تحتاج إلى 15 مليون دولار يوميا، وبالحد الأدنى للطاقة 200 مليون دولار شهريا، بمعنى أنها تحتاج ما بين 120 مليار إلى 270 مليار ليرة سورية شهريا.
اقرأ أيضاً: أسماء الأسد تنافس “سيريتل” رامي مخلوف بشركة اتصالات جديدة
وتساءل قاضي حول ذلك: “كم عدد صغار الفاسدين وكم من الصرافين يحتاج النظام ليسجنهم ويبتزهم حتى لا يعلن عجزه أو إفلاسه عن تأمين الحد الأدنى لمعيشة ماتبقى من الشعب السوري داخل منطقة نفوذه”.
وحول ضعف صرف الليرة السورية أمام الدولار وعدم تدخل المصرف المركزي السوري للحد من تدهور سعر الصرف، لفت قاضي إلى أن حاكم المصرف المركزي مجرد موظف ولايريد التدخل في دعم الليرة السورية ليس لأنه يُؤْمِن بحرية العرض والطلب؛ بل لأن خزائن المصرف المركزي قاربت الصفر ولا تستطيع التدخل بالسوق.
وزاد بالقول: “ما بقي في خزائن المركزي بعد استخدام 17 مليار دولار قد نفذ، ما بين دعم الاعمال العسكرية ضد الشعب؛ ومابين استبدال عائدات الفاسدين بالقطع الأجنبي وتهريبها”.
وأردف مستنكراً بأن ما يثير الدهشة فيما يتعلق بسعي الروس لاستعادة الطريقين الدوليين “M4″ و”M5” (الطرق التي تربط حلب بدمشق واللاذقية على التوالي)، فقد دفع موسكو حسب تصريح قاعدة حميميم الروسية في سوريا للقيام بـ 60 ألف طلعة جوية في 100 يوم، منوهاً بأن كل ذلك ما هي إلا فواتير دين يدفعها الشعب السوري وقد يصعب التخلص منها في المستقبل.
وتابع: “و(فضلا عن) تهجير ما يقارب من نصف مليون سوري؛ بدلا من اللجوء للحل السياسي، (ما سينتج جراء) هذا الدمار والتشريد وحرق المحاصيل الزراعية وتسميم الأراضي بالمواد السامة الحربية؛ إلى ترجمة إلى مزيد من تدمير ماتبقى من بنية الاقتصاد السوري”.
وختم حديثه بالقول: “إنه وقت مواجهة حقيقة أن على النظام الاستعجال بالحل السياسي العادل حسب قرارات مجلس الأمن وعلى رأسها “2254” حتى يقف نزيف الدم والعذابات لكل الشعب السوري على امتداد مساحته، وحتى تبدأ عملية إعمار سورية حرة ديمقراطية تستعيد عافيتها وتضمن مستقبل أفضل لكل أبناءها”.
وكان نائب حاكم مصرف سوريا المركزي كشف عن اتخاذهم “قراراً حاسماً” يقضي بعدم تدخلهم في السوق ولا بدولار واحد، مثل السابق، لافتاً إلى أن كل مقدرات المركزي سوف تخصص لـ “تمويل الدولة والسلع الأساسية”.
هذا التصريح كان قد أكده سابقاً عماد خميس؛ حينما قال الأسبوع الفائت إن “الحكومة اعتمدت قرارا لم يخرق يوما منذ 2016، والقاضي بوقف سياسة التدخل المباشر في سوق القطع الأجنبي”، سياسة التدخل تلك بحسب خميس “تسببت سابقا باستنزاف جزء ليس بالقليل من احتياطي القطع الأجنبي، وتشجيع المضاربين على مزيد من أعمال المضاربة”.
وكان مجلس الوزراء في دمشق أعلن يوم الاثنين الفائت عن حزمة إجراءات اقتصادية للمساعدة في تخفيف أزمة العملة، وذلك بتشديد الرقابة على الأسعار، وشن حملة على المتربحين، وقال وزير المالية مأمون حمدان، إن الحكومة وافقت على الإجراءات اللازمة والاحترازية لتخفيف تأثير التقلبات الحادة للعملة المحلية، التي دفعتها إلى مستوى قياسي منخفض قبل نحو أكثر من أسبوعين.