أصدرت “مجموعة عمل اقتصاد سورية”، تقريرًا بعنوان “زراعة وإنتاج القطن والزراعات البديلة في سورية”، أعدّه الخبير الزراعي عبد العزيز ديوب، تناول فيه أهمية زراعة القطن السوري، ولا سيما أنه يعدّ من أجود أنواع القطن في العالم وهو حاصل على جوائز في التصنيف، ويحتل المركز الثاني على مستوى العالم، غير أن نسبة القطن من الصادرات الزراعية السورية انخفضت من 14 في المئة إلى 2 في المئة ما بين عامي 2005 و2012، وقد بلغ سعر الوحدة أعلى مستوياته في عامي 2010 و2012.
يوضح التقرير الذي قدمه وحرره الخبير الاقتصادي، أسامة القاضي، وصدر منتصف آذار/ مارس الماضي، أن القطن في سورية كان يُزرع في مساحات تقدر بـ 181.234 هكتارًا، وعلى الرغم من أنه يحتاج إلى كميات هائلة من المياه، إلا أن الحكومات السورية المتعاقبة كانت تعدّه زراعة استراتيجية، غير أن كميات القطن بالكاد تصل إلى 0.01 في المئة من الإنتاج العالمي في 2004 و2005؛ إذ كان عند مستوى 23 مليون طن، على الرغم من أن انتاج سورية عام 2000 بلغ مليون طن، وبلغ الكمية نفسها عام 2010.
وقال عبد العزيز ديوب لـ (جيرون): إن القطاع الزراعي في سورية لم يكن بخير قبل الثورة، بسبب السياسات الزراعية لحكومات النظام المعتمدة على السلطة الأمنية، إذ رفعت أسعار مستلزمات الزراعة بدءًا بالبذار والوقود والمبيدات، وانتهاء بالأسمدة، لأنها من تسيطر عليها، ومن ثم؛ زادت مصاريف الإنتاج.
وأضاف أن سلطات النظام حددت أسعار المنتجات كالقمح، القطن، الشوندر، البصل وغيرها، بينما لم تحدد أسعار منتجات أخرى مثل الزيتون والحمضيات، وعملت عصابات سوق المال لتحديد أسعارها المنخفضة، ومن ثم؛ تدهور الوضع المعيشي للمزارع، وبات الريف السوري فقيرًا، وهذا ما أراده النظام الأمني في سورية.
من جهته أفاد أسامة قاضي، رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سورية”، أنه “لم تتجاوز مساهمة الزراعة في الناتج الإجمالي المحلي السوري أكثر من 22 في المئة عام 2000، وانخفضت إلى 16 في المئة عام 2011” مشيرًا -في حديثه لـ (جيرون)- إلى أن “الزراعة تدهورت على حساب القطاعات الأخرى، وبلغت قيمة الانتاج الزراعي السوري 767 مليار ليرة سورية (نحو 17 مليار دولار) عام 2010.
وبسبب سياسة تصدي النظام السوري للثورة، واشتعال المعارك والقصف الجوي والمدفعي؛ فقد أُحرقت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، بحسب التقرير، وأثر ذلك سلبًا في الناتج الزراعي، فأغلبية المزارعين في كثير من المناطق حُرمت من جني محاصيلها؛ بسبب القصف، أو بسبب الخوف منه.
وأضاف ديوب أن إنتاج القطن خُفض إلى 200 ألف طن بعد الثورة، فيما خُفض انتاج القمح إلى 1.2 مليون طن بعد الثورة، بعد أن كان قبلها 5 مليون طن، إضافة إلى انخفاض إنتاج الزيتون من 1.3 مليون طن قبل الثورة، إلى 300 ألف طن بعدها.
وذكر القاضي أن ثلثي الناتج الزراعي تدهور حاليًا، قياسًا على ما قبل الثورة، بسبب قصف واحتراق معظم الأراضي والحقول الزراعية، وارتفاع أسعار الشحن بين المحافظات، “إن توفرت الطرق”، وخسارة الأيدي العاملة خسارة مخيفة؛ بسبب الحرب في سورية، وخروج معظم صوامع الحبوب من سيطرة النظام والمعارضة السورية؛ إذ إن 36 صومعة خرجت من سيطرة الطرفين، بينها 16 تحت سيطرة المليشيات الكردية.
أوصى التقرير بضرورة تقنين زراعة القطن في سورية، ما بعد الأسد، وبضرورة إرشاد المزارعين إلى زراعة النباتات العطرية ذات العائد المرتفع على المزارعين، ولا سيما أن سورية تمتاز بتوفر ألف نوع منها قابل للزراعة.
كذلك أوصى بضرورة تنظيم وتقنين هذه الزراعات أيضًا، فمن الضروري ترشيد سقاية القطن بالتنقيط، وضرورة توفر معامل الغزل بطاقة انتاجية محددة. أضاف ديوب أنه تجب إعادة النظر في قانون الإصلاح الزراعي، وإحقاق الحق، وإعادة تجميع المساحات الزراعية، بوصفها ضرورة للاستثمار الحديث الممكن، وإقصاء كل التنظيمات الفلاحية واتحاد الفلاحين ونقابة المهندسين الزراعيين؛ لارتباطها بالأجهزة الأمنية.
وأشار ديوب إلى ضرورة إعادة هيكليات الإدارة في الهيئات الزراعية ووزارة الزراعة وإنهاء المركزية وضرورة إخراج الحقول المتضررة من الخدمة، ريثما تُحلل تربتها، وتوضيح الأثر المتبقي بسبب المتفجرات ومعالجتها، مركزًا على حث المزارعين لتشكيل نقابات زراعية مهنية، والتأمين على المحاصيل، إضافة إلى تطبيق الإنتاج الزراعي المكثف، عن طريق إنتاج أكبر كمية من المحاصيل في أصغر مساحة زراعية.
ولإرجاع قطاع الزراعة ليعود إيجابًا على الناتج المحلي، دعا القاضي إلى إعادة السيطرة على صوامع الحبوب والقطن، وضرورة تنظيف الأراضي الزراعية من السموم ومخلفات المتفجرات، إضافة إلى توفير البذار والأسمدة والأليات الزراعية، وتوفير الأيدي العاملة الزراعية، وضرورة استخدام المياه بطرق علمية على أيدي خبراء سوريين بالزراعة والمياه، كل ذلك من شأنه أن ينعش القطاع الزراعي في غضون 5 سنوات؛ ليحتل حيز الثلث في الناتج الإجمالي المحلي.