التراكم المعرفي للإنسان الذي كسبه في المدارس أو المعاهد أو الجامعات أو القراءة والاهتمام إضافة للتخصص في أي مجال من مجالات الحياة مهم للفرد وللجماعات البشرية، وهذا التخصص هو عين التعاون بين أبناء المجتمع من أجل تلبية احتياجات الناس، وأحياناً يتم خلق تلك الحاجة وإقناع المستهلكين بضروريتها حتى يهتم بها مجموعة من المستهلكين وتخلق طلباً حقيقياً تقوم المصانع بتلبيته وتحقيق الأرباح من خلاله.
هذا المخزون المعرفي يتم ترجمته بسلوك ثقافي وأعراف وعقائد وتقاليد وهوايات وممارسات ثقافية في المسارح والمكتبات وزيارة المعارض وممارسة الرياضة وتشجيعها من تسلق للجبال أو لعب الغولف أو ألعاب الكرات بأنواعها وغيره من أنواع الرياضات الحديثة والقديمة، وتقوم المصانع في العالم بتلبية تلك الاحتياجات الثقافية التي تعد ترجمة للمخزون المعرفي أياً كان مصدره، وتلبيةً للحاجة الثقافية التي تُشعر الإنسان بالنهاية بالسعادة والرفاهية لأنه لبّى حاجة ثقافية لديه.
المعتقدات والقيم هي أدلة للسلوك، والعادات هي طرق مقبولة للتصرف أما الاعتقاد هو رأي يعكس المعرفة الخاصة للشخص وتقييمه، والقيم هي عبارات عامة توجه السلوك وتؤثر على المعتقدات والمواقف، يساعد نظام القيم الناس على الاختيار بين البدائل في الحياة اليومية، وأما العادات فهي أنماط سلوك علنية تشكل طرقًا معتمدة ثقافيًا للتصرف في مواقف محددة، وتختلف العادات باختلاف البلدان والمناطق وحتى على مستوى العائلات.
إن مثل الثقافة بالنسبة للإنسان كمثل الماء بالنسبة للأسماك، طالما أنك تسبح فيها وتعيشها سلوكاً يومياً، فأنت لا تدرك وجودها، بينما قد يدرك التمايز بين الثقافات الشخص أو “الآخر ” القادم من ثقافة أخرى حيث يلاحظ ذلك التباين بين الثقافات لأنه قادم من ثقافة أخرى غريبة عن ثقافتك.
هنالك محاولة دؤوبة لاستكشاف العلاقة بين الاقتصاد والثقافة ويسعى المؤرخون لدراسة العوامل الثقافية في تطوير القطاع المالي والميول الاستهلاكية وميول الادخار واستخدام الأدوات الاستثمارية والعمل والإنتاج، والكفاءة بالتعاون مع علماء الاجتماع وعلماء الأنثروبولوجيا وعلماء الجغرافيا الاقتصادية لتلمس التفاعلات بين الاقتصاد وظواهر ثقافية وعوامل تطور الفنون والصناعات الإبداعية؛ وكذلك يدرس الاقتصاديون الثقافيون اقتصاديات الفنون.
صاغ عالم الاجتماع “راي وساير ” 1999 فكرة “المنعطف الثقافي” لوصف تصاعد الاهتمام بالتفاعلات بين الثقافة والاقتصاد، وأن هنالك مجالات تخصصية بالاقتصاد الثقافي وذلك بالتعاون مع الرابطة الدولية للاقتصاد الثقافي في الولايات المتحدة الأميركية حيث تقوم بتطبيق التحليل الاقتصادي على جميع الفنون الإبداعية وفنون الأداء والصناعات التراثية والثقافية، سواء كانت ممولة من القطاع العام أو القطاع الخاص. علاوة على ذلك، تستكشف التنظيم الاقتصادي للقطاع الثقافي وسلوك المنتجين والمستهلكين والحكومات داخل القطاع الثقافي.
الاقتصاد الثقافي لا يهتم بالمخزون المعرفي بقدر ما يهتم بالسلوك الثقافي وتهيئة المناخ المناسب لازدهار هذا القطاع استجابة لثقافات الجمهور
عالج روث توز في كتابه “الاقتصاد الثقافي” اقتصاديات الفنون، والصناعات الثقافية والإعلامية، والاقتصاد الإبداعي الرقمي، ونظرة عامة شاملة وحديثة وتحليلاً للمجال في العصر الرقمي، وتناول مجموعة من الموضوعات، من الفنون التقليدية إلى الصناعات الإبداعية (مثل الموسيقا والأفلام والألعاب والبث والنشر) ، بالإضافة إلى اقتصاديات عمل الفنانين والأسواق وحقوق التأليف والنشر، ودور الرقمنة عبر الصناعات الإبداعية، وطرح أسئلة عديدة منها مثلا، ما الذي يحدد سعر حفلة البوب أو الأوبرا؟ لماذا كثير من الفنانين فقراء؟ لماذا تهيمن هوليوود على صناعة السينما؟ هل يمكننا توقع نجاح فيلم أو تسجيل؟ هل نسخ التسجيلات غير القانوني يضر بصناعة التسجيلات؟ هل الدخول المجاني للمتاحف يجلب المزيد من الزوار؟ لماذا تدعم الحكومة الفنون؟ هذه الأسئلة نموذج من الأسئلة العديدة التي طرحها الاقتصاديون الثقافيون وحاولوا الإجابة عليها.
فالاقتصاد الثقافي لا يهتم بالمخزون المعرفي بقدر ما يهتم بالسلوك الثقافي وتهيئة المناخ المناسب لازدهار هذا القطاع استجابة لثقافات الجمهور.
كذلك يدرس الاقتصاد الثقافي التقسيم الاقتصادي الذي يدرس العلاقة بين الثقافة والقيم الاقتصادية التي خلقتها الثقافة نفسها، والعلاقة بين صناعة الأفلام والتسويق فيما يتعلق بالاقتصاد الثقافي، وغيرها من المجالات وذلك باستخدام التحليل الاقتصادي، وعلم الاقتصاد النظري، والأخذ بعين الاعتبار المبادئ الاقتصادية لتحليل المشكلات، كما يستخدم الأدلة التجريبية واستخدام البيانات الإحصائية.
الدول الصناعية والدول الناهضة تصنع ثقافتها وتشكل حاجات جديدة للمستهلك تكون جزءاً من ثقافة الرفاهية الخاصة به، فالسؤال في الدول الصناعية: ما حاجة الإنسان في الدول الصناعية وكيف سنقوم بتلبيتها؟ ويلعب الواقع الاقتصادي للمجتمع دورا له أهميته كمكّون لثقافة المجتمع، ويبرز هذا الدور من خلال عدة أمور منها: أن ثقافة المجتمع الذي تتوافر فيه ثروات طبيعية، كالنفط أو الحديد أو الماء أو الفحم، قد تختلف عن ثقافة المجتمع الفقير، الذي لا تتوافر فيه مثل هذه الثروات. كما أن واقع المجتمع الصناعي، فيما يتعلق بالثقافة، يختلف عن واقع المجتمع الزراعي أو المجتمع الخدماتي وغير ذلك، وبصورة عامة، يمكن القول إن الواقع الاقتصادي المزدهر يسهم إسهاماً فعالاً وكبيراً في تطوير ثقافة مزدهرة، والعكس صحيح.
على سبيل المثال بلغت مبيعات متاجر التجزئة للكتب والصحف والمجلات الدورية الأخرى في كندا نحو 3.42 مليار دولار كندي في عام 2019، ومن المتوقع أن تصل الإيرادات الأميركية في قطاع الكتب والأفلام والموسيقا والألعاب إلى 126 مليار دولار أميركي في عام 2021، بمعدل نمو سنوي يبلغ 3.73٪، مما يؤدي إلى حجم سوق متوقع قدره 146452 مليون دولار أميركي بحلول عام 2025.
إن إجمالي الإيرادات لعروض برودواي في المسرح والموسيقا في نيويورك في موسم 2019، حققت 1.43 مليار دولار أميركي وبذلك تكون قد لبت طلبات ثقافية ل 11.66 مليون شخص حضر تلك العروض.
ووفقًا لتقرير اليونيسكو فإن التعداد التقريبي لشاشات الأفلام في ألمانيا 4613، والمملكة المتحدة 4046، وإسبانيا 3588، والبرازيل 3005، وكندا التي يسكنها 36 مليون نسمة فيها 3114 شاشة أفلام كبيرة، بينما في مصر التي يحيى فيها 102 مليون لا يوجد فيها سوى 220 صالة سينما والمغرب 57، والسنغال 6 شاشات عروض.
جادل منظرو التحديث من كارل ماركس إلى دانيال بيل بأن التنمية الاقتصادية تجلب تغييرات ثقافية، لكن آخرين من ماكس ويبر إلى صموئيل هنتنغتون، ادعّى أن القيم الثقافية لها تأثير دائم ومستقل على المجتمع. قام رونالد إنغل هارد و وين بايكر في بحثهم “تحديث وتغيير ثقافي واستمرارية القيم التقليدية” باختبار الأطروحة القائلة بأن التنمية الاقتصادية مرتبطة بالتغيرات المنهجية في القيم الأساسية وذلك باستخدام بيانات من الموجات الثلاث لمسوح القيم العالمية، والتي تشمل 65 من المجتمعات و 75 في المئة من سكان العالم، حيث وجدوا أدلة على كل من التغيير الثقافي الهائل واستمرار التقاليد الثقافية المميزة.
ترتبط التنمية الاقتصادية بالتحولات بعيدًا عن الأعراف والقيم المطلقة نحو القيم التي تزداد عقلانية وتسامحًا وثقة وتشاركية.
إن التراث الثقافي الواسع لمجتمع – بروتستانتي أو روم كاثوليكي أو أرثوذكسي أو كونفوشيوسي أو شيوعي – يترك بصمة على القيم التي تستمر على الرغم من التحديث. علاوة على ذلك فإن الاختلافات بين القيم التي يتبناها أعضاء الديانات المختلفة داخل مجتمعات معينة أصغر بكثير من الاختلافات عبر القومية. وبمجرد إنشائها تصبح هذه الاختلافات بين الثقافات جزءًا من الثقافة الوطنية التي تنقلها المؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام.
عليه فإن المعارف التي يكتنزها العقل يترجمها الجسد سلوكاً ثقافياً يتجسد في كل حركاته وانطباعاته وانفعالاته وطريقة تأثره بمحيطه وتعبيره عن هذا التاثير.
الإنسان في الدول المتقدمة ينفق الأموال على سلوكه الثقافي التي توفرها له صناعة الرياضة والإعلام وغيرها من النشاطات البدنية والروحية والمعرفية والترفيهية بشكل محترف وراق، والحقيقة إن التراكم المعرفي الذي ينتج سلوكاً ثقافياً سيكون عالة على المجتمع مالم تتوفر البيئة المناسبة لممارسة تلك الثقافة، والأهم هو القدرة المالية على ممارستها.
يأتي هنا دور الحكومة اقتصادياً برفع السوية المعاشية للشعب كي يستطيع ممارسة ثقافته الأدبية والفنية والرياضية والعلمية والجسدية والروحية والترفيهية، فهي بذلك تؤمن مناخاً للسلوك الثقافي السليم، فالثقافة السليمة في الجسد المعرفي السليم!
فثقافة حب العطور واقتناء أجودها مثلاً هي التي تحرض سوق العطور في بلد مثل الإمارات العربية المتحدة على الإنتاج والاستهلاك والذي في النهاية يكون جزءاً من سعادة المواطن، حيث إن هنالك في عام 2017 ما يصل 12 ألفاً و502 رخصة، تضم نشاط «تجارة العطور ومستحضرات التجميل» بنسبة 83.5%، ونشاط «تجارة العود والبخور والطيب» بنسبة 15.2%، فيما يشكل كل من نشاط «صناعة العطور»، ونشاط «خلط العطور وتعبئتها»، ونشاط «صناعة العود والبخور والطيب» ما نسبته 1.3%. وفي دبي وحدها 43 مصنعاً للعطور، و11 مصنعاً لصناعة العود والبخور والطيب، وفي عام 2016 بلغت تجارة دولة الإمارات المباشرة وتجارة المناطق الحرة من العطور ومياه التجميل، 7.2 مليارات درهم.
ممارسة الثقافة الدينية لا تمر دون كلفة مالية عن طريق ضريبة الكنيسة، قد يكون مفاجئاً أن دول أوروبا العلمانية تواصل تحصيل الضرائب نيابة عن المنظمات الدينية المعترف بها رسميًا، حيث تُعرف في ألمانيا مثلاً باسم كيرشنشتوير (ضريبة الكنيسة حرفياً) وتدر عائدات تصل إلى 6 مليارات يورو كل عام، وتمثل ما بين 8 و 9 في المئة من ضريبة الدخل، حيث يلتزم أعضاء المجتمع الديني (على سبيل المثال الكنيسة الرومانية الكاثوليكية) بدفع الضريبة بينما لا يتعين على الأشخاص غير الأعضاء دفعها، وإذا رغب الكاثوليكي بالتوقف عن دفع الضريبة، فيُطلب منه رسميًا الإعلان عن ترك الكنيسة الكاثوليكية للسلطات الألمانية، وفي الدنمارك ما يزال 80 في المئة من الجمهور يدفع الضريبة بينما في ألمانيا هذا الرقم هو 71 في المئة. تمتلك فنلندا أعلى نسبة من الأشخاص الذين اعتادوا دفع الضرائب لكنهم توقفوا عند 20 بالمئة، تليها السويد بنسبة 18 في المئة، ويحق للإيطاليين تحويل 0.8٪ (ثمانية لكل ألف) من عائدات ضريبة الدخل السنوية لتحويلها لمعبد أي ديانة منظمة تعترف بها إيطاليا.
المعتقدات جزء من ثقافة الإنسان والمجتمعات وتنفق الأموال الطائلة على هذا الجانب الروحي والفلسفي للإنسان، وبخلاف ما اعتقد المنظرون من ماركس إلى نيتشه إلى ليرنر وبيل الذين تنبؤوا بتراجع الدين في عصر الحداثة وما بعدها، فإن الدين والمعتقدات الروحية لم تتلاشَ بل إن الثقافة الدينية ظلت مخيمة على أوربوا فأرقام 2017 تدل على خلاف ما يعتقد البعض فلازال 80 في المئة من الدنماركيين يدفعون ضريبة الكنيسة، و76 في المئة من النمساويين، و74 في المئة من السويسريين و71 من الفلنديين و68 من السويديين.
وتقوم الحكومة الكندية بإعلان عدد السكان بناء على دياناتهم ومذاهبهم حيث إن 39 في المئة من الكنديين عام 2011 كانوا من الكاثوليك، و20 في المئة بروتسانت والمسلمون 3.2 في المئة والهندوس 1.5 واليهود 1 في المئة. كما تُظهر الأرقام انخفاضًا في عدد الكنائس الكاثوليكية في هولندا بين عامي 2008 و 2018. وسجل أقل عدد من الكنائس الكاثوليكية في عام 2018، بإجمالي 1،384 كنيسة، كما أنه انخفض عدد من يحضر كنيسة إنكلترا من مليون أسبوعياً عام 2009 إلى 854 ألفاً عام 2019، ووصل دخل تلك الكنائس عام 2015 إلى 336.4 مليون جنيه إسترليني.
أكثر من ذلك يقوم مركز أبحاث بيو في واشنطن بدراسة العلاقة بين الميول الدينية والميول السياسية لتلك الجماعات البشرية التي تنتسب لدين معين بحيث إنها تمارس ثقافتها السياسية بناء على منظومتها القيمية وأحياناً ما تعتقده من تحقيق لمصالحها الفردرية أو الجماعية، فمثلاً تبين في دراسة لهم عام 2014 أن 69 في المئة من البوذيين، و44 في المئة من الكاثوليك و61 في المئة من الهندوس و80 في المئة من السود البروتسانت و62 في المئة من المسلمين و 64 في المئة من اليهود يصوتون للحزب الديمقراطي، بينما يصوت 70 في المئة من المورمون و56 في المئة من البروتسانت الانفليجيكال و37 في المئة من الكاثوليك، و 17 في المئة من المسلمين، و 26 في المئة من اليهود، و34 في المئة من المسيحيين الأرثوذكس يصوتون للجمهوريين. وتبين من دراستهم أن 73 في المئة من الجمهوريين تؤمن بالله بشكل مطلق بينما النسبة هي 55 في المئة من الديمقراطيين.
السؤال في الدول المتقدمة والناهضة هو كيف نعمل على تصنيع حاجات الإنسان؟ وهل نحن قادرون على المنافسة في السوق العالمية؟
يستطيع الألمان الاستمتاع بثقافة المتاحف حيث لديهم 6257 متحفاً، والفرنسي لديه 4811 متحفاً، والياباني لديه 5738 متحفاً، والإيطالي لديه 3195 متحفاً وأما الأميركي الذي لا يتجاوز عمر بلده 300 عام فلديه خيارات أكبر حيث يمكنه زيارة 33000 متحف، بينما بلغ عدد المتاحف في مصر (عام 2018) أكثر الدول العربية عراقة من عصر الفراعنة 72 متحفا موزعة بين 19 محافظة على مستوى الجمهورية، بينهم 34 متحفا أثريا وإقليميا، أما سوريا التي فيها أقدم ثلاث مدن في الكون منذ 12 ألف سنة “حلب” و”أريحا” و”دمشق” ففيها فقط 34 متحفاً، وفي المغرب 14 متحفاً ولن نتحدث عن مستوى الخدمات والتسهيلات والتسويق لتلك المتاحف فهذا حديث يورث الاكتئاب والحسرة لدى المواطن العربي حيث يعيش “ثقافة الحاجة”.
السؤال في الدول المتقدمة والناهضة هو كيف نعمل على تصنيع حاجات الإنسان؟ وهل نحن قادرون على المنافسة في السوق العالمية؟ فهي تمثّل ثقافة الإنتاج التي توصّف الواقع وتجد الحلول له وتحشّد كل الإمكانيات المادية والبشرية من أجل طرح المنتجات التي تلبّي الاحتياجات الثقافية والاستهلاكية وتنافس محليا وعالمياً وتبحث عن أسواق جديدة في العالم.
السؤال في الدول النامية هو: هل لدينا إمكانية استيراد حاجاتنا؟ ما هي سبل تمويل تلك الاحتياجات؟ ما هي أولوياتنا؟ كيف نصلح إدارتنا المترهلة والفاسدة؟ كم سينقصنا من القمح والوقود وكم سيكون عجز موازنتنا؟ فهي تمثل ثقافة الحاجة والضروريات وفي الغالب تكون إدارات تلك الدول تفتقد للرشادة وديدنها الإهمال والهدر والفساد وبذلك تكون قوانينها مفصّلة على مقاس طغمة أقلية من “رجال أعمال” في الغالب هم عبارة عن واجهات لها دور وظيفي كي لا يَظهر الحاكم وأسرته المتنفذة في الصورة بشكل علني ولكن سرعان ما يعرف الشعب كل الواجهات ومَن وراءها، وبذلك فإن ثقافة الحاجة والعوز لا تنتج منتجات لها قيمة لا محلياً وبطبيعة الحال غير موجودة في الأسواق العالمية.
تقبع خلف كلا الثقافتين “ثقافة الإنتاج” أو “ثقافة الحاجة” جملة من المعارف والعلوم التي تولد سلوكاً ثقافياً يتصالح الشعب معها ويعتاد عليها، وتصبح سلوكه اليومي ويمارس تلك الثقافة بتفاصيلها التي تتراوح بين العوز والرفاهية، فأصحاب ثقافة العوز والحاجة يصدمون يومياً بعقبات الحياة وصعوبتها في حالة من الانكسار الدائم والاكتئاب، ويجتهد أحدهم في كيفية “قتل الوقت”، وأصحاب “ثقافة الرفاهية” مقبلين على الحياة بوجوه مشرقة ويستمتعون بأوقاتهم ولا يقتلونها كما قال توفيق الحكيم في كتابه عودة الوعي.