“بعد أكثر من ثمانية أعوام، اقترب ضحايا وحشية الأسد وعائلاتهم خطوة من العدالة والمحاسبة”، بهذه الكلمات وهو يبكي، استقبل الضابط السوري المنشق المعروف باسم “قيصر” نبأ تقدم مشروع القانون الذي سُمّي باسمه لتعتمده الولايات المتحدة رسميًا.
سرّب “قيصر” 55 ألف صورة لمعتقلين قتلوا تحت التعذيب في السجون السورية، وقدم شهادته أربع مرات في الكونغرس الأمريكي، مطالبًا بإيقاف القتل في سوريا ومحاسبة المجرمين.
“قيصر” هو قانون العقوبات “الأكبر” على النظام السوري وحلفائه، الذي أُقر بعد خمس سنوات من دورانه في أروقة الكونغرس الأمريكي، ليضمن “محاسبة نظام الأسد.. والعدالة لضحاياه”، حسبما كتب وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، عبر حسابه في “تويتر“.
وعرّف الكونغرس الأمريكي، وفق آخر تحديثاته في حزيران الماضي، القانون بأنه من وسائل الضغط الاقتصادي “لإجبار حكومة بشار الأسد على إيقاف هجماتها القاتلة على الشعب السوري، ولدعم انتقال سوريا لحكومة تحترم حكم القانون، وحقوق الإنسان، والتعايش السلمي مع جيرانها”.
لكن توقيع القانون من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مساء الجمعة 20 من كانون الأول الحالي، لا يعني بحد ذاته الوصول مباشرة إلى محاسبة مجرمي الحرب في سوريا، ويعتبره قانونيون وحقوقيون التقتهم عنب بلدي محاولة للضغط السياسي والاقتصادي على النظام السوري، وسط تخوف من تحمل المواطنين السوريين تبعاته
يتكرر مصطلحا “المساءلة والمحاسبة” في نص قانون “قيصر”، ما يدل للوهلة الأولى على توجه الولايات المتحدة الأمريكية إلى ملاحقة مجرمي الحرب في سوريا ومحاكمتهم، وفي مقدمتهم رئيس النظام السوري، بشار الأسد، كما ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لها، في 20 من كانون الأول الحالي.
لكن القانون لا يؤدي بشكل مباشر إلى هذا المفهوم، بل هو أداة ضغط سياسية واقتصادية على النظام السوري وحلفائه، وليس أداة قضائية بمعنى إلقاء القبض على أشخاص ومحاكمتهم.
عنب بلدي التقت مجموعة من الحقوقيين والقانونيين وناقشت مدى علاقة القانون بملاحقة مجرمي الحرب، والآليات التي يمكن الاعتماد فيها على “قيصر”.
مدير البرنامج السوري للتطوير القانوني، إبراهيم علبي، اعتبر أنه يجب بداية توسيع مفهوم المحاسبة والمساءلة، فالمحاسبة لا تعني فقط الإجراءات القضائية، وإنما أي إجراء يمكن اتخاذه يضيّق على النظام السوري أو يزعجه، إن كان عقوبات اقتصادية أو منع إعطائه الشرعية.
وأوضح أن قانون “قيصر” لا يملك أداة محاسبة قضائية، بمعنى إلقاء القبض على المرتكبين لجرائم حرب ومحاكمتهم، وإنما يدرج أسماء على قوائم العقوبات ويمنع التواصل معهم ماليًا، ويفرض عقوبات مالية واقتصادية على أي طرف يخترق هذه العقوبات.
في حين يعتقد مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، أن هناك نوعًا من “المواربة” من قبل الأمريكيين في القانون، وعلى الرغم من وجود ألفاظ المساءلة والمحاسبة، فإن القانون لا يتحدث عن آلية للمحاسبة واتخاذ إجراءات بحق مرتكبي الجرائم، وإنما يتحدث عن عقوبات ضد النظام.
وقال الأحمد لعنب بلدي إن أمريكا تتحدث عن تعزيز قضية المساءلة، كما ذكرت الخارجية في بيانها الذي جاء فيه أن “قيصر يقدم للولايات المتحدة أدوات من أجل المساعدة في وضع حد للصراع الرهيب والمستمر في سوريا من خلال تعزيز قضية مساءلة نظام الأسد”، وقد يظن البعض للوهلة الأولى أنه ستكون هناك آليات للمحاسبة وتوثيق الجرائم وملاحقة قضائية واتخاذ إجراءات بحق مرتكبي هذه الجرائم، إلا أن نص القانون يتحدث عن مجموعة من الإجراءات والعقوبات بحق شخصيات معينة في سوريا مثل الرئيس وأي طرف يقدم دعمًا للنظام.
وأكد الأحمد أنه لا توجد آليات يمكن الاعتماد فيها على القانون لإيصال مجرمي الحرب في سوريا إلى المحاكم الدولية أو إلى محكمة الجنايات، لأنه ليس “آلية محاسبة صافية”، مثل “الآلية الدولية المحايدة” التي تجمع الأدلة على الانتهاكات وتحفظها وتحللها، وإنما هو أداة ضغط سياسي من أجل دفع النظام السوري إلى تقديم تنازلات سياسية، وخاصة فيما يتعلق بعمل اللجنة الدستورية التي تجري محادثاتها في جنيف بإشراف الأمم المتحدة.
من جهته، قال مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، إن العقوبات لا تجلب العدالة لأحد، ولم تكن إطلاقًا بديلًا عن إجراءات العدالة، مثل إقامة محاكمات ولجان حقوقية وبرامج تعويضات وإصلاح أجهزة أمنية، مؤكدًا أن القانون هو للضغط على النظام السوري وداعميه بهدف تغيير سلوكه.
يفرض الرئيس الأمريكي، خلال 180 يومًا من التوقيع على القانون، عقوباته على الأجانب الذين يقرر تورطهم بنشاطات معينة، تشمل تقديم الدعم المالي والمادي أو التقني، عن سابق معرفة، للحكومة السورية أو لأحد الكيانات التابعة لها أو لأحد السياسيين فيها.
وتُفرض العقوبات أيضًا على المتعاقدين العسكريين والمرتزقة أو القوات شبه العسكرية، التي تنفذ نشاطاتها الحربية، عن سابق معرفة، داخل سوريا أو بالنيابة عن الحكومة السورية أو روسيا أو إيران أو أي شخص فُرضت عليه العقوبات الخاصة بسوريا سابقًا.
وتشمل العقوبات كل من يبيع أو يوفر بضائع أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات أو أيًا من أنواع الدعم، الذي يسهل الحفاظ على الإنتاج المحلي للحكومة السورية للغاز الطبيعي والنفط أو المنتجات النفطية، أو توسيع هذا الإنتاج.
إضافة إلى من يبيع أو يقدم الطائرات أو قطعها للاستخدام العسكري في سوريا، ومن يقدم عن سابق معرفة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، خدمات البناء أو الهندسة للحكومة السورية.
وفيما يخص مناطق النازحين في سوريا، يجب على الرئيس الأمريكي تحديد تلك المناطق ومن يسيطر عليها وما سبب تهجير الناس قسريًا منها، لضمان منع الأجانب من دخولها بعقود لإعادة الإعمار، قد تعود بالنفع على الحكومة السورية وحلفائها.
وتشمل العقوبات حجز الملكية ومنع الحصول على تأشيرات أو أي منافع من دوائر الهجرة الأمريكية، مع سحب التأشيرات الجارية بشكل مباشر، وفرض غرامات على الأشخاص المشمولين فيها.
تُفرض العقوبات على الأشخاص المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين أو أفراد عائلاتهم، وحدد القانون مجموعة من الشخصيات الذين يقترح أن تشملهم العقوبات، والذين يجب على الرئيس الأمريكي تقديم لائحة بأسمائهم، خلال 300 يوم من فرض القانون، بعد أن يقرر الرئيس إن كانوا مسؤولين أو مشاركين، عن سابق معرفة، في انتهاكات حقوق الإنسان، ثم تجدد سنويًا.
وبين الشخصيات المقترحة: رئيس النظام السوري، ورئيس الوزراء ونائبه في سوريا، ومجلس الوزراء، ورئيس القوات المسلحة البرية والبحرية والاستخبارات، والمسؤولون في وزارة الداخلية من إدارة الأمن السياسي والمخابرات والشرطة.
إلى جانب قادة ونواب الفرقة الرابعة من القوات المسلحة السورية، وقائد الحرس الجمهوري السوري، ومستشار الشؤون الاستراتيجية للرئيس السوري، ورئيس ونائب رئيس مركز الدراسات العلمية والأبحاث في سوريا.
بالإضافة إلى المسؤولين عن السجون التي تسيطر عليها الحكومة السورية، والمحافظين ورؤساء الفروع الأمنية في المحافظات الـ14 في سوريا المعينين من قبل الرئيس السوري.
مساعدة الشعب السوري
دعا القانون الكونغرس للاستمرار بدعم الشعب السوري لضمان السلام والاستقرار والتنمية، عبر تقييم برامج المساعدة الحالية، ومنح مهلة 180 يومًا يقدم خلالها وزير الخارجية ومدير وكالة التنمية الدولية الأمريكية تقريرًا للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، لمراقبة وتقييم البرامج وأهدافها وأدائها والمصاعب التي تواجهها.
وخلال فترة لا تتعدى 90 يومًا، على الرئيس الأمريكي تقديم تقييم للّجنتين يبين فيه فاعلية ومخاطر ومتطلبات الوسائل العسكرية أو غير العسكرية لحماية المدنيين في سوريا، خاصة من هم في المناطق المحاصرة أو العالقين عند الحدود أو النازحين داخليًا.
ويمنح القانون التفويض لوزير الخارجية، بعد استشارة المدعي العام ورؤساء الوكالات الفيدرالية ذات العلاقة، لتقديم المساعدة لدعم الكيانات التي تقوم بالتحقيق في الجرائم وتدعم المدعين العامين أو تقوم بجمع الأدلة، لتتم المحاكمة القضائية لمن ارتكب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك من ساعد على ارتكابها من الحكومات الأجنبية والمنظمات الداعمة للحكومة السورية منذ آذار 2011.
ويتضمن القانون دعم المنظمات غير الحكومية ونشاطاتها المرخصة، ووضع استراتيجية لتسهيل تقديم المساعدة الإنسانية، دون تخصيص نفقات إضافية خاصة بالقانون.
ماذا عن تجميد العقوبات؟
بإمكان الرئيس الأمريكي، وفقًا للقانون، تجميد كامل أو بعض العقوبات التي يتضمنها القانون، لفترات لا تتعدى 180 يومًا، في حال اتُّبعت شروط معينة في سوريا.
تشمل هذه الشروط التوقف عن استخدام المجال الجوي السوري من قبل سوريا أو روسيا لاستهداف المدنيين بالمتفجرات، مثل البراميل المتفجرة، والأسلحة الكيماوية، والأسلحة غير التقليدية، والصواريخ.
إضافة إلى السماح بمرور المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة من قبل سوريا أو روسيا أو إيران أو أي داعم أجنبي، والسماح بحرية الحركة والمساعدة الطبية، والتوقف عن استهداف المنشآت الطبية والمدارس والمناطق السكنية والتجمعات المدنية والأسواق.
ومن الشروط أيضًا إطلاق الحكومة السورية لكل المعتقلين السياسيين المحتجزين ضمن زنازينها، وسماحها بدخول المحققين والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان لمعاينتها، واتخاذ الحكومة السورية خطوات للالتزام بتعهداتها لمنع إنتاج واستخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وسماحها بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة للنازحين واللاجئين السوريين، وإنشاء وسائل فعلية لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب وتوفير العدالة للضحايا.
ويمنح القانون استثناءات لما يتعارض مع المصالح القومية الأمريكية، والمصالح الإنسانية، فيما يتعلق بتقديم المنظمات غير الحكومية للأنشطة الإنسانية.
صناعة القوانين في الكونغرس الأمريكي
يمثل الكونغرس الفرع التشريعي من الحكومة الأمريكية، ويتألف من مجلس النواب، الذي يضم 435 عضوًا، ومجلس الشيوخ، الذي يضم 100 عضو.