عائشة صبري – خاص آرام: يرى رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا الدكتور أسامة قاضي، أنَّ استقرار صرف أي عملة بناءً على ممارسات أمنية، لا يُمكن أن يكون حلاً لمعالجة مشكلة اقتصادية في بلد ما. ويُجبر نظام الأسد الصرافين على دفع خمسة مليون دولار للبنك المركزي كـ “أتاوة” من أجل عدم إغلاق محلاتهم، في ظل انهيار سعر الليرة السورية مؤخراً.
ويقول “قاضي” في حوار خاص مع شبكة “آرام” إنَّ “الرافع الحقيقي للعملة الوطنية هو زيادة الإنتاج وفتح أسواق جديدة وخلق فرص عمل، وليس شعارات وانتصارات وهمية”. وتتفاوت قيمة الليرة السورية، بين الهبوط والارتداد منذ حزيران الفائت، حيث تخطى الدولار الأمريكي الواحد، حاجز الـ 600 ليرة، فيما سجل أمس 945 للمبيع و920 للشراء.
أسباب الانهيار ويُرجع “قاضي” سبب حفاظ نظام الأسد على قيمة الليرة رغم ذلك الهبوط إلى أنَّ المصرف المركزي السوري بأدواته الأمنية ثبَّط من تسارع انخفاض العملة التي تعكس حالة الاقتصاد الحقيقية.
ويوضح أنَّه لولا ممارسات المصرف المركزي لكان الانهيار الكارثي حدث منذ زمن بعيد، ولدينا الليرة اللبنانية كمثال عندما هبطت من ٧٠٠ ليرة مقابل الدولار إلى أكثر من ٢٢٠٠ ليرة خلال شهرين.
ويُشير إلى أن ما حدث في لبنان هو أنَّ العملة عكست بشكل شفاف حالة الاقتصاد اللبناني دون أن يتم سجن صرافين وإغلاق بنوك وسجن التجار. ويُبين أنَّ النظام يلجأ لوضع حجوزات على المقربين من الصرافين، واستدعاء مسؤولين سابقين وفرض دفع نسبة من ثرواتهم التي يعرف مصدرها حيث يحتفظ بملفات الفساد وقت اللزوم.
وتحدث عن شائعة حول وضع دول عربية وديعة بمليار دولار لمنع انهيار النظام لحسابات سياسية دولية، حيث أن تطبيق قانون “قيصر” الأمريكي سيعود بالويل على من وضعوا تلك الأموال. ويقول: “الأيام القادمة ستكون أصعب، والخاسر الأكبر فيها، للأسف، هو الشعب السوري المسكين، لذلك كلّ تأخير للحل السياسي العادل هو جائحة تشمل كل السوريين”.
العقوبات الأميركية
ويُشدد “قاضي” أنَّ لدى سوريا ما يكفيها من نفط، فقط كانت تصدِّر أكثر من ١٠٠ ألف برميل يوميًا، وتستهلك الباقي، لكن رفض نظام الأسد لأيِّ حلٍّ سياسيٍّ جعله يحتاج لاستيراد النفط من إيران وغيرها.
ويُضيف “إنَّ الحركة الاقتصادية كانت حكرًا على المتحلقين حول الأسد، وعند ملاحقتهم بالعقوبات تعطلت حركة أموالهم، تزامناً مع نفور البرجوازية الوطنية، مما أفقد سوريا طبقتها العاملة بشكل قد لا يعوض حتى بعد حل سياسي، يبدو أنه بعيد المنال”.
ويوضح رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا أنَّ الانخفاض في الصرف لحدود ٨٠٠ ليرة “لا يُعدُّ هبوطًا كبيرًا”، لأنَّه لا يعكس الواقع الكارثي للاقتصاد، ولو تُرك للسوق تحديد قيمة العملة سيقفز عن سقف الألف ليرة للدولار. ويُردف أنَّ الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة قارب الصفر، وخسر الاقتصاد الثروة النفطية التي كانت تساهم بحوالي ثلث ناتج الدخل القومي فضلًا عن الخسائر الزراعية الكارثية عن طريق إبادة الأرياف بطريقة الأرض المحروقة.
ويُنوه إلى أن الكارثة شملت خسارة السلة الغذائية في مناطق الشمال الشرقي منذ ٢٠١٣م، وخسارة المعابر الشمالية والمنافذ البحرية وغيرها.
الاستبدال بالتركي
وينظر المسؤول الاقتصادي، من الأفضل الحديث عن استخدام عملتين، تركية وسورية، في الشمال السوري بدل استبدالها بشكل كامل، لأنَّ شروط الاستبدال الكامل غير متوفر.
ويعتقد أنَّ الظروف تسمح باستخدام عملتين خاصة حال تم تسعير كلّ السلع والخدمات بالعملتين وضخ ما لا يقل عن مليار ليرة تركية بمناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، وفتح بنوك تركية، وتطوير الحكومة المؤقتة لتلك المناطق.
ويذكر أنَّه لا يوجد أسوأ من العمل في ظلِّ عملة غير مستقرة، فذلك يؤثر على ربحية المؤسسات الصناعية ويتأرجح سعر المواد وأجور العمال، وتسعير البضائع. ويستدرك “انخفاض دخل العامل، سيُدور عجلة التضخم، وسيُعطل البيع والشراء في قطاع العقارات والزراعة كذلك والتجارة بشكل عام.
ويُبين الخبير الاقتصادي أنَّ الوضع الحالي لليرة هو نتيجة طبيعية لحال الواقع الكارثي للاقتصاد السوري والهبوط الحاد لعرض السلع والخدمات، وانخفاض الطلب الكلي فضلًا عن البيئة غير الآمنة. ويُتابع “إنَّ الوضع الاقتصادي الخانق في لبنان ضغط على التجار السوريين لشراء العملة الصعبة من السوق السوداء في سوريا بعد أن حال المصرف المركزي اللبناني بينهم وبين أموالهم المودعة في المصارف اللبنانية”.
زيادة الضغوط
ويُردف “إنَّ الضغوط على الليرة السورية ازدادت مع الثورات في العراق وإيران، باعتبارهما داعمتين للنظام، حيث إن الهبوط القادم سيكون أكثر تسارعاً، والرقع اتسع على الراقع”. ويشرح “قاضي” أنَّ الانهيار الاقتصادي غيرُ كافٍ لوحده لإسقاط أنظمة مستبدة، فالسلطة السياسية المدنية التي تتعامل مع شعبها باحترام فِي ظل فصل السلطات والإعلام الحر ستتأثر بشدة عند تعرض الاقتصاد الوطني لكوارث.
أما عن الدول الديكتاتورية، فقال: “ها هو روبرت موغابي في الموزامبيق ظلَّ متمسكًا بالسلطة ٣٠عامًا حتى صار عمره ٩٣ سنة رغم الانهيار الاقتصادي والتضخم الذي بلغ أكثر من ٧٠ مليار بالمائة!، وكان آخر همه أنَّ دولار أمريكي واحد عادل ملياري دولار زيمبابوي!”.
وجاء برئيس فنزويلا نيكولاس مادورو نموذجًا، حيث لم تنهار سلطته رغم أنه في تموز 2018م أعلن صندوق النقد الدولي أنَّ فنزويلا في حالة “انهيار اقتصادي”، وسط تضخم مُفرط، وصل في 2018م إلى 14.000 في المائة!.