عدنان الحسين-شمال سوريا
“غلطة الشاطر بدولار.. ومن راقب الدولار مات هما.. إذا ظل الدولار يرتفع بهذه السرعة فسيصل قبلنا إلى العام 2020.. اليوم كنت عند الدكتور وأخبرني أن صحتي مثل الليرة”.
أصبحت هذه العبارات الفكاهية الحديث الأكثر تداولا بين السوريين بعد الانهيار غير المسبوق لليرة السورية أمام الدولار والعملات الأجنبية، وسط تردي الأوضاع الاقتصادية بشكل عام في سوريا بعد تسع سنوات على بداية الاحتجاجات المناهضة للنظام السوري.
وخلال أسبوع واحد، انخفض صرف سعر الليرة السورية أمام الدولار إلى الضعفين، حيث كان الدولار يساوي 450 إلى 500 ليرة، ليرتفع اليوم إلى نحو ألف ليرة في السوق السوداء، وهو ما شكل حالة من الذهول لدى المواطن السوري الذي يعتبر الخاسر الأكبر في كافة الأحوال.
انعدام التداول
في أسواق مدينة حلب، أغلقت محلات الصرافة والصياغة منذ يومين بانتظار ما ستؤول إليه الليرة إذا توقفوا عن العمل بها وفضلوا الشراء بالدولار، كما رفضوا تسليم الحوالات المالية القادمة من الخارج نتيجة انهيار الليرة، وهو ما أحدث حالة عجز في أسواق المدينة مع ارتفاع كبير جدا في الأسعار حتى الضعف.
يقول أبو أحمد مالك لمحل صياغة للجزيرة نت، إنه مع ازدياد ضخ العملة في السوق بدأ الدولار بالارتفاع، و”بطبيعة الحال سنتضرر من هذا، فنحن نملك أموالا بالليرة، وتصريفها الآن يعني خسارة مضاعفة، وحتى بيع الدولار الآن خسارة أخرى بالنسبة لنا، لذلك اخترت إغلاق محلي والانتظار”.
ويضيف “لا يتوقف الأمر على سوق الذهب أو التصريف، بل هذا الأمر سينعكس على حياة المواطن الذي يعاني أساسا من وضع اقتصادي متردٍّ.. البارحة ارتفعت أسعار الخضار والمواد الغذائية ضعفين، ولا ندري ما سيحصل”.
وبدت شوارع الأسواق التجارية في كل من دمشق وحلب والمدن الأخرى شبه خالية جراء ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، وبدت البلاد في حالة صدمة نتيجة ذلك وفق مصادر محلية للجزيرة نت.
انهيارات غير متوقعة
يتفق محللون وخبراء اقتصاديون أن الانهيارات الحالية لليرة السورية غير متوقعة ومفاجئة، ويرجحون أن أسباب ذلك تتعلق بعمليات مضاربة وجني أرباح وبالاحتجاجات في البلدان المجاورة، خاصة لبنان العصب الرئيسي لاقتصاد النظام السوري.
ويقول الخبير الاقتصادي سمير طويل للجزيرة نت إن ما يحدث حاليا في سوريا انعكاس مباشر ونتيجة حتمية للأزمة الاقتصادية اللبنانية وانهيار الاقتصاد اللبناني الذي كان سببا مباشرا للاحتجاجات في لبنان.
ويضيف طويل أنه منذ العام 2015 بعد استهلاك البنك المركزي السوري الاحتياطي النقدي كله والذي يقدر بنحو 18 مليار دولار، لجأ النظام السوري إلى الخط الائتماني الإيراني لتأمين المستوردات والمصارف اللبنانية، حيث لعبت الأخيرة دور الشريان المالي للنظام السوري وكانت بوابته للاستيراد.
الأسباب المباشرة
يؤكد سمير طويل أن البنك المركزي فقد كل أدوات التدخل ولم يعد يملك احتياطيا من النقد الأجنبي ومن الذهب، وقد استنفد كافة أدواته وخاصة طباعة العملة بدون رصيد كما فعل في السنوات السابقة، وتحويل الأموال في البنوك اللبنانية إلى خارج لبنان.
ويشير إلى أن خسارة الليرة أمام الدولار يوميا ارتفع من 3% إلى 10%، وأن هناك نقطة هامة لأسباب انهيار الليرة وهي غياب الحل السياسي من خلال تعطيل عمل اللجنة الدستورية، مما أثر بشكل مباشر على الاقتصاد السوري، إضافة إلى استمرار العقوبات الأوروبية والأميركية على النظام، وهو ما شكل ضغطا إضافيا عليه في عملية توليد الدولار.
من جهته يقول مدير مجموعة “عمل اقتصادي-سوريا” الدكتور أسامة قاضي للجزيرة نت إن “الآلة الجهنمية للتضخم تحصد ثروات السوريين كما حصدت الآلة العسكرية أرواحهم.. مسار انخفاض قيمة الليرة السورية مسار طبيعي متصالح مع الواقع الكارثي للاقتصاد السوري، وشلل أكثر من نصفي لقطاعات الزراعة والصناعة والتجارة، وشلل شبه كامل لقطاع النفط والسياحة، فضلا عن البيئة غير الآمنة”.
ويضيف قاضي “لعل الوضع الاقتصادي الخانق في لبنان سرع في انهيار العملة، الأمر الذي ضغط على التجار السوريين لشراء العملة الصعبة من السوق السوداء في سوريا بعد أن حال المصرف المركزي اللبناني بينهم وبين أموالهم المودعة في المصارف اللبنانية”.
ويؤكد أن الضغوط على الليرة السورية ازدادت حدة مع الغليان الشعبي وحال عدم الاستقرار في العراق وإيران لأنهما الدولتان اللتان كانتا تدعمان سوريا، وهما الآن في ظرف يصعب معه الوقوف إلى جانب النظام السوري في محنته، لا بالقروض ولا بخطوط الائتمان.
وإذا استمر الغليان في دول حلفاء النظام شهرا آخر، فإن الهبوط القادم لليرة قد يكون أكثر تسارعا، خاصة أن المصرف المركزي السوري حسم أمره بالامتناع عن التدخل مرغما بسبب الضغط الهائل على ما يملكه من عملة صعبة قليلة، وبسبب الضعف الكارثي لما تبقى من اقتصاد سوري.
من المستفيد؟
ويتفق المحللون والمراقبون على أن الخاسر الرئيسي لارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة هم المواطنون بشكل مباشر، بينما أصحاب رؤوس الأموال وأمراء الحرب والتجار الكبار هم المستفيدون من هذه الحالة.