فريق التحقيقات – مراد عبد الجليل | ضياء عودة | أحمد جمال
ساحات وشوارع فارغة، وطوابير سيارات لمسافات طويلة على محطات الوقود، مشاهد يومية تعكس صورة الواقع ومعاناة المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، في ظل أزمة محروقات حادة، تقابلها وزارة النفط في حكومة النظام بشكر المواطنين “على حسهم الوطني وصبرهم” على العقوبات الاقتصادية باعتبارها “غيمة وبتمر”.
وبين انتظار المواطنين لانفراج قريب، وتخوفهم من تفاقم الأزمة وارتداد آثارها مستقبلًا على قطاع الصناعة وأسعار المواد الأساسية والغذائية، تتكرر وعود مسؤولي الحكومة “الخلبية” التي تموّه، خلف شعارات المقاومة والوطنية، حقيقة تفاقم الأزمة وانعدام البوادر لحلها بشكل نهائي.
وعلى الرغم من أن الأزمة ظاهرها اقتصادي تؤثر بشكل مباشر على المواطنين، إلا أن أهدافًا سياسية تقف وراءها، إذ تؤكد الولايات المتحدة الأمريكية أن هدف العقوبات هو تعطيل قدرة رئيس النظام، بشار الأسد، على تمويل حملته العنيفة ضد الشعب وإجباره على التنحي.
أما حلفاء النظام، روسيا وإيران، فيحاول كل منهما الاستفادة من الضائقة الاقتصادية التي يمر بها لدفعه إلى تقديم تنازلات تمكنهما من الحصول على مشاريع استثمارية سيادية لعشرات السنين، كما حصل مؤخرًا في استئجار روسيا لمرفأ طرطوس الاستراتيجي لمدة 49 عامًا.
تناقش عنب بلدي في هذا التحقيق أبرز المؤشرات التي تقف خلف أزمة المحروقات في سوريا، وطرق تأمينها من قبل النظام في ظل العقوبات الاقتصادية، إلى جانب الصراع السياسي بين الأطراف الدولية وعلاقته بالأزمة.
أزمة حقيقية.. أمريكا تشدد والمواطنون “يضرسون”
في ظل وجود تجارب سابقة للنظام بافتعال أزمات تمس المواطنين لأهداف سياسية، اختلفت الآراء حول أسباب أزمة المحروقات الحالية، وذهب البعض لاعتبارها مقدمة لرفع الدعم عن المحروقات وبيعه بالسعر الحر.
لكن محللين اقتصاديين التقتهم عنب بلدي، اتفقوا على أن أزمة المحروقات حقيقية، تؤكدها عدة مؤشرات، أبرزها خروج آبار النفط من سلطة النظام خلال السنوات الماضية، وغياب خزان الثروة النفطية المتمثل بمنطقة شرق الفرات، الخاضعة حاليًا لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتهديد الأخيرة بعدم تزويد النظام بالنفط عبر الشاحنات.
وذلك أدى إلى خسارة حجم إنتاج كان يصل إلى 385 ألف برميل يوميًا قبل 2011، أما الآن فيبلغ حجم الإنتاج النفطي من المناطق التي استعاد النظام سيطرته عليها جنوب نهر الفرات 24 ألف برميل يوميًا فقط، بحسب ما ذكرته صحيفة “الوطن”، المقربة من النظام في 17 من نيسان الحالي.
أما المؤشر الثاني فهو غياب الإمدادات الإيرانية وتوقف الخط الائتماني الذي وقعه النظام مع إيران في كانون الثاني 2017 بقيمة مليار دولار، خصص منه 500 مليون دولار لدعم استيراد المشتقات النفطية، ليستورد من خلاله 90% من احتياجاته النفطية، قبل أن يتوقف أواخر العام الماضي بسبب العقوبات الأمريكية على طهران، وتشديد الخناق على الطرق البحرية والبرية، بحسب ما أكده المحلل الاقتصادي، مناف قومان، لعنب بلدي.
وكان مدير عام شركة المحروقات (سادكوب) التابعة لوزارة النفط في حكومة النظام السوري، مصطفى حصوية، قال في مقابلة مع قناة “الإخبارية السورية”، عُرضت السبت 13 من نيسان الحالي، إن الخط الائتماني الإيراني الموقع مع الحكومة لتوريد النفط الخام من إيران إلى سوريا، متوقف منذ 20 من تشرين الأول الماضي، مضيفًا أن إيران كانت تورد إلى سوريا ميلوني برميل نفط شهريًا، ووصلت الكمية إلى ثلاثة ملايين برميل في بعض الأشهر، لكن منذ ستة أشهر لم تصل إلى سوريا أي ناقلة نفط من طهران.
أمريكا تشدد العقوبات
تشديد العقوبات الأمريكية لم يكن على طهران فحسب، وإنما شمل تحذيرات أطلقتها واشنطن ضد من يسهم في تزويد النظام السوري بالمحروقات، سواء كانوا أشخاصًا أو شركات ناقلة، إذ حذر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابعة لوزارة الخزانة (OFAC)، في بيان صادر عن مكتب الشؤون العامة لوزارة الخزانة الأمريكية وصل لعنب بلدي، في 26 من آذار الماضي، مجتمع شحن البترول البحري من المخاطر المرتبطة بنقل شحنات النفط إلى سوريا.
وأضاف البيان، وهو تحديث لتحذير سابق صادر في 20 من تشرين الثاني 2018، أسماء العشرات من الناقلات الجديدة المشاركة في شحنات نفط غير مشروعة، بما في ذلك 16 ناقلة تشحن النفط إلى سوريا.
التحذير الأمريكي المشدد جاء بعد تحايل النظام السوري وحلفائه على العقوبات عبر عدة طرق، وهو ما اعترفت به وزارة النفط في مكاشفتها لصحيفة “الوطن”، في 17 من نيسان الحالي، إذ أكدت الوزارة أنه بعد توقف الخط الائتماني الإيراني بدأت عملية البحث عن الحلول عبر التحايل على العقوبات الاقتصادية، عن طريق توقيع عقود توريد برية وبحرية وجوية عبر الدول المجاورة.
كما أكدت واشنطن جديّة العقوبات على الجهات والدول التي تمرر ناقلات نفط إلى سوريا مثل مصر عن طريق قناة السويس، والعراق التي تمرر ناقلاتها برًا، أو “قسد” التي تمرر كمية من الشاحنات، بحسب ما قال رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، أسامة القاضي، لعنب بلدي.
وكان رئيس الوزراء السوري، عماد خميس، قال في 8 من نيسان الحالي، إن قناة السويس المصرية تمنع منذ ستة أشهر عبور السفن المحملة بالنفط إلى سوريا، مضيفًا، “فشلت كل المحاولات والاتصالات في إقناع الجانب المصري بتمرير ناقلة واحدة”.
من جهته أكد المستشار في وزارة الاقتصاد الإيرانية، ميثم صادقي، بحسب صحيفة “الأخبار” اللبنانية، في 11 من نيسان، أن “مصر ترفض منذ فترة السماح لناقلات النفط بالمرور، التزامًا بالعقوبات الأمريكية”.