زادت الأسئلة والتنبؤات حول طبيعة عقد “منح” حكومة بشار الأسد ميناء طرطوس لروسيا، وإذا ما كان عقد استئجار أم استثمار، أم تشغيل أسوة بالعديد من المرافئ العالمية، وما هو مصير العمال الذين يزيدون عن 5 آلاف عامل، بعد أن تتسلم روسيا “هدية” بشار الأسد؟
وربما أهم الأسئلة التي تشغل السوريين اليوم هو: هل سيقتصر الاستثمار على المرفأ، أم سيتعدّاه ويمتد إلى ما تحت المياه، ليطاول الثروات الباطنية المتوقع اكتشافها، وفي مقدمتها الغاز، كما طاولت التساؤلات قيمة الاستثمار أو التأجير، وهل سيخرج نظام بشار الأسد من عزلته، ويكسر الحصار الاقتصادي، عبر مرفأ طرطوس، بعد تسليمه لروسيا؟
يقول رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية، أسامة قاضي لـ”العربي الجديد” إنه وفقاً للعقد الذي تم الاطلاع على مواده لا توجد مبالغ مالية ستُعطى لنظام بشار الأسد، بل ووفق المادة الثانية من العقد ستكون الإنشاءات السورية التي سيستخدمها الطرف الروسي بشكل مشترك مجانية ولم يتطرق العقد لأي مبلغ سيدفع للجانب السوري.
ويضيف قاضي أن ثمة خلطاً متعمداً بدءاً من اسم الاتفاق الذي لم يتطرق لنوع الاستثمار، بل تمت تسميته بـ”توسيع أراضي المركز اللوجستي (يعني قاعدة عسكرية) للبحرية التابعة للاتحاد الروسي في ميناء طرطوس وزيارات السفن العسكرية للاتحاد الروسي إلى البحر الإقليمي والمياه الداخلية وموانئ الجمهورية العربية السورية”، ليس فقط ميناء طرطوس.
ويعني ذلك، وفق الاقتصادي السوري، أن العقد يشمل أراضي المنطقة الساحلية ومنطقة المياه في ميناء طرطوس والمنطقة الأمامية (يعني أي منشأة عائمة لاستخراج الغاز مثلاً)، وهي تشمل سطح الأرض كما تشمل سطح البحر وقاعه وما يمكن أن يظهر تحت المياه من ثروات باطنية.
ويؤكد رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية أن بلاده فقدت سيادتها، ليس فقط على الموانئ السورية بل حتى على أية منشأة عائمة فوقها للتنقيب عن الغاز والبترول.
وحول إمكانية فسخ الاتفاق لاحقاً من المعارضة واعتبار أن نظام الأسد يقدم لشركائه بالحرب هبات من الأرض والثروات السورية، يجيب قاضٍ أنه إن لم يتم تضمين الحل السياسي إعادة النظر في كل “الاتفاقيات والعقود” منذ 2011 فإنه لا توجد مصلحة حقيقية للشعب السوري بأي حل سياسي بل قد يكون تكريساً لشرعية كل ما اتفق عليه النظام من بيع لأرض وثروات أرض وبحر وسماء سورية.
بدوره، نفى وزير النقل بحكومة بشار الأسد علي حمود ما تم طرحه عن استئجار أو مقايضة ميناء طرطوس مع الجانب الروسي، مؤكداً أن العقد استثمار لشراكة في إدارة وتوسيع وتشغيل مرفأ طرطوس وفق نظام العقود التشاركية بين القطاع العام والخاص المعمول به في سورية، وتم توقيعه مع شركة ستروي ترانس غاز (CTG) الروسية الخاصة.
وحول طول فترة العقد الممتدة لـ49 عاماً، بيّن الوزير خلال تصريحات اليوم، أن تحديد فترة العقد بـ49 عاماً كون الدراسة والجدوى الاقتصادية للمشروع تحتاج إلى هذه المدة لتحقيق الربح المطلوب للطرفين، إذ إن المشروع يتضمن إجراء توسيع بالاتجاه الشمالي للمرفأ، إضافة لجميع الأعمال التطويرية في المرفأ وتحديث البنية التحتية للمرفأ الحالي وإنشاء مرفأ جديد بحيث يزداد الإنتاج عن 4 ملايين طن حالياً ليصل إلى 38 مليون طن سنوياً، وبتكلفة تقديرية تتجاوز 500 مليون دولار.
ويرى الاقتصادي السوري حسين جميل لـ”العربي الجديد” أن مرفأ طرطوس لن يُساعد بكسر الحصار والالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة على نظام الأسد “لأن العقوبات مفروضة على سورية، وتشمل أي مواد وسلع مدرجة ضمن العقوبات، بصرف النظر عن كيفية دخولها”.
في المقابل، يؤكد وزير النقل بحكومة الأسد أن وجود شركة عالمية مستثمرة للمرفأ من شأنه أن يعطي أجواء إيجابية للسفن العالمية ويحثها على ارتياد المرفأ، الأمر الذي من شأنه التخفيف من وطأة الحصار الظالم المفروض على سورية والمساهمة في وصول احتياجات ومستلزمات الشعب السوري.
ويشير الوزير حمود إلى تضمين الاتفاق العمال والمحافظة عليهم، وهو ما دحضه الاقتصادي السوري جميل، مستنداً إلى نص الاتفاق الذي تسرب أمس، ويلمّح إلى أن روسيا لن تبقي إلا على نحو 36% من العمالة السورية الموجودة بمرفأ طرطوس والبالغة 5 آلاف عامل، وهو رقم هائل مقارنةً مع مرفأ “نوفوروسيسك” الروسي الذي يعمل فيه 600 عامل فقط.
واعتبر الاقتصادي السوري أن اتفاق استثمار مرفأ طرطوس هو “تسديد لفواتير الحرب التي ساعدت خلالها روسيا نظام الأسد خلال سنوات الثورة، وإيفاء لثمن الأسلحة وبقاء بشار الأسد بالسلطة، وهذه الهبات لا تقتصر على روسيا، بل تم منحها إلى إيران أيضاً، بمرفأ مجاور في مدينة اللاذقية”.
إقرار الاتفاقية
كان نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف، قد كشف أن هذا القرار “الاتفاق” تم اتخاذه في اجتماع اللجنة الحكومية الدولية الثنائية للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني في ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي، وهو ما كشفه “العربي الجديد” خلال تغطية اجتماعات اللجنة المشتركة بين البلدين التي عقدت بمدينة سوتشي الروسية خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2017، وتضمنت اتفاقات عدة، منها تأهيل النفط والكهرباء وتسهيلات جمركية، إضافة إلى عقد استثمار مرفأ طرطوس.
وكشفت مصادر إعلامية اليوم أن الاسم الرسمي للاتفاقية هو “توسيع أراضي المركز اللوجستي للبحرية التابعة للاتحاد الروسي في ميناء طرطوس وزيارات السفن العسكرية للاتحاد الروسي إلى البحر الإقليمي والمياه الداخلية وموانئ الجمهورية العربية السورية”.
وقد اعتمد مجلس الدوما هذه الاتفاقية، في الواحد والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول 2017، وقام مجلس الاتحاد بالموافقة عليها في السادس والعشرين من نفس الشهر وأصبحت قانوناً اتحادياً رسمياً مفهرساً تحت رقم (N 441-ФЗ) في التاسع والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول من عام 2017، ودخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ الرسمي في اليوم التاسع من يناير/كانون الثاني عام 2018.
وتم إبرام الاتفاقية استناداً إلى أحكام معاهدة الصداقة والتعاون بين اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية والجمهورية العربية السورية في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 1980، وكذلك الاتفاق بين حكومة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية وحكومة الجمهورية العربية السورية بشأن دخول السفن الحربية السوفييتية وسفن الإمداد إلى المياه الإقليمية وموانئ الجمهورية العربية السورية وإنشاء نقطة لوجستية سوفييتية في منطقة ميناء طرطوس الموقعة بالثاني من يونيو/حزيران لعام 1983.
بنود الاتفاقية
يشير نص الاتفاقية إلى المنشآت العسكرية الروسية بمصطلح “مرافق الدعم اللوجستي” بدلاً من “القواعد العسكرية”، وهي صياغة مطابقة للغة المستخدمة في اتفاقية العهد السوفييتي.
وتنص المادة الخامسة والعشرون من بنود الاتفاقية على أن هذه الاتفاقية سارية لمدة 49 عاماً، على أن تجدد تلقائياً لفترة 25 عاماً أخرى، إذا لم يقم أحد الأطراف بإرسال كتاب نوايا عبر القنوات الدبلوماسية يطلب إنهاءها، على أن يكون إرسال هذا الكتاب قبل سنة على الأقل من تاريخ انتهاء الاتفاقية.
وأما المادة الثانية من الاتفاقية، فنصّت صراحة على أن يتسلّم الطرف الروسي (مجاناً وطوال مدة هذه الاتفاقية) الأراضي وقطع المناطق المائية المشار إليها في المخطط وفقًا للملحق رقم 1 (ملحق سري)، وعلى أن تقتصر على الإحداثيات الجغرافية وفقاً للملحق 2 (سري)، فضلاً عن الممتلكات غير المنقولة اللازمة لوضع وتشغيل “مركز الخدمات اللوجستية” أي (القاعدة العسكرية) في القائمة وفقاً للملحق رقم 3 (وهو سري أيضاً).
كذلك شملت الاتفاقية أراضي المنطقة الساحلية ومنطقة المياه في ميناء طرطوس والمنطقة الأمامية (منطقة وقوف المنشآت العائمة)، وهي تشمل سطح الأرض كما تشمل سطح البحر وقاعه.
وبحسب نص الاتفاقية “المادة السابعة” إذا لزم الأمر فإن الجانب السوري ينقل إلى الجانب الروسي عقارات إضافية، بغرض الاستخدام المؤقت، ويكون استخدام هذه العقارات مجانياً، ويتم الاتفاق على هذه العقارات في بروتوكولات منفصلة، وأن جميع العقارات التي بناها الطرف الروسي على الأرض السورية استنادا إلى هذا الاتفاق هي منشآت مملوكة لروسيا.
وما يشير إلى أن الاتفاق أقرب للاحتلال منه للاستثمار أو التشغيل، ما نصت عليه المادة الثامنة “لجميع مواطني الاتحاد الروسي من موظفين وأفراد طاقم ومقاولين وأسرهم حق عبور حدود الجمهورية العربية السورية بحرية”، ولا يخضع هؤلاء والذين يصلون إلى سورية على متن السفن الحربية الروسية لأي تفتيش من قبل سلطات الحدود أو الجمارك السورية، بل ولا يحق لممثلي سلطات سورية الدخول للمنشآت الروسية بدون موافقة قائد المنشأة.
تاريخ من الهيمنة
يذكر أن نص الاتفاق الذي سربه الإعلام أمس تم نشره على “بوابة الإنترنت الرسمية للمعلومات القانونية في 29 يناير/ كانون الثاني 2017، وفي “روسيسكيا غازيتا” بتاريخ 31 ديسمبر/ كانون الأول 2017، كما نشر في الجمعية التشريعية الروسية في الأول من يناير/كانون الثاني 2018.
وكان مرفأ طرطوس قد تأسس عام 1969، أي قبل عامين فقط من توقيع اتفاق بين الاتحاد السوفييتي وسورية لبناء قاعدة عسكرية بحرية سوفييتية في مدينة طرطوس لدعم الأسطول السوفييتي في البحر الأبيض المتوسط.