ما زالت الاتفاقيات التي يبرمها نظام بشار الأسد مع روسيا وإيران في مجالات عديدة عسكرية واقتصادية، مثار جدل كبير في سوريا.
ومع كل مرة يعلن فيها النظام السوري عن منحه حلفائه الروس والإيرانيين امتيازات “كبيرة” على شكل اتفاقيات؛ تسود مخاوف لدى أوساط المعارضة السورية، من تكبيل البلاد بهذه الاتفاقيات “المجحفة” لعقود طويلة قادمة.
وبتوقيع النظام اتفاقية تأجير ميناء طرطوس لشركة ستروي ترانس غاز “CTG” الروسية الخاصة لمدة 49 عاما، تزداد الأسئلة إلحاحا، حول شرعية هذه العقود، وما مستقبل هذه الاتفاقيات في حال التوصل إلى حل سياسي، وهل من سبيل لإسقاطها؟
ومجيبا على ذلك، قال رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، المحامي أنور البني، إن القول الفصل في هذه الاتفاقيات وإعادة النظر فيها ستكون من أولويات الحكومة الجديدة التي ستتولى إدارة سوريا، ما بعد تطبيق الحل السياسي.
وأضاف البني لـ”عربي21” أن عدم سحب المجتمع الدولي الشرعية عن النظام السوري، يجعل من الصعب حاليا القول بأن هذه الاتفاقيات غير شرعية، لأن النظام لا زال بنظر الأمم المتحدة ممثلا عن الشعب السوري.
شكل التسوية السياسية
وبهذا المعنى، يعتقد البني أن مصير هذه الاتفاقيات يحدده شكل التسوية السياسية السورية والأطراف الراعية لها، أي إن كانت روسيا ستكون جزءا من هذه التسوية فهي بالتأكيد ستضغط على طرفي الصراع للحصول على تعهدات بعدم إلغاء هذه الاتفاقيات، لإتمام التسوية، وكذلك إيران.
واستدرك البني قائلا: “مع ذلك، فإن للسلطة القادمة المنتخبة الحق في إعادة النظر في كل الاتفاقيات التي وقعها النظام السوري منذ العام 2011، وهي الجهة الوحيدة القادرة على فسخها والتنصل منها”.
القاضي خير الله غنوم المنشق عن النظام، أكد لـ”عربي21“، أن بقاء هذه العقود هو رهن بسقوط النظام من عدمه، مبينا أن النظام لا زال ممثلا للسلطة السياسية، رغم أنه اليوم بحكم المنتهي.
واستدرك قائلا: “وفق السائد دوليا، فإن الحق اليوم يفرضه الطرف الأقوى، ولذلك فإنه لا بد من القوة لإلغاء هذه العقود التي تتحصل عليها أطراف محتلة لسوريا”.
دون شرعية
رئيس الدائرة القانونية في الائتلاف السوري هيثم المالح، المُستقيل مؤخرا، شدد في حديثه لـ”عربي21” على عدم شرعية كل العقود التي يوقعها النظام السوري منذ العام 2011.
وقال، إن نظام الأسد فقد شرعيته الشعبية منذ اليوم الأول لخروج الشعب السوري ضده، الأمر الذي يفتح الباب أمام إمكانية مراجعة كل هذه العقود، لافتا إلى أن الشعب يشكل دائما المصدر الذي تستمد السلطة الشرعية منه، ما يعني أنه وفقا للقانون الدولي فإن النظام السوري هو نظام فاقد للشرعية.
وهذا ما يفسر من وجهة نظر المالح، دفاع روسيا عن الأسد ووقوفها إلى جانبه، لأن انتصار الأسد والقضاء على المعارضة يعني إعادة الشرعية للنظام من جديد، وبطبيعة الحال شرعية العقود التي وقعتها موسكو مع الأسد.
وبموازاة ذلك، أكد أنه يمكن للسلطة الشرعية القادمة إلغاء هذه العقود والاتفاقيات عبر محكمة العدل الدولية، استنادا إلى نزع الثورة السورية الشرعية عن النظام، وكذلك بسبب توقيع النظام هذه العقود للدول التي دعمته في حربه على شعبه، وليس لصد عدوان خارجي.
ومتفقا مع المالح، وصف عضو “هيئة القانونيين السوريين”، عبد الناصر حوشان، الاتفاقيات التي يوقعها النظام بـ”اللاشرعية”.
وقال في حديثه لـ”عربي21” إن “القوانين الدولية، لا تشرعن العقود التي توقعها الدول التي تشهد نزاعات مسلحة”، مشيرا إلى وجود مجال أمام الطعن دوليا بصحة هذه الاتفاقيات، إلى جانب مسؤولية الأمم المتحدة في الحفاظ على حقوق السوريين.
وقبل أيام، كانت “هيئة القانونين السوريين” قد أصدرت مذكرة، اعتبرت أن بشار الأسد يتصرف بالدولة السورية كأملاك خاصة له بعيدا عن مصالح الشعب السوري ورغما عن إرادة ذلك الشعب المهجر أكثر من نصفه قسرا، لافتة إلى أن كلا من روسيا وإيران تستغل بالضغط على بشار ونظامه لإبرام التنازلات وراء التنازلات عن الملكيات العائدة للشعب السوري وعن المرافئ، ومؤسسات السوريين وأجزاء من أرضهم.
وأوضحت المذكرة التي وصلت لـ”عربي21“، أن الاتفاقيات الموقعة قبل تاريخ الثورة السورية هي اتفاقيات سياسية بين ممثلي دولتين حسب القانون الدولي العام، أما الاتفاقيات التي تم توقيعها بعد اندلاع الثورة في سوريا، فإنها فاقدة لأي شرعية قانونية حتما بموجب القانون الدولي حيث تنص قوانين الأمم المتحدة على أنه يتوجب على الدول أن تودع الاتفاقيات الموقعة بينها لدى الأمم المتحدة حتى تصبح ملزمة.
إعادة النظر
وفي هذا الصدد، أكد رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، الدكتور أسامة القاضي، على ضرورة أن تتضمن بنود الحل السياسي السوري، فقرات تنص على إعادة النظر في كل الاتفاقيات التي وقّعها النظام السوري منذ عام 2011، بحيث يبقى جزء منها لبعض الوقت، أو تبقى كما هي في حال كان يمكن تعديل بعض البنود المجحفة، أو تلغى نهائيا في حال كانت سيئة في حق الشعب السوري.
ورأى في حديث لموقع محلي معارض، أن هذا الأمر ممكن للروس تفهمه ضمن صفقة سياسية مع الولايات المتحدة، لكن هذا سيكون مستحيلا بالنسبة إلى الإيرانيين، لأنهم أصحاب مشروع أيديولوجي عقائدي طائفي وتغيير ديموغرافي، كما قال.
وأضاف القاضي أنه “ليس للسوريين أي مصلحة في أي حل سياسي لا يتضمن هذا البند، لأنهم سيدخلون على أرض مدمرة بلا ثروات، وستظل تُستنزف أمام أعينهم لأكثر من قرن، ولا يملكون السيادة على جزء كبير من ثرواتها وأراضيها”.
اتهامات للمعارضة بالتقصير
من جانبه، اتهم معارض سوري، المعارضة السياسية بالتقصير في هذا الجانب، على حساب الانخراط في مفاوضات “غير مجدية” مع النظام.
وقال لـ”عربي21“، طالبا عدم الكشف عن اسمه، إن المعارضة وضعت نصب عينيها الوصول إلى الحكم فقط، وأغفلت بقية الملفات وعلى رأسها ملفات المعتقلين وجرائم الحرب التي ارتكبها النظام، وأيضا فضح هذه الاتفاقيات التي يوقعها النظام.
وفي رده على ذلك، رفض مصدر مسؤول في الائتلاف السوري الاتهامات هذه، وكشف في حديثه لـ”عربي21” عن تحضير الائتلاف لمجموعة إجراءات من أجل مواجهة هذه الاتفاقيات، من دون أن يقدم المزيد من التوضيحات.
أهم الاتفاقيات
عسكريا، أنشأت روسيا تسع قواعد لها في سوريا، وهي “قاعدة حميميم في اللاذقية، وقاعدة المرفأ في طرطوس، والكلية البحرية في جبلة، ومطار حماة العسكري، ومطار المزة العسكري بدمشق، ومطار الشعيرات بحمص، وقاعدة تدمر، ومطار الضبعة العسكري بريف حمص، إلى جانب قاعدة بالقرب من تل رفعت بريف حلب الشمالي”.
أما اقتصاديا، وقعت مع النظام السوري اتفاقيات عدة في مجالات مختلفة، أكبرها اتفاق الشراكة “طويل الأمد” في قطاعات الطاقة السورية (نفط، غاز، كهرباء)، في مطلع العام 2018.
وإلى جانب ذلك، ضمنت لشركاتها التنقيب عن النفط والغاز في منطقة الساحل السوري والمياه الإقليمية السورية.
ومن المرجح، أن توقع روسيا مزيدا من العقود الاقتصادية مع النظام السوري، بعد استئجارها ميناء طرطوس، حيث تذهب بعض التنبؤات إلى أن مصفاة بانياس القريبة من الميناء، ستكون المحطة الاستثمارية الروسية القادمة.
أما إيران، وإلى جانب قواعدها العسكرية المنتشرة في كل بقعة من بقاع سوريا، فقد هيمنت على جزء كبير من ما تبقى من اقتصاد سوريا، ضامنة الحصة الأكبر من المشاريع والاستثمارات الأكثر ربحية.
وتتويجا للاتفاقيات التي وقعتها طهران مع الأسد في مجالات الزراعة والصناعة والنفط والاتصالات والثروة الحيوانية والفوسفات، تتطلع إيران إلى السيطرة على ميناء اللاذقية، لتضمن بذلك منفذا بحريا لها على البحر المتوسط.