يواجه النظام السوري ضغوطاً متزايدة، في ظل أزمة نقص مادة “البنزين”، وعجز شبه تام عن توفير الحلول، في وقت يتم الحديث فيه عن رغبة دولية وإقليمية بتحريك مسار الحل السياسي وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
ويذهب محللون للتأكيد بأن الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالنظام السوري، ستدفعه إلى تقديم تنازلات في سبيل التوصل إلى حل سياسي.
وتعاني مناطق النظام، منذ أكثر من أسبوع، من أزمة وقود خانقة، أدت إلى شل حركة النقل في عموم المناطق، وتحديداً في المدن الكبرى دمشق وحلب.
وجاءت التصريحات الروسية، حول عدم وجود إمكانيات تقنية وتجارية لتوريد النفط الروسي إلى سوريا، بسبب عدم توفر بنية تحتية برية لذلك (أنابيب أو نقل بري)، واستبعاد التوريد عن طريق النقل البحري بسبب ارتفاع التكلفة، مخيبة لآمال أنصار النظام السوري بحدوث انفراجة قريبة، ما حدا ببعضهم إلى رفع الصوت عالياً، والطلب من الأسد الدخول في تسوية سياسية، خشية أن تسوء الأوضاع أكثر.
من جانبه، يرى رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، الدكتور أسامة القاضي، في حديث خاص لـ”اقتصاد”، أن “مهمة الحصار الخانق على النظام السوري، هي إحراج إيران وإجبار النظام السوري على التخلي عن حليف ضعيف كإيران الذي لن يتمكن من إيصال المدد النفطي لحليفه”.
ويصل القاضي في تحليله، إلى الجزم بأن الحصار يتم بموافقة روسية، وذلك لإيصال رسالة واضحة لإيران، بأن روسيا هي الحليف الوحيد القوي وهي الآمر الناهي في سوريا، وأن إحراج النظام أمام الموالين ومن تبقى من حاضنة شعبية هدفه التمهيد لاستبدال رأس النظام بالطرق الروسية.
وقال “روسيا تستخدم العقوبات الأمريكية كوسيلة للتخلص من رأس النظام وحليفه إيران، وروسيا تحاول كسب شعبية في سوريا، وكذلك كسب الاعتراف الدولي بدورها بمكافحة إيران كدولة راعية للإرهاب”.
وأضاف القاضي أن أمريكا جادة هذه المرة في تشديد المقاطعة ضد النظام السوري وإيران، وهي تحاصره براً وبحراً، داخل وخارج سوريا، ليس من أجل إسقاطه بل كي تدفعه للحل السياسي خاصة في حال تم التصديق على قانون سيزر (قيصر)، مؤكداً أن “الأزمة السورية بالغة التعقيد، والحل السياسي يضمن الموازنة بين مصالح روسيا وأمريكا، وتحديداً لجهة علاقاتهما مع إسرائيل وتركيا ومصر والخليج”.
وأعرب عن اعتقاده بأن الإدارة الأمريكية تريد مكسباً إضافياً، يتمثل بالخلاص من النفوذ والتمدد الإيراني في سوريا وربما في العراق أيضاً، والظهور بمظهر المنتصر، الذي أوصل القضية السورية لبر الأمان السياسي، ولو كان ذلك دون سقف المطالب الشعبية.
بدوره، وصف الخبير الاقتصادي، يونس الكريم، الأزمة التي يعاني منها النظام بـ”الأزمة المركبة”، ورأى أنه لمعرفة تأثير الأزمة النفطية على سلوك النظام لا بد من تشريحها.
وأشار في تصريح خاص لـ”اقتصاد” إلى وجود دور مفتعل من قبل النظام للأزمة، حيث يمهّد النظام لرفع الدعم الحكومي عن أسعار المحروقات، وبيعها بالسعر العالمي، وذلك بهدف جذب الشركات متعددة الجنسيات، وهو مطلب قديم من هذه الشركات التي تعتبر اللاعب الرئيسي في السياسات الدولية.
وأوضح الكريم، أن دعم الدولة لبعض المواد يصعّب على الشركات متعددة الجنسيات الدخول إلى السوق المحلية، كون الدعم المقدم لأبناء البلد، سيزيد من صعوبة المنافسة، والأرباح المتوقعة تكون ضعيفة جداً، إلى جانب ارتفاع قيمة الضرائب التي تفرضها الدولة بسبب دعمها لبعض السلع والمواد الأساسية، أي زيادة مسؤولية الدولة.
أما السبب الثاني للأزمة، بحسب الكريم، هو سياسي، ناجم عن متطلبات دولية من النظام لجهة المضي في الحل السياسي.
وقال إن “الهدف من تضييق الخناق اقتصادياً على النظام، هو الضغط على الأخير لتنفيذ كامل الإجراءات المطلوبة للتقدم في الحل السياسي، وتحديداً الموافقة على تشكيل اللجنة الدستورية، لأن من شأن ذلك أن يعيد ترتيب المعارضة”.
وتابع الكريم، أنه “نتيجة لسياسات النظام القمعية الشديدة، لم يتم إنتاج معارضة سورية قادرة على تأدية الدور المطلوب دولياً، وانسحاب رأس النظام أو تغييبه عن المشهد قبل ترتيب الوضع قد يدخل البلاد في حالة صراع أكبر مما هي عليه”.
لكن المفتش المالي المنشق عن النظام، منذر محمد، استبعد أن يُقدم النظام على خطوات فعلية في الحل السياسي، معتبراً أنه “على الرغم من الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي تزلزل أركان النظام، إلا أن الأسد لا زال يظن نفسه أنه المنتصر الوحيد في الحرب”.
وأضاف لـ”اقتصاد”، أن أكثر ما يعاني منه النظام هو عدم توفر السيولة النقدية في المصرف المركزي، وعجزه عن تسديد ثمن النفط الذي كان يورّد له من إيران، والأخيرة أوقفت توريد النفط للمطالبة بتنفيذ العقود التي وقعتها معه، وفي مقدمتها تسلم ميناء اللاذقية.
مصطفى محمد- خاص – اقتصاد