تزداد مخاوف اللاجئين السوريين في لبنان، مع اشتداد التجاذبات السياسية المحلية حول هذا الملف.
ولم تفلح المساهمات المالية الموصوفة بـ”الجيدة”، البالغة 7 مليارات دولار المخصصة لدعم اللاجئين السوريين في لبنان وتركيا والأردن والداخل السوري، التي خرج بها مؤتمر “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”، في إسكات الأصوات الداعية لإخراج اللاجئين السوريين في لبنان.
وكان مؤتمر “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” في بروكسل قد تعهد بـ7 مليارات دولار للاجئين السوريين، فيما تحتاج الأمم المتحدة إلى 8.8 مليار لتغطية احتياجاتهم.
وبعد يوم واحد من اختتام مؤتمر بروكسل أعماله، خرج الكاتب والمحلل السياسي اللبناني جوزيف أبو فاضل، ليهدد بإسقاط الحكومة اللبنانية ما لم تتخذ القرار بإعادة اللاجئين إلى سوريا.
ويدفع ذلك المشهد بملف اللاجئين السوريين لمزيد من الضبابية، وسط توقعات بتوجه بعض الفرقاء السياسيين لزيادة الدفع باتجاه إرغام اللاجئين السوريين الذين تقدر أعدادهم بمليون ونصف مليون لاجئ على العودة، من دون إشراف الأمم المتحدة، ودون توفير ظروف آمنة.
وبهذا الصدد، أعرب الدكتور المحامي اللبناني، طارق شندب، في حديثه لـ”اقتصاد”، عن أسفه من المساعي التي يقوم بها فريق كبير من أركان الحكومة اللبنانية، الهادفة إلى إجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى حضن نظام الأسد.
وقال “المؤسف فعلاً أن الجهة التي تطلب من اللاجئين السوريين العودة -رغم المخاطر الكبيرة- هي الجهة ذاتها التي تسببت بقتل وتهجير السوريين من منازلهم”، مؤكداً في هذا السياق أن بعض “المليشيات اللبنانية التي شاركت في الحرب السورية لا زالت تحتل منازل من تطالبهم بالعودة إلى سوريا، وتحديداً في المناطق السورية القريبة من الأراضي اللبنانية”.
مدعاة للسخرية
وتساءل شندب: “أليس الطلب من السوريين العودة لمنازلهم في سوريا المصادرة من مليشيات حزب الله والمليشيات اللبنانية الأخرى التي ساندت النظام، مدعاة للسخرية؟”.
وفي السياق ذاته، أعرب عن توقعه في أن تشهد المرحلة القادمة مزيداً من الضغوطات على اللاجئين السوريين، لافتاً إلى تباين مواقف الحكومة اللبنانية حول ملف اللاجئين السوريين، مبيناً أن تكتل قوى 14 آذار، يفضل المضي في المبادرة الروسية التي تنص على عودة اللاجئين إلى “المناطق الآمنة”.
وقال شندب إن التوجه الحكومي نحو إجبار اللاجئين السوريين على العودة هو أمر”غير شرعي”، مشدداً على ضرورة أن تكون العودة طوعية وآمنة تحت رعاية أممية وأن تكون للمنطقة التي هُجّروا منها وليس إلى منطقة أخرى.
وتختصر كلمة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري التي ألقاها خلال المؤتمر، مقاربة الحكومة لملف اللاجئين السوريين، إذ أكد خلالها أن الحل الوحيد لأزمتهم، يكون بعودتهم الآمنة إلى بلادهم مع احترام القوانين والمعاهدات الدولية.
رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، الدكتور أسامة القاضي، قال لـ”اقتصاد” إن عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا هو حلم لكل السوريين، لكن المشكلة في أن العودة لهؤلاء المعذبين دون حل سياسي عادل ودون ضمانات أمنية ستزيد عذاباتهم.
تحديات تضعف من أثر المؤتمر
وأضاف أن مؤتمر بروكسل سيمنح جزءاً من تعهدات الدول للبنان، غير أن هذا الجزء سيصرف بنفس الطريقة التي صرفت سابقاً دون شفافية، ودون معرفة ما وصل حقيقةً للاجئين السوريين، مشيراً إلى الترتيب المتدني للدولة اللبنانية في مؤشر الشفافية الدولية.
واعتبر قاضي أن وجود الآلاف من الأطفال السوريين في لبنان دون تعليم، إلى جانب الظروف الإنسانية الصعبة وغير الإنسانية، والتجييش الإعلامي ضد اللاجئين السوريين، وتبني تيارات سياسية لدفع اللاجئين للعودة، سيلغي أي أثر لمؤتمر بروكسل أو غيره.
منهياً بالقول “كنت أتمنى على الدول التي حضرت، أن تضع آليات للمساءلة حول الكيفية التي صرفت وستصرف بها المليارات التي حصلت وستحصل عليها لبنان، من أجل صيانة كرامة اللاجئين السوريين، وفي الحد الأدنى ضمان عدم الاعتداء عليهم في مخيماتهم غير الإنسانية وعدم ترك أولادهم بلا رعاية ولا تعليم”.
ابتزاز دولي
أما الخبير في المجتمع المدني والمهندس سعيد نحاس، فشكك بجدية توجه الحكومة اللبنانية نحو إجبار اللاجئين السوريين على العودة، واضعاً التصريحات اللبنانية في إطار”الابتزاز الهادف إلى استقطاب المال الدولي، مقابل استمرار احتضان اللاجئين”.
وفي حديثه لـ”اقتصاد” أكد، أن النجاح النسبي الذي حققه مؤتمر بروكسل لجهة مساعدة اللاجئين مالياً، قد يخفف من الضغط على اللاجئين في لبنان، لأن هذه الأموال مشروطة، ولن تقدم للحكومة اللبنانية ما لم تحسن الأخيرة من أوضاع اللاجئين على أراضيها.