أقر كل من الكونغرس الأمريكي ومجلس الشيوخ قبل أيام، القانون الأمريكي المعروف باسم قانون “قيصر لحماية المدنيين السوريين”، الذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ فور مصادقة الرئيس الأمريكي رونالد ترامب عليه.
ويفرض القانون في حال تطبيقه عقوبات على الأشخاص المتورطين في انتهاكات ضد السوريين أو عائلاتهم، وعلى الدول أو الشركات التي تمول أو تتعامل مع حكومة الأسد أو بنك سورية المركزي، كما سيمنع تزويد شركات الطيران السورية التجارية بالطائرات، ويمنع دعم صناعات الطاقة أو مشاريع الهندسة والبناء أو التعامل التجاري مع قطاعي النقل والاتصالات التي تديرها حكومة الأسد.
وقال “أسامة قاضي” الخبير الاقتصادي ورئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا” لوكالة “مسار برس” إن إقرار قانون قيصر الأمريكي سيكون له تداعيات واضحة على الاقتصاد السوري، فالعقوبات الاقتصادية ستفرض المزيد من العزلة على العديد من الشخصيات السورية المتورطة أمنياً أو مالياً أو اقتصادياً والتي تعتبر من الدائرة الضيقة المقربة من نظام الأسد، نظراً لكونها تمسك بمفاصل الاقتصاد السوري، وهو ما سينعكس بدوره على عموم الشعب السوري.
وأضاف “قاضي” أن تأخر الحل السياسي العادل للمسألة السورية من أجل بازارات سياسية، سيزيد من معاناة الشعب السوري، حيث أثبتت تجربة المقاطعة الاقتصادية تاريخياً في كوبا والعراق وايران على سبيل المثال، أنها قادرة على إضعاف الأنظمة الاستبدادية ولكنها غير قادرة على إسقاطها، وأنها الحد الأدنى الذي يمكن أن تدعم به الدول الشعوب لنيل حريتها.
ونفى “قاضي” أن تكون العقوبات السابقة سبباً مباشراً لواقع السوريين المتردي، فنظام الأسد استلم من الأمم المتحدة خلال السنوات الماضية مايقدر ب 30 مليار دولار على شكل مساعدات، كما أدخل عن طريق الحدود الأردنية والعراقية كل مايحتاجه وخاصة بعد فتح معبر نصيب مع الأردن، فيما تزال موانئه تستقبل بواخر الشحن المليئة بالمواد الغذائية والأدوية.
وحول واقع الاقتصاد السوري حالياً اعتبر “قاضي” أن الأوضاع الاقتصادية تحسنت بشكل طفيف بعد توقف العمليات العسكرية واستعادة نظام الأسد السيطرة على معظم المناطق المحررة، إلا أن استمرار القصف الإسرائيلي لمواقع حساسة يزعزع هذا الاستقرار الهش، ويعطل عودة الاستثمارات الاقتصادية.
ونوه “قاضي” إلى أن تكرار استهداف مطار دمشق الدولي على وجه الخصوص سيعيق وصول المساعدات الإيرانية، حيث أن كل ما ستصدره إيران إلى سورية من نفط أو غاز أو مواد غذائية أو دوائية سيكون عرضة للتدمير والإتلاف.
ورأى “قاضي” أن خسارة نظام الأسد لمناطق ذات ثقل اقتصادي كالرقة ودير الزور والحسكة وريف حلب وإدلب التي تتركز فيها الثروة النفطية أو تعتبر سلة غذائية للبلاد أفقد نظام الأسد أهم دعائمه الاقتصادية، كما أن استمراره بسياسة استنزاف اليد العاملة من خلال عمليات السوق الإجباري للخدمة العسكرية حتى لمن هم في فئة عمرية متقدمة يشير إلى اهتمام نظام الأسد بتثبيت أركانه على حساب دفع عجلة النمو الاقتصادي، وخاصة مع شح الأيدي العاملة نتيجة هروب الشباب إلى بلاد اللجوء.
وتوقع “قاضي” أن الليرة السورية بعد فرض هذه العقوبات ستشهد مزيداً من الانخفاض وخاصة مع غياب أي عوامل يمكن لها أن تحرك عجلة الإنتاج ومع الشح الكبير في الماء والوقود والكهرباء والتي تتوافر بكميات لا تكفي لسد ربع حاجة السوق المحلية.
واعتبر “قاضي” أن نظام الأسد سيحتاج المزيد من الدعم المالي والاقتصادي من حلفائه، إلا أن ذلك لن يوقف هذا التدهور، مشيراً إلى تراجع الليرة السورية عند تدخل الجيش الروسي بسورية من سعر 323 ليرة إلى حدود 500 ليرة مقابل الدولار الواحد، كما شهدت الليرة انخفاضا جديدا من حاجز 500 حتى 530 ليرة سورية للدولار الواحد بعد زيارة النائب الأول للرئيس الإيراني الأخيرة قبل أيام، “إسحاق جهانغيري” وتوقيعه 11 اتفاقية مع نظام الأسد من أجل “دعم الاقتصاد السوري” و “إعادة إعماره”.
يذكر أن عددا من الدول العربية كانت تتحضر لإعادة علاقاتها مع نظام الأسد، وتفعيل سفاراتها في دمشق، في محاولة للاستعداد والاستفادة من عملية إعادة الإعمار المرتقبة، في حين يتوقع مراقبون أن يشكل قرار قيصر الأمريكي حجر عثرة في وجه إعادة تعويم الأسد دولياً وخاصة مع وجود بند يشير إلى عدم تعليق هذه العقوبات الاقتصادية مالم يلتزم نظام الأسد بعدد من الشروط منها توقفه وحلفاؤه عن قصف المراكز المدنية، وإطلاق سراح السجناء السياسيين واتخاذ خطوات قد تحقق محاسبة مرتكبي جرائم الحرب والمشاركة في عملية مصالحة مستقلة وذات مصداقية.