المونيتور – محمد بسيكي
يعزّز مصرف سورية المركزيّ محاولاته للعمل على جذب الأموال السوريّة المودعة في المصارف اللبنانيّة، وذلك بالتزامن مع تشديد التضييق الماليّ على النظام السوريّ، بعد إقرار مجلس النواب الأميركيّ في 24 كانون الثاني/ يناير الماضي، قانون “سيزر” لحماية المدنيين في الشرق الأوسط لعام 2019، لفرض عقوبات جديدة على الحكومة السورية وعلى حلفاءها في مجالات مشاريع البناء والهندسة وقطاع الطاقة والنقل الجوي، وفي مجالات توفير التمويل.
كانت وسائل إعلام محليّة مطّلعة، كشفت عن أنّ المصرف المركزيّ يدرس الإجراءات المتاحة والممكنة لجذب أموال السوريّين من الخارج وتسهيل عمليّات فتح الحسابات الجارية وقبول الودائع بالعملات الأجنبيّة بالدولار واليورو من قبل المصارف. ويعتمد المركزيّ، من أجل تنشيط عودة أموال السوريّين من الخارج، على جهتين، هما: شركات الصرافة والمصارف المحليّة، ويعوّل عليهما في إنجاح هذا المسعى.
وتشير تقديرات إلى أنّ المصارف اللبنانيّة تستوعب نحو 20 مليار دولار من الأموال السوريّة، وهذا رقم يشكّك فيه مصرفيّون وخبراء ماليّون، إذ أظهرات إحصائية لمصرف لبنان، أن ودائع غير المقيمين في لبنان بلغت 36 مليار دولار، بنمو نسبته 2.5% عن نهاية 2017.
تحرّك المركزيّ من أجل جذب الأموال لاقى استجابة مباشرة من بعض المصارف الحكوميّة، حيث أعلن المصرف العقاريّ عن تعديل أسعار الفائدة على الإيداعات، بغية جذب المزيد من الودائع، وكذلك فعل المصرف التجاريّ.
ويوجد في سوريا 17 شركة صرافة مرخصة و14 بنكاً خاصّاً برؤوس أموال خليجيّة ولبنانيّة، و6 مصارف حكوميّة تملكها الدولة، أكبرها المصرف التجاريّ السوريّ، وفقاً لرأس المال وحجم نشاط أعماله في السوق.
ومنذ اندلاع الاحتجاجات، شهد الاقتصاد السوريّ حركة نزوح لميارات الدولارات من سوريا واستقرّت في بنوك لبنانيّة وإقليميّة. يقدرها تقرير للأمم المتحدة صادر في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 نحو 22 مليار دولار، وكان لبنان أكبر المستفيدين. والآن، هناك محاولة لاستعادتها من لبنان لتوظيفها في إنجاح خطط اقتصاديّة وسياسات ماليّة وضعها النظام، وعلى رأسها تعزيز السيولة الماليّة لديه وتحقيق استقرار في سعر صرف الليرة، وفق ما قاله خبراء ماليّون لـ”المونيتور”.
الكتلة الأكبر من أموال السوريين المهاجرة بعد 2011، توجهت لمصارف لبنان، بسبب طبيعة العلاقات الاقتصاية والقرب الجغرافي، وهناك ترابط كبير بين الجهازين المصرفيين، ويخطط المركزي لجذب هذه الأموال.
إذا أراد النظام السوري حقّاً تشجيع عودة رؤوس الأموال إلى سوريا، لكان عمل على برنامج تحفيزيّ شامل وخاطب جميع السوريّين في دول الجوار. أمّا التركيز على لبنان فهو لغايات أخرى سياسيّة بغالبيّتها”. يقول خبير مصرفي، للمونيتور، فضل عدم ذكر اسمه.
والغرض المعني بحسب الخبير هو “بشكل رئيسي موضوع اللاجئين السوريين في لبنان وقضية عودتهم”.
وفق الخبير، يشكل مجموع أصول (موجودات) المصارف اللبنانية 4 أضعاف الناتج المحلي الاجمالي لهذا البلد على أقل تقدير، وإن أي خلل في هذا القطاع سوف يكون كارثياً على لبنان. لذلك هو وسيلة ضغط على البلد وحكومته.
وفي هذا الإطار، قال رئيس مجموعة “عمل اقتصاد سوريا” الدكتور أسامة قاضي خلال مقابلة مع “المونيتور”: “إذا تمّ خلال عام كامل استرجاع 10 مليارات ليرة، فمعناها استرجاع 20 مليون دولار فقط، و”هذا المبلغ بسيط جدّاً لا يستطيع سدّ جزء يسير من الطلب المحليّ أو النفقات الحكوميّة، ولن يساعد في انخفاض سعر الليرة السوريّة مقابل الدولار”.
وبالتزامن مع تحرّك المركزيّ للبحث عن آليّات لجذب الأموال، أعلن المركزي السوري في 4 شباط/فبراير الجاري، للمرّة الأولى في تاريخ سوريا، عن طرحه شهادات إيداع بالليرة السوريّة بهدف “إدارة السيولة المحليّة في إطار تنفيذه السياسة النقديّة وتشجيع المصارف على استقطاب المزيد من الودائع إلى القطاع المصرفيّ” وفق بيان صحافي نشره المصرف على موقعه الرسمي، وهذا القرار يعزّز ما ذهب إليه الخبراء من هدفه إلى جذب الودائع.
وعن هذا التحرّك، قال: “إنّ اتباع سياسات نقديّة يساعد في توظيف واستثمار النقد المكتنز للمدخرين في السوق المحليّة هو بمثابة أدوات تقليديّة في أجواء مستقرّة، ولكن إصدار شهادات إيداع بالليرة السوريّة بقيمة إسميّة 100 مليون ليرة للشهادة وسعر فائدة 4.5 في المئة عمليّاً أداة عديمة الجدوى، في ظلّ حال عدم استقرار الليرة وغياب الثقة في الأداء الحكوميّ، ضمن معدّلات تضخميّة كبيرة وصلت رسميّاً إلى 36 في المئة، وهي فعليّاً تجاوزت الـ400 في المئة”.
يريد النظام إعادة الأموال المودعة في مصارف لبنانيّة وتوظيفها، ليس في استثمارات محليّة فقط، بل من أجل ضبط الكتلة النقديّة من العملة المحليّة والمساهمة في استقرار سعر صرف الليرة، بحسب ما قال أسامة قاضي.
بالتوازي مع حديث النظام السوري عن إعاة الإعمار، يبدو الحديث عن إعادة الأموال السوريّة مناسباً للنظام، في ظلّ تدهور وضعه ماليّاً، وبالتالي استمرار المركزيّ في إصدار قرارات تحسّن المنظومة القانونيّة لعمليّات الإيداع في المصارف.
وأكّد الخبير المصرفيّ لـ”المونيتور” أنّ “الشهادات (الإيداع) قد تكون محفّزة، لكن ليست للأموال الخارجيّة، فهناك فئات جديدة من أثرياء الحرب لا تعرف ماذا تفعل بأموالها، وقد تكون هي الرافعة لهذا النوع من الشهادات”.
وشكّك الخبير في قدرة النظام على استرداد الأموال من لبنان أو الخارج عموماً، لأنّ “لا سلطة للمصرف المركزيّ على الودائع خارج سوريا، ولا يمكن القول إنّها عمليّات استرداد، فهي ليست ملكه أساساً. وبالتالي، إن لم يبادر المودعون أنفسهم بالعودة لن يتمّ ذلك”، معتبراً أنّ هدف النظام “الضغط السياسيّ على لبنان في قضايا عدّة وإحراجه دوليّاً، فعندما قال النظام إنّ للسوريّين حجماً كبيراً من الودائع في لبنان، فإنّه أثار فضول مكتب مراقبة الأصول الأجنبيّة الأميركيّ (أوفاك)، الذي بادر فوراً بالتدقيق في هذا الموضوع”.
وحول ما يمكن أن يفعله (أوفاك)، أو فعله من قبل، فقد أصدر العديد من قرارات العقوبات الاقتصادية على مصارف سوريّة، وجمّد أصول في الخارج، وحظر السفر، والتعامل مع عدد من الشركات ورجال الأعمال السوريين.
بحسب الخبير ” لايمكن التنبؤ بما سيفعله أوفاك لكن لاشيء مستبعد، (أوفاك) مستمر في مراقبة القنوات المالية لإيران وحزب الله والنظام السوري، وهذا لايعفي المصارف اللبنانية من مخاطر العقوبات كون عدد كبير منها لديه شراكات وأذرع مصرفية في سورية”.
وكذلك “لايمكن فصل دوره عن السياسة، فالعقوبات الاقتصادية أصحبت أحد أدوات السياسة الخارجية لأوروبا وأمريكا، وبالطبع يتابع بدقة حركة الأموال المنقولة من إيران الى حزب الله أو من أي دولة أخرى، وهو يهمه بالدرجة الأولى معرفة ممولي حزب الله “.
وبالنّسبة إلى إمكانيّة توظيف ما يعود من أموال في إعادة الإعمار، اعتبر أنّ هذه الأموال “لن تشكّل أيّ شيء في موضوع إعادة الإعمار، ولا يمكن الاستفادة منها سوى بزيادة السيولة من القطع الأجنبيّ لدى المصارف العاملة في سوريا”.
بعيداً عن لبنان، رجّح الخبير “وجود ودائع للسوريّين بشكل كبير في دول الخليج والأردن ومصر بعد استثناء تركيا، بسبب تردّي الأوضاع السياسيّة معها. هذا الاستثناء سببه أنني لا أعلم بوجود العديد من الارتباطات المصرفية مع تركيا لسوريين قبل الحرب سوى عدة رجال أعمال، في حين أن للسوريين من دمشق وحلب، تجاراً كانوا أو أفراد، علاقات مصرفية قديمة مع بنوك الخليج ومصر عموماً، حتى أن عدداً من المصارف الخليجية في الامارات وقطر والكويت لديها حصص كبيرة في المصارف الخاصة السورية من قبل الحرب وحتى اليوم، لذا فإمكانية نقل جزء من الأموال عبر هذا الشبكة واردة أيضاً”.