منذ أكثر من عام كشف موقع ديبكا الإسرائيلي “المتخصص في الشؤون العسكرية والاستخباراتية” عن وثيقة سرية بين واشنطن وموسكو، زعم من خلالها أن تلك الوثيقة تتعلق بتقسيم موارد النفط والغاز الطبيعي في سوريا، والذي سيلعب دورا في تحديد السيطرة العسكرية في شرقي سوريا خلال الفترة المقبلة.
وأفاد تقرير الموقع الإسرائيلي أن الوثيقة التي تمت بين واشنطن وموسكو سيتم بموجبها منح الأكراد السيطرة على موارد نفطية، والنظام السوري موارد للغاز الطبيعي.
تبع ذلك إعلان مجلس سوريا الديمقراطية أواخر شهر تموز الماضي مفاوضاته المباشرة مع دمشق حول ملفات عديدة قيل أنها ستتضمن الملف العسكري والسياسي وكذلك الإداري، الأمر الذي أدى إلى بروز إشارات استفهام حول آليات تطبيق أي تفاهم قد ينتج عنها؛ في ظل التواجد الأمريكي في المناطق التي تسيطر عليها سوريا الديمقراطية في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة.
ومن خلال تقاطع معلومات وصلت إلى راديو روزنة، أشارت من خلالها إلى أن ملف القطاع النفطي كان من المسائل التي وضعت على قائمة ملفات التفاوض بين سوريا الديمقراطية مع دمشق؛ وهي الأخيرة كانت عقدت اتفاقاً غير معلن مع وحدات حماية الشعب الكردية (العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية حالياً) منذ عام 2013 اقتضى بموجبه تسليم حصة 25 بالمئة من واردات حقول النفط في مناطق شمال شرق سوريا للوحدات الكردية مقابل “حمايتها” لتلك الحقول.
حقول النفط ورقة رابحة لمفاوضات سوريا الديمقراطية؟
وبحكم السيطرة الميدانية لقوات سوريا الديمقراطية لمناطق واسعة في شرق وشمال شرق سوريا، ومن ضمنها أهم حقول النفط والغاز في سوريا (حقول الرميلان والشدادي والعمر وكونيكو)، بات ملف القطاع النفطي مسألة رئيسية يجري نقاشها مع دمشق وقد تكون ورقة رابحة لسوريا الديمقراطية في مفاوضاتها.
رياض درار “الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية” (الذراع السياسي للقوات) قال في حديثه لراديو روزنة أن النفط السوري هو ثروة وطنية لجميع السوريين، مشيراً إلى أن قوات سوريا الديمقراطية تقوم “بحمايته” فقط، ولن يستخدموه كوسيلة ضغط على دمشق من أجل التفاوض؛ حسب تعبيره.
معتبراً أن المفاوضات الحقيقية لم تبدأ بعد؛ إنما ما جرى حتى الآن هو جس نبض لمعرفة خطوات دمشق وإمكانية تقدمها الإيجابي نحو الحل السياسي، لافتاً إلى وجوب أن تكون هذه المفاوضات بلا شروط، ونوه أن الحديث عن تقاسم واردات النفط غير موجود بسبب أن كثير من الحقول أصبحت خارج الخدمة جراء التخريب الذي لحق بها إن كان من داعش أو القصف الجوي.
من جانبه يرى “رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا” د.أسامة قاضي؛ في حديثه لروزنة أنه ومنذ سبعة سنوات إلى الآن؛ لم يستثمر أي طرف؛ أكثر من ربع النفط السوري وذلك بسبب مخاطر النقل وبدائية طرق الاستخراج بحسب قوله وكذلك “يباع بربع سعره” يتابع حديثه.
ويعتقد قاضي بأن كل الأطراف بانتظار تبلور الحل السياسي الذي قد لايكون معناه وحدة سوريا وسيطرة الحكومة المركزية عليه، بل قد ينتهي النفط بيد أحد إدارات مناطق النفوذ الروسية أو الايرانية أو الأمريكية أو التركية، وفق تعبيره، مشيراً إلى أنه وعلى الأغلب قد ينتهي النفط بيد الأمريكيين تاركين “الواجهة” لبعض قوات كردية ومجالس محلية.
الباحث السياسي “سعد الشارع” اعتبر في حديثه لروزنة أن المطمع الأساسي لسوريا الديمقراطية من المفاوضات يتجلى في رغبتهم بالحصول على مصلحة ذاتية من النفط، “هم ممكن أن يعطوا النفط مقابل أن يحصلوا على مكتسبات إدارية وممكن أن تحصل المساومة على هذا الأساس“.
لافتاً إلى أن خيارات النظام السوري في قطاع الطاقة تكمن في لجوئه إلى حقول الغاز المتواجدة في منطقة تدمر، ويعتقد الشارع بأن النظام متمهل بالعمل من أجل المنشآت النفطية فالعمل فيها حسب قوله يحتاج لميزانية كبيرة وايضاً يرتبط بالاستقرار.
وينظر الشارع إلى عقدة مهمة يجب أن تمر فيها المفاوضات بين سوريا الديمقراطية ودمشق والتي يشكل الملف النفطي بوابة رئيسية فيها، ألا وهي الموقف الأمريكي والذي يرى بأنه غير معارض للتفاهم بين الطرفين.
وسيطر مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية (الذراع العسكري لحزب الإتحاد الديمقراطي) والتي انضمت فيما بعد لتشكل قوات سوريا الديمقراطية، سيطرت على المدن ذات الغالبية الكردية في تموز 2012، إلا أن السيطرة على حقول النفط والغاز كانت في آذار 2013، حيث تقع أغنى حقول النفط في سوريا في شمال شرق سوريا.
المطامع الغربية وكعكة الشرق السوري
ونشرت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية مقالاً يوم الأحد قبل الفائت تقاطع في ما قدمه مع معلومات وصلتراديو روزنة، تشي بنية أمريكية في لجوئها لخطة بديلة قد تضطر إليها على ضوء أي مستجد ميداني قد لا يتوافق ومصالحها في الأرض السورية، الخطة الأمريكية البديلة تعتمد على بناء قاعدة عسكرية ضخمة في مطار الشدادي في محافظة الحسكة، وهي التي تعمل حاليا على تطوير وتوسيع المطار لتزويده قريبا بالطائرات العسكرية وليكون حتى أكبر من قاعدة حميميم العسكرية التي تمركزت فيها روسيا على الساحل السوري.
فضلا عن شحنات أسلحة كبيرة وصلت خلال الأيام الماضية بلغت قرابة الـ “150 شاحنة” محملة بالأسلحة الثقيلة؛ وذلك بحسب المعلومات الواردة، إلا أن مصادر كردية نفت لروزنة حقيقة الأنباء المتناقلة عن القاعدة مؤكدة أن ما يجري حاليا هو ينحصر فقط في إطار محاربة داعش.
الباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية “سقراط العلو” قلّل من شأن مطامع الولايات المتحدة الإقتصادية في حديثه لراديو روزنة، معتبراً أن قطاع الطاقة السوري “قطاع صغير جداً” ولذلك بحسب رأيه فإنه لا يمثل أي إغراء للولايات المتحدة التي تمتلك اليوم أكبر احتياطي عالمي من النفط الصخري.
مشيراً إلى أن الوجود الأمريكي مرتبط بالحرب على تنظيم داعش والرقابة على النشاط الإيراني بين العراق وسوريا (الطريق البري) وذلك لحماية أمن إسرائيل والخليج، وفق تصوره.
وعلى الرغم من المطامع الموجودة تجاه النفط السوري، غير أن إنتاج سوريا من النفط يأتي في المرتبة 27 على العالم، ويبلغ حوالي 380 ألف برميل يومياً كان يذهب نصفها تقريباً للاستهلاك الداخلي والباقي يتم تصديره، وتقدر مساهمة قطاع النفط والغاز في الناتج المحلي الإجمالي لسوريا 7% فقط، وبلغت قيمة الصادرات من النفط في العام 2011 ما يقارب الـ 4 مليار دولار.
وتشير أغلب توقعات الخبراء بأن الحقول الحالية من النفط السوري سيتم استهلاك كامل احتياطياتها في غضون 20 عام على أكثر تقدير، وكذلك الأمر بالنسبة لحقول الغاز والتي يبلغ عمرها الافتراضي 15 عام.
اقرأ أيضاً..هل أخطأ الأكراد في تحالفاتهم بسوريا؟
فيما اعتبر الباحث العلو أن روسيا هي صاحبة المصلحة الأكبر في قطاع الثروة الباطنية (نفط، غاز، وفوسفات) “هي بالفعل استحوذت على كامل عقود استثمار آبار الغاز والفوسفات والنفط الواقعة في البادية السورية من ريف حمص الشمالي إلى ديرالزور، حيث حصلت شركات روسية على عقود استثمار الفوسفات في مناجم الشرقية لمدة خمسين عام، كما حصلت شركات روسية أخرى على حصة 25% من إنتاج حقول النفط والغاز التي يتم استعادتها من تنظيم داعش ولمدة خمس سنوات“.
وكانت موسكو قد وقعت مع دمشق في 25 كانون الأول 2013، اتفاقاً يقضي بموجبه بالسماح لروسيا بالتنقيب والحفر في منطقة قبالة الساحل السوري؛ وبأنه في حال تم اكتشاف النفط أو الغاز الطبيعي، فإن المجموعة الروسية “سيوزنفتاغاز” التي تسيطر عليها الدولة سوف تمتلك حصة مسيطرة لمدة خمسة وعشرين عاماً.
بدوره لا يرى الباحث السياسي” سعد الشارع؛ أن يكون لإيران أي مطامع في قطاع النفط والغاز السوري معللا ذلك بالإنتاجية الكبيرة التي تتمتع بها طهران في أسواق النفط، ومشيراً إلى أن المناطق التي تتواجد بها إيران في سوريا وبالمقارنة مع مناطق الجزيرة السورية تعتبر أقل إنتاجية منها بكثير.
بينما يتفق مع “العلو” في المطامع الروسية الظاهرة في قطاع الطاقة حيث أشار “سعد الشارع” بأن الروس يطرحون فكرة وجود شركات روسية تستثمر النفط والغاز في سوريا، أو أن تقوم هذه الشركات بأعمال الصيانة لكثير من الحقول المتضررة والتي هي بطبيعة الحال تحتاج إلى صيانة، وفق قوله.
وأضاف متابعاً “هناك أيضاً مطمع روسي آخر، يتمثل بأن تبرم موسكو مع النظام؛ عقوداً لتطوير مصافي النفط في حمص وبانياس، فضلا عن مساعي روسية لتأسيس مصفاة نفط ثالثة“.
..هذا وتحتوي محافظة الحسكة على أكبر إنتاجات النفط في سوريا، حيث ويقدر عدد الآبار النفطية التابعة لحقول رميلان بقرابة 1322 بئرا، وتنتج هذه الحقول ما مجموعه 90 ألف برميل يومياً، وكذلك هناك حقول السويدية والتي يبلغ إنتاجها 116 ألف برميل، بينما يليها في الإنتاج “حقل العمر” والذي يقع في دير الزور، بمعدل إنتاج 80 ألف برميل، وحقلي “التيم والورد” في المحافظة ذاتها بمعدل إنتاج 50 ألف برميل.
وأيضاً في محافظة الحسكة تأتي حقول الشدادي والجبسة والهول بـ 30 ألف برميل، فضلاً عن حقول نفطية أخرى في ريف دير الزور؛ منها الجفرة، وكونيكو، ومحطة الـ”تي تو” (T2)، وهي محطة تقع على خط النفط العراقي السوري، كما توجد في محافظة الرقة بعض النقاط النفطية الصغيرة، بالإضافة إلى الحقول الواقعة بالقرب من مركدة وتشرين كبيبة الواقعين في ريف الحسكة الجنوبي، وجميعها تقع تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية“.
لماذا لم تمنح الولايات المتحدة للمعارضة السورية نفوذاً على آبار النفط؟
ويعتبر المحلل الاستراتيجي والباحث في مسار السياسة والعلاقات الدولية “معن الطلّاع” في حديثه لراديو روزنة أن الولايات المتحدة أعطت دعمها للقوات الكردية في مناطق تواجدها، فضلاً عن عدم إعطاء أي نفوذ للحكومة المعارضة المؤقتة على آبار النفط.
و يعود ذلك بحسب رأيه لاعتبارات عديدة أولها يرتبط بسياسات واشنطن التي عملت من خلالها على مبدأ إدارة الأزمة والتحكم بها أكثر من الانخراط فيها (انخراطها بالشمال أتى من بوابة محاربة داعش)؛ وهذه السياسات دللت بمكان وآخر على عدم رغبة الولايات المتحدة بدعم أي مشاريع وتوجهات تعزز مقاربة بديل الدولة وعلى رأسها الحكومة المؤقتة المعارضة وعدم تمكينها؛ حسب رأي الطلّاع.
ويضيف في تحليله “بغض النظر عن تقييمنا للحكومة المؤقتة فإن فرصة سيطرتها على حقول النفط لا تتحمل واشنطن هذا الأمر وحدها؛ حيث أن (الحكومة المؤقتة) لم تستثمر هذه الفرصة بالشكل الكافي والدعم المحلي والثوري المطلوب؛ فعدم اعتراف قوى الثورة والمعارضة المسلحة والمسيطرة على تلك الحقول بالحكومة المؤقتة؛ واستغلال بعضها للظرف لتحسين شروط قوته الاقتصادية؛ دون وجود خطط حكم محلي متكامل ساهم في افتقاد الكثير من الفرص“.
وكان راديو روزنة قد تواصل مع شخصيات في الحكومة المؤقتة المعارضة خلال مرحلة إعداد هذا التحقيق؛ من أجل التعليق على الموضوع، إلا أننا لم نتلقى أي رد، حيث طلب مدير العلاقات العامة فيها “ياسر الحجي” عدم التعليق دون أن يترك توضيحا لذلك، بينما لم يتجاوب رئيسها جواد أبو حطب مع تساؤلاتنا على الإطلاق.
و يلفت “دارا مصطفى” عضو هيئة العلاقات الخارجية في حزب الإتحاد الديمقراطي بأوروبا خلال حديثه لروزنة؛ إلى أنه لا سلطة للأمريكيين على آبار النفط حتى تمنح أي جهة معارضة نفوذاً عليها.
ويضيف “الأمريكيين جاؤوا ودعموا قوات سورية الديمقراطية لهدف وحيد ألا وهو محاربة داعش والتنظيمات الإرهابية التي تشكل خطراً على أمنها القومي وأمن أوربا؛ وهنا تتقاطع مصلحة الشعب السوري مع الولايات المتحدة وقوات التحالف؛ وبكل الأحوال لا وجود للإئتلاف السوري و الجيش السوري الحر في شمال شرق البلاد إذا كان المقصود بالمعارضة هؤلاء“.
ويعتبر مصطفى أن الولايات المتحدة أوقفت دعمها العسكري والمادي والسياسي لقوى المعارضة بسبب رفضها المشاركة في الحرب على الإرهاب؛ حسب رأيه؛ ويضيف “حتى أصبحت مناطقها مرتعاً لتنظيم القاعدة (جبهة النصرة – هيئة تحرير الشام) العد اللدود للولايات المتحدة والتي أرسلت أساطيلها إلى كل بقاع الأرض لمحاربته“.
قد يهمك..ترامب يحذِّر من “هجوم متهور” على إدلب
فيما يرى الباحث في الاقتصاد السياسي “سقراط العلو” أن النفط السوري حالياً لا يعول عليه كثيراً بالنسبة للنظام في مجال تمويل عملية إعادة الإعمار، وإنما برأيه ستشكل استعادة النظام لحقول النفط مصدراً لتلبية الاحتياجات الداخلية من المحروقات وهذا ما سيوفر عليه استيراد النفط من الخارج وبالتالي سيقلل من حاجة النظام للدولار، كما أن استئناف تصدير النفط أيضاً سيشكل مصدراً للقطع الأجنبي.
كردستان جديدة في سوريا؟
وتشير توقعات ربطت بين استمرار التواجد الإيراني في سوريا وبين عزم أميركا على ضرورة إفشال تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة من خلال إنشاء كيان كردي مستقل، لتقطع بذلك الطريق على هذا المشروع، وما قد يعزز من هذه الفرضية هو فشل مفاوضات سوريا الديمقراطية مع دمشق، الأمر الذي تضعه الولايات المتحدة في حساباتها أيضاً، مما سيدفعها لحماية مصالحها في سوريا والاتجاه نحو دعم كيان كردي مستقل والذي سيجعل أكراد سوريا متحكمين بملف النفط في مناطقهم بشكل كامل.
ويرى المحلل السياسي العراقي “مؤيد العلي” من خلال حديثه لراديو روزنة أن الصراع كبير من أجل السيطرة التامة على حقول النفط والغاز الطبيعي شمال شرق سوريا، معتبراً أن حلم “الدولة الكردية” مازال ماثلاً في مخيلة الأكراد سواء كانوا في العراق أو سوريا، حسب تعبيره.
وتدخل إسرائيل إلى جانب أميركا بحسب رأي المحلل السياسي العراقي؛ في سعيهما لتشكيل “كردستان الكبرى” وذلك من أجل السيطرة على مصادر الطاقة الموجودة في مناطق (شمال العراق وشمال شرق سوريا) وأيضا لتكون قاعدة ومنطلقاً لتنفيذ الأجندات الأمريكية ولتكون خنجر في ظهر كل من العراق وسوريا وتركيا، وفق وصفه.
ويشير المحلل العراقي إلى أن إقامة كردستان جديدة في سوريا، ستصطدم بمواجهة تركية تمنع من قيامها، معتبراً أن هذا الأمر من أسباب التوتر الحالي بين أمريكا وتركيا، ولم يستبعد أن تتدخل تركيا عسكريا؛ لمنع إقامة كردستان سوريّة، لكن العلي نوه أن الرغبة الأمريكية في السيطرة على الحقول النفطية وتمكين الأكراد منها، كي تكون ورقة ضغط خلال التسويات السياسية والعسكرية.
ووقّع وزير الدفاع الإيراني مع نظيره السوري في دمشق اتفاقية للتعاون العسكري والدفاعي، وفق ما ذكرت وسائل إعلام إيرانية يوم الإثنين الماضي، ونقلت وكالة أنباء “تسنيم” عن وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي قوله إن الاتفاقية تهدف إلى “تعزيز البنى التحتية الدفاعية في سوريا التي تعتبر الضامن الأساسي لاستمرار السلام والمحافظة عليه”.
يتحدث الكاتب والمحلل السياسي التركي “فراس رضوان أوغلو” في تصريحات لروزنة عن إجماع إقليمي لمنع إقامة كردستان سوريا، ويعتقد أن النفط قد يسمح للأكراد العيش في مناطقهم ضمن تنظيم سياسي خاص بهم ولكنه لن يمكنهم بتاتاً من إنشاء الكيان المستقل، فإقامة هذا الكيان يحتاج بحسب رأي رضوان أوغلو لمحيط حيوي اقتصادي سياسي، والذي يراه بأنه غير موجود، ولذلك لجأ سوريا الديمقراطية الى التفاوض مع دمشق لأنه المنفذ الوحيد المتبقي لهم إلى جانب الدعم الأمريكي، حسب تعبيره.
ويتوقع رضوان أوغلو بقاء الوضع في شمال شرق سوريا على حاله؛ إلى حين قدوم إدارة أمريكية جديدة تتفاوض مع تركيا، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه حتى قد تتغير الحكومة أيضاً في تركيا.
لكنه يرى في بقاء القوات الأمريكية في سوريا هدف ومطلب استراتيجي تركي ليكون مواجه للروس من أجل التوازن، حسب تعبيره، مضيفاً أن بقاء الأمريكي لن تفضله مع تركيا لاستمرار الدعم للأكراد، ويرى بأن الحل السياسي يبقى مطلباً أساسياً من أجل دستور جديد يضمن عدم عودة الحرب مرة أخرى.
اقرأ أيضاً..”الزنكي” تنفي لقاءها بـ “الروس”
من جانبه لفت رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا؛ د.أسامة قاضي بأن الواقع السياسي قد تجاوز بيان جنيف وكل قرارات الأمم المتحدة التي تبين أن قيمتها أقل من الحبر الذي كتب بها؛ حسب قوله.
ويضيف بأن تلك القرارات نجحت في إضاعة وقت السوريين على حساب دمائهم وعذاباتهم، لذا فإن إمكانية قيام كيان كردي في سوريا رهن بالاتفاق النهائي الأمريكي – التركي، “لقد وجدنا تنسيق كبير بينهما في مدينة منبج رغم ارتفاع سقوف التصريحات، والتسريبات السابقة للتفاهم الأمريكي- التركي التي كانت مهمتها الاستهلاك الإعلامي“.
وكان ناشطون قد نقلوا نهاية الأسبوع الفائت نية الولايات المتحدة إقامة منطقة حظر طيران في شمال سوريا، وتركيبها لرادارات في مطاري عين العرب شرق حلب والشدادي بريف الحسكة، في الوقت الذي أكد فيه فراس ممدوح الفهد، العضو السابق في المجلس المدني لمدينة الرقة؛ تركيب رادارات أمريكية قرب حقل العمر النفطي للتصدي لطائرات تنظيم (داعش) المُسيرة عن بعد، نافياً تركيب الرادارات في المطارين المذكورين.
ما هي موانع تشكيل كردستان سوريا؟
المحلل الإستراتيجي والباحث في مسار السياسة والعلاقات الدولية “معن الطلّاع” يعتقد خلال حديثه لراديو روزنة أن السيناريوهات المستقبلية المتوقعة لتلك المنطقة لن تفضي إلى “كردستان جديدة” وذلك لعدة أسباب أولها مرتبط بالهواجس الأمنية لأنقرة والتي تربط تواجدها في سوريا ببوصلة تحجيم “حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي”؛ وثانيها يتعلق بعدم تبني واشنطن لهذا الطرح وابقائه شرطاً مؤجلاً للابتزاز السياسي.
ويشير إلى أن ثالث الأسباب وهو الأهم بحسب رأي الطلاّع أنه ناتج عن التفاهم الدولي والإقليمي حول بقاء الوظائف السيادية بيد “الدولة” أي مركزية الدفاع والأمن والخارجية والاقتصاد؛ معتبراً أن التكوين الاجتماعي والقانوني والإداري وحتى الأمني في “الإدارة الذاتية” لا يزال هشاً.
ويعتبر الطلّاع أنه وعلى الرغم من ادعاءات الإدارة الأمريكية برغبتها من الانسحاب من الشمال السوري؛ إلا أن معطيات حركيتهم لا توحي بذلك لا سيما أن أماكن توزع قواعدها العسكرية متمركزة حول أبرز النقاط الجيوسياسية في هذه المنطقة خاصة الحقول النفطية (فعلى غرار حقلي العمر وكونيكو النفطيين اللذين سبق أن بنت القوات الأمريكية قاعدتين عسكريتين فيهما، أنشئت قاعدة أخرى في حقل التنك النفطي في منتصف نيسان الماضي لتكون ثالث قاعدة أمريكية في دير الزور).
وتنسجم هذه الحركية بحسب وجهة نظر الطلّاع مع رغبة واشنطن بتمكين حليفها “الكردي”؛ ولكن ضمن تحسين شروط قوات قسد في مفاوضاتها مع النظام والتي كان محورها الرئيسي متعلق بهذه الحقول وإنجاز صفقات خاصة حولها.
رزان زيتونة ورفاقها: معلومات جديدة عن القضية الأكثر غموضاً
ويحلل الطلّاع تجربة الإدارة الذاتية في سوريا، معتبراً أنها تنحو وفق سياسات حزب الاتحاد الديمقراطي باتجاه تشكيل كيان شمولي (يرتجي الاستقلال)؛ و يتحكم في مفاصله فكر الحزب الأوحد مهمشاً باقي الفواعل المحلية، ومناوئاً لقيادة إقليم كردستان العراق.
ويتابع مضيفاً “تدلل هذه التجربة على أن مشروع قوات سوريا الديمقراطية وحتى بنية الإدارة الذاتية لن تكون سوى بمثابة إطار شكلي لشرعنة تمركز pyd وبالتالي سيبقى يستغل الأوراق المحلية ويوظفها في خدمة مشروعه؛ وبالتالي لا يسير مشروعهم مهما تعثر باتجاه إحداث إنقلابات على الفواعل المحلية بقدر ما هو عملية استغلال واستثمار“.
ومن جانبه يقول “دارا مصطفى” عضو هيئة العلاقات الخارجية لحزب الإتحاد الديمقراطي في أوروبا؛ في حديثه لراديو روزنة، بأنه لا يمكن تشبيه أو استنساخ تجربة كردستان العراق في سوريا، لافتاً إلى أن نظرة الإدارة الذاتية وسياستها نحو الملف الداخلي السوري ومشروعها للحل مختلف عن نظرة ومشروع حكومة إقليم كردستان للتعامل مع ملفات النفط وغيرها من الملفات الداخلية.
وأضاف” إن نظرة الإدارة الذاتية للثروات الطبيعية والموارد الاقتصادية؛ تعتمد على أحقية كل الشعب السوري بالاستفادة من هذه الثروات وهي حق لجميع السوريين وملف الموارد الاقتصادية والثروات الطبيعية سيكون جزءاً من الحل الشامل للأزمة السورية والمرضي لجميع السوريين.
ويتفق الباحث في الاقتصاد السياسي “سقراط العلو” مع دارا مصطفى، في عدم إمكانية تطبيق سيناريو كردستان جديدة في سوريا، حيث يشير العلو إلى أن كميات النفط السوري الواقعة تحت سيطرة وحدات الحماية الكردية ليست بحجم النفط الموجود في إقليم كردستان ولذلك هي ليست مغرية بالنسبة للشركات الأمريكية، حسب رأيه.
ويتابع بقوله “إن الموقع الجغرافي لمناطق سيطرة وحدات الحماية؛ لا يؤهلها للتصدير، فالعراق وإقليم كردستان غنية بالنفط ولا تستورده، وبطبيعة الحال الحدود التركية مغلقة في وجههم لأن الأتراك يعتبرونهم فصيل إرهابي، لذلك ليس أمامهم إلا التعاون مع النظام مقابل نسبة من الإنتاج حالياً، أما في المستقبل فلا أعتقد أن النظام سيستمر بهذا النوع من التفاهم مع الأكراد“.
اقرأ أيضاً..محافظ الحسكة يوقف رواتب مئات الموظفين في مديرية التربية
ويضيف العلو أن قيام إقليم كردي في سوريا على غرار العراق أمر غير مطروح من قبل أي طرف حتى الأمريكي، وذلك بحسب وصفه يعود إلى التنوع العرقي في المناطق التي تسيطر عليها قسد، إضافة للحساسية التركية لهذا الموضوع، ويشير إلى اعتبار أنقرة أن وجود كيان كردي في سوريا حتى في إطار الفيدرالية هو خط أحمر يمس أمنها القومي.
ويرى بأن النظام السوري ومن خلفه موسكو؛ لن يسمحا ببقاء سيطرة قسد على الموارد النفطية والتي تمثل 90% من النفط السوري، إضافة إلى هيمنتها على سد الفرات وما يمثله من مصدر مائي وكهربائي لسوريا، ووجود القوات الأمريكية لا يشكل عامل حماية لقسد كون الولايات المتحدة تتبع مصالحها ومن المرجح جداً أن تتخلى عن الأكراد لصالح صفقة مع موسكو أو مع تركيا؛ وفق قوله.
وتأثر القطاع النفطي بالأزمة السورية منذ عام 2011، وبلغت خسائره أكثر من 62 مليار دولار، بحسب بيانات وزارة النفط في دمشق، كما يعاني النظام السوري من خسائر كبيرة في الميزان النفطي، إثر تراجع إنتاج النفط إلى بضعة آلاف من البراميل يوميا، بعد أن كان إنتاجه مستقرا عند نحو 380 ألف برميل يوميا قبل سبعة أعوام.
ولا تعتبر سوريا من الدول المهمة عالميا سواء على صعيد احتياطيات النفط أو من حيث حجم الصادرات، فمجموع الاحتياطي المؤكد لا يتجاوز ملياري برميل وهو ما يمثل أقل من (0.18%) من الاحتياطي العالمي، بينما تقدر احتياطات جارها العراق بأكثر من 150 مليار برميل على أقل تقدير، ويرجع اكتشاف النفط في سوريا إلى عام 1968 في محافظة الحسكة، ومن ثم في دير الزور.