تتركّز أنظار المجتمع الدوليّ الآن على الحلّ السياسيّ في سوريا، وعلى دعم المبادرات الدوليّة والمفاوضات في هذا الاتّجاه. ومع انحسار المعارك والأعمال العسكريّة في عموم البلاد، يسود الآن حديث عن البدء بإعادة الإعمار، ويجد العديد من الدول الحليفة للحكومة السوريّة كروسيا وإيران أنّ الفرصة مواتية للاستثمار ولبناء قطاعات هي في الواقع مدمّرة، وفي حاجة إلى إعادة بناء وتأهيل.
وعلى الرغم من أنّ إيران، الحليف البارز لدمشق، تواجه عقوبات أميركيّة هدفها تقويض قدرتها ماليّاً، إلّا أنّها تعدّ من أهمّ الجهات التي تتقدّم للحصول على عطاءات وتبرم اتّفاقات في مسعاها إلى المشاركة في إعمار قطاع الكهرباء، بالاستفادة من الفرص التي توفّرها المرحلة الحاليّة، وهي فرص تتمثّل في مشاريع ضخمة في مجالات عدّة كالثروة الباطنيّة، والاتّصالات، والقطاع الكهربائيّ، وبناء محطّات التوليد، وشبكات نقل التيّار في عموم سوريا.
من خلال مذكرة تفاهم بين سوريا وإيران أبرمت في 12 أيلول/سبتمبر من العام الماضي، اتّفق الجانبان على التعاون في مجال الكهرباء، بحيث يتمّ بناء 5 مجموعات لتوليد الكهرباء تعمل بالغاز في مدينة بانياس على البحر المتوسّط بقدرة 125 ميغاواط، وتأسيس محطّة توليد في اللاذقيّة بقدرة 540 ميغاواط.
ونصّ الاتّفاق على السماح لإيران بتقييم الأضرار التي لحقت بالمحطّة الحراريّة في حلب، وإعادة تأهيل محطّة توليد كهرباء في دير الزور، بقدرة 90 ميغاواط، وتأهيل محطّة جندر في حمص.
يأتي هذا الاتّفاق بعد ضرر كبير طال شبكة النقل الكهربائيّ، وخروج نصف محطّات التوليد عن الخدمة والتي يقدّر عددها بحوالى 23 محطّة، وبالتالي وصلت خسائر القطاع بحسب مدير المؤسّسة العامّة لتوليد الكهرباء محمود رمضان، لصحيفة الوطن المحلية، إلى حوالى 1.2 تريليون ليرة سوريّة.
كان إنتاج سوريا من الطاقة الكهربائيّة قبل الاحتجاجات عام 2011 حوالى 9530 ميغاواط يوميّاً، تراجع إلى حوالى ألفي ميغاواط في عام 2016 ثمّ ارتفع الإنتاج إلى حوالى 4 آلاف ميغاواط لغاية آذار/مارس 2018 نتيجة “وضع مشاريع استراتيجيّة لتوليد الكهرباء في عام 2017 تقدّر قيمتها بـ900 مليار ليرة سوريّة في محطّات دير علي وجندل وتشرين وبانياس”، وفق صحيفة الوطن المحلية، عن وزير الكهرباء محمّد زهير خربوطلي، علما أنه من غير المعروف من هي الجهات التي بنت هذه المشاريع ووضعتها في الخدمة.
ويؤدي ذلك إلى الدفع لتحسين أرقام الإنتاج الحاليّة مع تصاعد الحديث عن إعادة الإعمار وضرورة إشراك إيران في هذه المرحلة، حيث “أنّ للشركات الإيرانيّة أولويّة في إعادة الإعمار في سوريا، وخصوصاً في مجال القطاع الكهربائيّ” كما يقول الوزير خربوطلي وفقا لوكالة “سانا”.
تتواصل المساعي والاتّفاقات مع الجانب الإيرانيّ لتعزيز حضور إيران في هذا الصدد، حيث وقّعت المؤسّسة العامّة لتوليد الكهرباء في سوريا وشركة “مبنا الكهربائيّة” الإيرانيّة على البرنامج الزمنيّ لتنفيذ مشروع محطّة توليد الطاقة الكهربائيّة الغازيّة الصديقة للبيئة في اللاذقيّة، في 2 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بقدرة 540 ميغاواط، وبقيمة 411 مليون يورو. ويعني ذلك تحسين كفاءة الإنتاج الكهربائيّ في سوريا إلى حوالى 4540 ميغاواط، أي نصف الطاقة الإنتاجيّة في مرحلة ما قبل الحرب.
وبحسب البرنامج الزمني للمشروع سيتم وضع مجموعة التوليد الأولى للمشروع بالعمل خلال 18 شهراً، والثانية خلال 24 شهراً، والمجموعة البخارية الثالثة خلال 34 شهراً.
أكّد رئيس مجلس الإدارة مدير عام شركة “مبنا الكهربائيّة” الإيرانيّة عبّاس علي أبادي بحسب موقع “الثورة أونلاين” استعداد الشركة لتقديم مختلف أنواع الدعم الفنّيّ والتقنيّ والتجهيزات اللازمة لوزارة الكهرباء في كلّ مشاريعها في عمليّة إعادة الإعمار.
في حين يؤكّد رئيس لجنة تنمية العلاقات الاقتصاديّة السوريّة-الإيرانيّة العراقيّة حسن دانائي فر وفقاً لوكالة “سانا” الرسمية “استعداد الشركات الإيرانيّة الكامل للتعاون مع الجانب السوريّ في مجال القطاع الكهربائيّ في سوريا”.
إن كانت قدرة إيران على تنفيذ هذه المشاريع محلّ تشكيك لكونها تعاني من موجة عقوبات اقتصاديّة أميركيّة، وتنفيذ هذه المشاريع يحتاج إلى سيولة، فإنّ رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا الدكتور أسامة قاضي، وفي حديث إلى “المونيتور”، يرى أنّ هذه المشاريع وغيرها هي جزء من استرداد الديون الإيرانيّة التي رتّبها النظام على نفسه وعلى سوريا، مثل محطّة كهرباء دير الزور، واستثمارات زراعيّة لإيران في مساحات كبيرة لا تقلّ عن 5 آلاف هكتار، وهي استثمار أراضٍ زراعيّة غير مستثمرة في محافظة اللاذقيّة، واستثمار منجم للفوسفات في خنيفيس في حمص، وبناء الخزّانات لتخزين النفط، واستثمارات عقاريّة أخرى، مشيراً إلى أن “إيران أنفقت ما يقدر بنحو 35 مليار دولار دفاعا عن نظام الأسد”.
العام الماضي، حصلت إيران على امتياز المشغل الخليويّ الثالث برأسمال 300 مليون دولار، لكن حتّى اليوم لم يدخل الاستثمار حيّز التنفيذ فعليّاً، وهو ما يفتح الباب للسؤال عن إمكان نجاح المشاريع التي تتولّى تنفيذها، وعلى رأسها محطّات ومشاريع الكهرباء الاستراتيجيّة.
يقول قاضي: “كلّ هذه الاستثمارات التي وقّعها الإيرانيّون مع النظام رهن بالتوازنات السياسيّة الدوليّة، حيث يصعب على الروس السماح للإيرانيّين باستثمار الفوسفات، ولن يسمح الأميركيّون للإيرانيّين باستثمار محطّة الكهرباء في دير الزور، وإنّ هذه الاستثمارات الغرض منها إعلاميّ وسياسيّ لتكريس الهيمنة الإيرانيّة في سوريا”.
وإن كان الركون إلى التعاون مع إيران كفيلاً ببناء الشبكة الكهربائية أو جزء منها، مع إحجام دول غربيّة عن المشاركة في إعمار سورية دون التوصل إلى حل سياسي، وبالتالي تجاوز النقص الحاصل في التغذية الكهربائيّة في عموم سوريا، إلّا أنّه على المدى المنظور والبعيد يتساءل قاضي “من يضمن الكفاءة والصيانة والاستمراريّة والنوعيّة الجيّدة الصديقة للبيئة لمولّدات تصنيع إيرانيّ وروسيّ غير المشهورة بكفائتها الصناعيّة ولا تنافس المولّدات الألمانيّة أو الأميركيّة أو الكنديّة”.
ولجهة العائدات الماليّة لإيران من المشاركة في إعادة الإعمار، فإنّ المشاريع المزمع إنجازها في سوريا لا تمثّل أيّ مورد ماليّ مستقبليّ يذكر للاقتصاد الإيرانيّ المنهك أو تخفّف عنه العقوبات، يقول قاضي، الذي أضاف : “إجمالي الناتج المحلي الإيرانيّ في عام 2016 بلغ 404.4 مليون دولار، بينما لم يكن ناتج الدخل القوميّ السوريّ قبل الثورة في عام 2011 يتجاوز الـ60.04 مليار دولار في أحسن تقديرات، وهو الآن يبلغ 11.9 مليار دولار، فأيّ عائد من مشاريع إيرانيّة في سوريا يعدّ هامشيّاً جدّاً بالنسبة إلى الاقتصاد الإيرانيّ، ولكنّ هذه المشاريع تشكّل أوراقاً سياسيّة ورسائل إعلاميّة يستخدمها صانع القرار الإيرانيّ من أجل تموضع إيرانيّ أفضل في العالم”.
واختتم قاضي مشيراً إلى أنّ واقع الحال هو أنّه من دون حلّ سياسيّ ناجز لكلّ سوريا، لا يمكن بناء شبكات كهربائيّة لكلّ سوريا تستفيد منها المحافظات الأربع عشرة، وفي ظلّ مناطق النفوذ التي تتقاسمها دول العالم في سوريا مثل الايرانيين والروس والأمريكان والاتراك ، لا يمكن تصوّر النهوض بقطاع الكهرباء في سوريا أو أيّ قطاع آخر.