تحوّل الاقتصاد السوري خلال الأعوام الماضية إلى اقتصاد حرب، حيث الأولوية هي تأمين المواد الأساسية كالوقود والغذاء، وسط تراجع في نشاط العديد من القطاعات الإنتاجية. ويعرّف عالم الاقتصاد (فيليب لو بيلون) اقتصاد الحرب بأنه “نظام إنتاج الموارد وتعبئتها وتخصيصها لدعم المجهود الحربي”[1].
يُعرف اقتصاد الحرب بأنه تغيير هيكلي في بنية اقتصاد الدولة التي تمر بحرب، بحيث يُخصص جزءٌ كبير من موارد الدولة لمواجهة نفقات الحرب والتسليح، في المقابل يُخفض الإنفاق العام، ليقتصر على توفير الاحتياجات الضرورية للمواطن، أي أن المشاريع التنموية والرفاه الاجتماعي وغيرها من الأنشطة التي تشرف عليها الدولة، تتراجع وتصبح أمورًا ثانوية. لذلك يعدّ “اقتصاد الحرب” اقتصادًا غير إنتاجي في جوهره، وخصوصًا أنه يعتمد على المساعدات الخارجية، وتتحكم فيه شبكات المصالح المتوزعة، بين قطاعي المال والأعمال وبين مؤسسات الدولة والحكم. وهو الذي يضغط على الخيارات الاقتصادية العامة ويحدد اتجاهاتها.
اقتصاد الحرب في سورية
يؤكد تقرير صندوق النقد الدولي حول (اقتصاد الصراع في سورية)[2] أن الحرب أعادت البلد عقودًا إلى الوراء، من حيث التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية. وأن الناتج المحلي الإجمالي في سورية اليوم أقل من نصف ما كان عليه قبل بدء الحرب، وقد يستغرق الأمر عشرين عامًا أو أكثر، لعودة سورية إلى مستويات الناتج المحلي الإجمالي قبل الصراع. وفي حين أن إعادة بناء البنية التحتية المادية المتضررة ستكون مهمة ضخمة؛ فإن إعادة بناء رأس المال البشري والاجتماعي في سورية سيكون تحديًا أكبر ودائم. وفي دراسة البنك الدولي حول (خسائر الحرب: الآثار الاقتصادية والاجتماعية للنزاع في سورية)[3]، إن “نحو 27 بالمئة من مجموع الوحدات السكنية قد دُمّرت أو تضررت جزئيًا”، كما “تضرر نحو نصف مجموع المنشآت الطبية جزئيًا”. وتقديرات البنك الدولي تفيد بأن “6 من بين كل 10 سوريين يعيشون الآن في فقر مدقع، بسبب الحرب”. ويلحظ كذلك فقدان نحو 538 ألف وظيفة سنويًا في الفترة الممتدة من العام 2010 حتى العام 2015. ويقول إن ثلاثة من أصل أربعة سوريين في سن العمل، أي ما يقارب تسعة ملايين شخص، لا يعملون أو غير منخرطين في أي شكل من أشكال الدراسة أو التدريب.
وقد ارتفعت نسبة تضخم الأسعار، حيث بلغ متوسط تكلفة المعيشة الشهرية في دمشق حوالي 317 ألف ليرة سورية (ما يزيد قليلًا عن 600 دولار) شهريًا. ومع ذلك، فإن متوسط الراتب الشهري للموظف الحكومي يراوح عند 40 ألف ليرة سورية (أقل من 80 دولارًا)[4]. ونتيجة لذلك، أجبرت الغالبية العظمى من أولئك الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة على شغل وظيفتين أو ثلاث وظائف، من أجل تدبير نفقات المعيشة.
بسبب غلاء المعيشة في سورية؛ توجه عدد كبير من العاملين بالحكومة، إلى الحصول على دخول خفية، بممارستهم أعمالًا لحسابهم الخاص، سواء بالتغيب عن أعمالهم الرسمية، أو خلال أعمالهم الرسمية لمواجهة أعباء التضخم وعدم القدرة على الهجرة للخارج. ولقد غزت “النشاطات السوداء” كل القطاعات الاقتصادية، منها الأعمال الحرفية، وتجارة التجزئة، والنقل، وخدمات الأعمال، والخدمات المهنية والشخصية.
شهد الاقتصاد السوري تحولًا استثنائيًا في مؤشراته الكلية من جرّاء الأزمة التي تمر بها البلاد، حيث ألقت هذه الأزمة بظلالها على الموازنة العامة، والاقتصاد الكلي عامة، وضاعفت حجم الضغوط على شبكة الأمان الاجتماعي، وزادت أعباء الدعم، ووسعت نطاقه، على نحو عاد به إلى نموذج السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، على الرغم من تغير اتجاهاته الأساسية. وتحوّلَ الاقتصاد السوري إلى اقتصاديات، حيث ارتبط اقتصاد كل منطقة بالدول الداعمة لها، فعلى سبيل المثال، ارتبط اقتصاد الشمال بتركيا، والجنوب بالأردن، واقتصاد دمشق بلبنان.
الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها سورية، خلال الأعوام الخمسة الماضية، من جراء الحرب، تصل إلى 254.7 مليار دولار، وتعادل 468 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد في عام 2010. ويعدّ هروب رؤوس الأموال أحد أسوأ الانعكاسات الاقتصادية للحرب، وهرب ما يقدّر بنحو 22 مليار دولار من رؤوس الأموال للخارج. وزاد الانكماش في عام 2016 بنسبة 25 بالمئة، أي وصل إلى ما يقارب (65 بالمئة)، بسبب استمرار توقف حركة التجارة ونقص المعروض من الليرة السورية والانخفاض الحاد في قيمتها.[5]
كما انتشر في سورية نوعان من الاقتصاد خلال الحرب: (اقتصاد الظل) وهو اقتصاد متنوع الأشكال، لكنه يعمل وفق مبدأ واحد، هو مبدأ (السرية)، وهذا الاقتصاد متعدد الغايات، وتوجد فيه كافة أشكال العلاقات الاقتصادية. كما تنتشر فيه كافة أنواع الفساد والجريمة، وأغلبه يعتمد على مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة). أما الاقتصاد الثاني فهو (اقتصاد الصمود) أو (اقتصاد التأقلم)، وهو الاقتصاد الذي يوظفه النازحون والناس العاديون الذين يعيشون، ويتأقلمون مع ظروف الحرب وتداعياتها؛ فيضطرون إلى أن يتأقلموا مع الظروف الجديدة.
ومن الظواهر الاقتصادية الجديدة أيضًا، التحولُ في الثقل الاقتصادي من العاصمة أو من حلب إلى طرطوس واللاذقية في الساحل السوري، حيث لجأ إليها رجال أعمال ونازحون هربًا من المعارك، وأسسوا مشاريع اقتصادية. وقدمت الحكومة تسهيلات اقتصادية لتأسيس مشاريع في مدن ساحلية أو نقل مصانع من “الداخل”، إلى “الساحل” الذي يتمتع بانتعاش وأمان وإعمار غير موجود في باقي مناطق البلاد. وصار هناك اقتصادان إضافيان: واحد في “منطقة الساحل”، والآخر في “مناطق الداخل”.
التحول من اقتصاد الحرب إلى تجارة الحرب في سورية
يشبّه بعض الباحثين اقتصاد الحرب في سورية بأنه [6]“استمرار للاقتصاد بوسائل أخرى”، وهذا يعني التحايل على الاقتصاد النظامي، ونمو الأسواق غير النظامية والسوداء، وتفشي الفساد، واستغلال اليد العاملة. كما أنه اقتصاد يتّسم باللامركزية، ويزدهر فيه الاعتماد على التهريب حيث انتشرت ظاهرة السوق السوداء التي تعدّ أحد النشاطات الخفية للسوق. وقد وفّر تطور التجارة الإلكترونية إمكانات أكبر للقائمين بالأعمال الخفية، في الاستفادة من المعلومات، والسرعة، والإخفاء، والبريد الإلكتروني، والحسابات السرية في البنوك، والأرقام السرية للملفات، والشفرات، وإمكانية عرض المواد السوداء، عبر التجارة الإلكترونية، وتجارة السلاح.
تغيرت الجغرافيا السورية خلال الحرب، وأسفر الفقدان التدريجي للسلطة المركزية عن تفكك الاقتصاد، وفتح أبواب أسواق جديدة أمام الجهات الفاعلة الأخرى. ويرى معظم السوريين أن الحرب أنتجت أنواعًا من التجارة السوداء، وظهرت طبقة جديدة من التجار (تجار وأمراء الحروب والأزمات) وأصبح الفساد والسوق السوداء وأعمال الخطف والحواجز مصادرَ دخلٍ لعدد كبير من تجار الحرب الجدد الذين يستغلون الحرب في سورية، لإنعاش التهريب وتجارة السلاح. وقد صعدت فئات جديدة إلى أعالي الهرم المعيشي في البلاد، بينما يعاني معظم الشعب السوري من أحوال تزداد تدهورًا يومًا بعد يوم.
كانت أحد أسباب لجوء السوريين تدهور الوضع الداخلي والفساد (أربعة ملايين لاجئ سوري)، حيث حددت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تدهور الوضع الداخلي وفقدان الأمل والظروف المعيشية المروعة كعاملين أساسيين للجوء. ومن بقي في داخل سورية يعيش أزمات متتالية حتى يعجز الكثير منهم عن تدبر معيشتهم اليومية، ليتم الاستعانة بالمعونات الدولية أو اللجوء إلى أعمال في “اقتصاد الظل”.
انتعشت تجارة الإغاثة أو (تجارة المساعدات الإنسانية) حيث نسمع -يوميًا- عن شكاوى من المواطنين الذين لا تصل إليهم المساعدات. فالفساد في عمليات الإغاثة مرتفع بشكل كبير، حيث تباع مواد الإغاثة في الأسواق، ويتم توزيعها لغير مستحقيها أو تبديلها بمواد تالفة أو قريبة الانتهاء أو أقل جودة، أو يتم التلاعب بها بأشكال وطرق كثيرة. ويكفي أن تتجول في الأسواق، لتشاهد المساعدات المقدمة للنازحين تباع على الأرصفة، وفي المحالّ التجارية وبشكل مكشوف. كما يتم التلاعب من قبل الجهات التي يتم من خلالها شراء المواد الإغاثية وإيصالها إلى سورية، حيث تتورط بعض المنظمات بفساد التعاقد من الباطن والاحتيال في المشتريات.
وأنتجت أزمة النزوح طبقةً جديدة من الفاسدين، يتصدرها تجارٌ يُطلق عليهم في الأسواق وصف “الحيتان”، وهؤلاء مهمتهم عقد الصفقات مع الجهات الإغاثية، وشراء المساعدات الأممية للنازحين وبيعها في الأسواق، أو استبدالها بأخرى. إضافة إلى استقطاع مبالغ مالية تصل إلى 40 في المئة من حصة كل نازح من الأموال التي وفرتها لهم برنامج إغاثة النازحين.
كما ظهرت (تجارة السفر والهجرة)، حيث انتعشت بعد أن أصبحت الهجرة إلى الغرب هاجسًا لدى قسم واسع من السوريين، بسبب عوامل كثيرة، كانعدام الأمن وقلة فرص العمل والملاحقات الأمنية وجرائم الفصائل المسلّحة والخدمة الإلزامية وغيرها. وفي ظل الصعوبات التي تقف في وجه حصول الراغبين في الهجرة على تأشيرة نظامية؛ ظهرت تجارة السفر أو (تجارة اللجوء) كحلٍ بديل باسم اللجوء الإنساني، من خلال المهربين الذين هربوا أعدادًا كبيرة من السوريين عبر رحلات بحرية لشبكات الاتجار بالبشر.
مع انتشار شبكات المهربين، نشطت (تجارة تهريب اللاجئين)، وأصبحت أكثر تنظيمًا وخاصة المافيات الكبيرة. حيث ازدهرت أنشطة عصابات تهريب الأشخاص وإدخال العائلات السورية والفلسطينية بطرق غير شرعية عبر المعابر الجبلية إلى لبنان، مقابل أموال كثيرة. وقد صرح مصدر أمني لبناني،[7] أن عمليات التهريب تزايدت في ظل إجراءات الأمن العام المعقّدة، حيث تضاعف أعداد العاملين في التهريب، حتى بلغ عددهم أكثر من 70 مهرّبًا يهربون يوميًا بالاتجاهين أكثر من 300 شخص.
ونشطت عصابات الاتجار بالبشر، حيث ضبطت إدارة مكافحة الاتجار بالأشخاص، في العاصمة السورية دمشق، العديدَ من العصابات التي تمتهن الاتجار بالبشر، وبخاصة في تهريب الفتيات إلى دول عربية وأجنبية، للعمل في الدعارة والمتاجرة بها. وقد قدّرت وزارة الداخلية السورية أن عدد حالات الاتجار بالأشخاص والمضبوطة في عام 2016، بلغت نحو 1500 حالة، معظمها لشبكات تعمل خارج سورية، وتتواصل مع سوريين في الداخل، مشيرة إلى أن نسبة الضحايا من النساء بلغت 65 بالمئة من إجمالي الحالات التي تم ضبطها.[8]
كما ازدادت بشكل كبير (تجارة الأعضاء البشرية)، ويقول أطباء وضحايا أن الاتجار بالأعضاء البشرية أصبح منتشرًا في سورية والدول المجاورة لها، وأن هناك شبكات تعمل بين عدة دول وتستغل آلاف السوريين اليائسين. حيث تشتري هذه الشبكات أعضاء قابلة للزرع، مثل الكلية وقرنية العين من أشخاص سوريين، وتشحن هذه الأعضاء إلى إحدى دول الجوار.
وازدهرت (تجارة الآثار) السورية عبر العالم إلى حدٍّ بعيد، ويصف خبير آثار دولي، تمكّنَ من الاطلاع على قطع أثرية سورية في أوروبا، بأن السوق السوداء للآثار “أتخمت بالتحف السورية”، وأن الأسعار لبعض القطع بدأت تتراجع بدلًا من أن تتقدم، نتيجة حضور القطع المهربة خارج الجغرافية السورية بقوة وبكثافة في مجمل الأسواق السوداء للآثار في أوروبا وسواها، وذلك بالدرجة الأولى عن طريق لبنان. ويضيف “كما هو معلوم، لا يقتصر عمل مافيات الآثار على شراء القطع من البائعين غير القانونيين، بل يصل عملها إلى تزوير الأوراق والشهادات اللازمة لتحويل القطع المنهوبة إلى قطع قانونية، وهذا ما حصل بالنسبة إلى القطع المعروضة في مزاد (سوثبيز)”.[9]
وقد نشطت سوق (تهريب المخدرات والأموال) بدرجة كبيرة بين لبنان وسورية، وفي مقال لعلي الأمين حول (سورية ولبنان وتجارة الحرب من السلاح إلى المخدرات)[10] يقول: “خلال الأعوام الماضية، جرى إخراج كميات كبيرة من الذهب والأموال والآثار من داخل سورية إلى لبنان، هذه التجارة غير المشروعة ليست حكرًا على طرف دون آخر.. على أن ما يتم تناقله أن الحرب السورية أطلقت العنان لظاهرة “أمراء الحرب”، فصناعة المخدرات وتجارتها باتت تنطلق من الأراضي السورية، وتشير أوساط أمنية لبنانية إلى أن عمليات التصنيع والتهريب تنطلق من سورية في اتجاه لبنان والعالم، ولفتت إلى وجود العديد من المهربين والملاحَقين من قبل الدولة اللبنانية، في مناطق سورية محاذية للبنان”.
أما أعلى نسبة للفساد فكانت في (تجارة البناء)، حيث بدأ السماسرة وتجار عقارات “الحروب” بالاستفادة من عوامل كثيرة، أهمّها حاجة الكثير من المالكين إلى البيع، بسبب الرغبة في الهجرة أو بسبب تضرر العقار نتيجة الحرب وعدم القدرة على إصلاحه.
وبينما تركز الحكومة على تصوير البلاد على أنها منفتحة على الأعمال التجارية، لا يتم القيام بالكثير للتصدي للأنشطة غير المشروعة التي تساهم في اقتصاد الظل، سواء من خلال السوق السوداء أو من خلال الأرباح التي يحققها الآلاف من الدولارات من خلال نقاط التفتيش.
كما أنها لم تتصدَّ لـ “أمراء الحرب” الذين استفادوا من الوضع الراهن حيث يوفرون مصادر مهمّة للتمويل لداعميهم. ومن الصعب أن نرى كيف يتخلون عن الفوائد التي اكتسبوها. والواقع أن كل التفاصيل تقريبًا في الحرب تتعرض للضغط من أجل الربح. وقد خلص خبير[11] عمِل في حروب داخلية، إلى أنه يجب عدم التقليل من “دور أمراء الحرب، لأنهم يرفعون ثمن خيارات سياسية للاعبين الدوليين والإقليميين” في سورية. وقال أحد الخبراء[12] إن “للسلام في سورية جاذبية قليلة جدًا، حيث إنّ هناك جاذبية للحرب واستمرار الفوضى، وإن عملية صنع السلام عملية (قذرة) لا يحبّها أمراء الحرب، لكنهم يملكون مفتاحًا لها”.
تجارة الحرب والفساد
لا تستغني الحربُ عن الفساد، ففي كل الحروب، تظهر عمليات فسادٍ كبيرة، كصفقات بيع الأسلحة لطرفَي النزاع أو استنفاد موارد الدولة من قبل العصابات، كما أن الفساد أيضًا لا يستغني عن الحرب؛ فعندما تنتهج الدول مبدأ مكافحته، تقنّع عمليتها بمصطلح: “الحرب على الفساد”، كمدلول كامن يُعزّز العلاقة الوطيدة بين الحرب والفساد.
يشكل الفساد منظومة كاملة ومتكاملة، أسهم في الإثراء غير المشروع، وأحدث في السنوات القليلة الماضية حالةً من الاحتقان الاجتماعي. وما سلِمَ حتى الآن من نار الحرب يعبثُ به الفاسدون في مؤسسات الدولة وتجار الحرب، لينحدر الاقتصاد من سيئ إلى أسوأ.
وقد أكدت منظمة الشفافية الدولية أن سورية تراجعت في مجال مكافحة الفساد في 2016، حيث حلت سورية في المرتبة 154 من بين 167 دولة، من حيث “الشفافية”، لتكون من أكثر الدول فسادًا، وأقلها أمنًا، في العالم.[13]
وفي غياب مؤسسات سياسية فاعلة تزاول الرقابة والمحاسبة؛ يتفشى الفساد ويزداد في ظل تحول الاقتصاد إلى اقتصاد حرب، حيث تحول الكثير ممن يسمون أنفسهم “رجال أعمال جدد”، إلى رجال أعمال يصرفون جلّ اهتمامهم إلى البحث عن طرقٍ وأساليبَ، تمكّنهم من زيادة حجم ثرواتهم، حيث انتشرت ظاهرة “بارونات الاقتصاد الموازي”.
عندما تتحوّل الحرب إلى تجارة رابحة، وباب استرزاق لدى البعض؛ يصبح المشهد أكثر تعقيدًا وتداخلًا، وتضاف أسباب وعوامل لاستمرار الحرب وعدم توقّفها، مع نشوء طبقة من المنتفعين وأصحاب المصالح، خصوصًا عندما يكون المستفيدون هم من ضمن أطراف الحرب، والمتحكّمين بها ميدانيًا وسياسيًا، من داخل مطبخ القرار[14].
بعد انتهاء الحرب في سورية؛ سيكون لدينا حرب جديدة في القضاء على الفساد. فالحرب على الفساد تقتضي أن يكون للحكومة استراتيجية وطنية في الحكومة الرشيدة ومكافحة الفساد، تقوم على إشراك المواطنين والمجتمع المدني والإعلام والقطاع الخاص في صوغ هذه الاستراتيجية الوطنية وتنفيذها، وعلى وضع حدّ لثقافة الفساد، وعدم قبول الفساد الصغير، لأنه يسمح بوجود الفساد الكبير.
…….ز
وسم: الفساد في سورية, الببنك الدولي
تعريف: يشكل الفساد في سورية منظومة كاملة ومتكاملة، أسهم في الإثراء غير المشروع، وأحدث في السنوات القليلة الماضية حالةً من الاحتقان الاجتماعي. وما سلِمَ حتى الآن من نار الحرب يعبثُ به الفاسدون في مؤسسات الدولة وتجار الحرب، لينحدر الاقتصاد من سيئ إلى أسوأ.