يواصل (أورينت نت) البحث في (مآلات إعادة الإعمار) من خلال جملة من التقارير والتحليلات مع خبراء الاقتصاد وأصحاب الاختصاص، حيث يبحث هذا الجزء الدور الذي يحاول النظام إسناده لـ(عبد الله الدردري) في ملف (إعادة الإعمار) بعد توليه مناصب اقتصادية مهمة؛ منها نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ورئيس هيئة تخطيط الدولة ومدير إدارة التنمية الاقتصادية والعولمة في “الإسكوا”، عدا عن كونه رجل الاقتصاد الأقرب من بشار الأسد ويحظى بدعم إعلامي لم يسبق لمسؤول أكبر أو أصغر منه أن حصل عليه في أروقة النظام.
وبالتالي، ماذا يعني تجهيز (عبد الله الدردري) لتولي مهمة عملية الإعداد لإعادة الإعمار كحاشد للأموال من أجل النظام بهذا الخصوص؟ لا سيما بعد تعينيه أيضاً مستشاراً رفيع المستوى للبنك الدولي في الشرق الأوسط لشؤون إعادة الإعمار.
الدردري موظف!
يقول الدكتور (أسامة القاضي) رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا: “البنك الدولي هو مؤسسة دولية تخضع للمزاج السياسي الدولي بكل تعقيداته، وأي شخص يعمل في هذه المؤسسة هو مجرد موظف ينفذ الأوامر المعطاة له بغض النظر عن موقفه من الثورة أو النظام، وواقع الأمر أن الدردري لم يقطع صلته بالنظام بشكل جاد، بل قام عام 2013 بزيارة نائب وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد عندما كان مدير التنمية الاقتصادية والعولمة في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا) التابعة للأمم المتحدة”.
وأشار القاضي إلى أن (الدردري) “عزز صلته بمجموعة رجال الأعمال ويسر لهم أمر لقاء في مرسيليا – فرنسا 2017 عبر تأسيس جمعية رجال الأعمال السوريين الدولية، وكان شرط تلك الجمعية هو تحاشي السياسة، حيث يُفهم من هذا الموقف البراغماتي من قبل البعض أنه تحييد لكل ما قامت لأجله الثورة حيث يقول مؤسسوها – نقلا عن إحدى الصحف: (إنهم لا ينظرون إلى خلفيات المنتسبين السياسية أو التحزبات لصالح أي من الطرفين السوريين، المؤيد للنظام أو المعارض)، وهو نفس توجه الدردري، بمعنى التعاون مع الجميع لإعمار سوريا، وهذا ما قد يكون مدعاة لحساسية الكثير من السوريين – بما فيهم رجال الأعمال الوطنيين- الذين دفعوا أرواحهم من أجل ثورة الحرية، لا من أجل أن يجدوا أذرع النظام الاقتصادية تخترق عالم رجال الأعمال السوريين باسم إعمار سوريا”.
وعن مهمة الدردري المسندة إليه من البنك الدولي يقول (القاضي): “منصب الدردري هو كبير مستشاري إعادة الإعمار فيما يخص ليبيا والعراق واليمن وسوريا، وهو جزء لا يتجزأ من استراتيجية البنك الدولي للتحضير للإعمار في مرحلة ما بعد الصراع قبل انتهاء القتال والنزاع، ومهمة الدردري -اعتباراً من 17 فبراير 2017- تنحصر في تقديم التقارير إلى نائب رئيس منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والعمل عن كثب مع كبير الاقتصاديين في المنطقة لقيادة العمل التحليلي المطلوب لدعم برامج الإنعاش وإعادة الإعمار، فتعامله سيكون مع فريق كبير ولأكثر من دولة وليس لسوريا خاصة، ومعلوماتي أن الجزء الخاص بسوريا في البنك الدولي معطل وتوقفت اجتماعاته بسبب ازدياد تعقيد المسألة السورية”.
الدردري وتبرئة النظام
وكانت الأمم المتحدة كلفت الدردري على رأس فريق من الأمم المتحدة مكون من ستة أشخاص عام 2013 بإعداد خطة شاملة لإعادة إعمار سوريا ما بعد الحرب، وعنهم يوضح الدكتور (القاضي) الدور الذي يريده المجتمع الدولي من دور للنظام في هذه العملية وتحديداً للدردي، بأن “برنامج الأجندة الوطنية لـ (الإسكوا) الذي قاده الدردري مع حوالي 300 خبير سوري وغير سوري (ليس ستة أشخاص كما يشاع) ليس خطة لإعادة الإعمار، ولكن البرنامج حاول تقديم خيارات للمخطط السوري، حيث قام على ثلاث ركائز، هي: التطوير المؤسساتي، والمصالحة المجتمعية، وإعادة تأهيل الاقتصاد، ولا يتضمن العمل في أي من هذه القطاعات اتخاذ موقف مسبق من أي من الخيارات المتاحة، ولكنه يركز على توضيح نتائج وكلف أي خيار يرغب السوريون باعتمادها ضمن عقد اجتماعي جديد”.
ويضيف في هذا الشأن: “(الأجندة الوطنية) عملت على إغفال المسؤول عن الدمار في سوريا بشكل متعمد من قبل السيد الدردري مع مجموعة الخبراء الذين كان يقدُم معظمهم إلى لبنان من داخل سوريا، ليعودوا إليها بعد انتهاء الاجتماع وهذا ما يفسر سبب تحييد النظام عن أية اتهامات وذلك ضمانة لأمن الفريق العامل، بما فيهم الدردري الذي لازال يزور دمشق بشكل دوري لأسباب عائلية وغيرها” على حد وصفه.
ويتابع: “الطريف أن إصرار (الإسكوا) على عقد كل اجتماعاتها في لبنان فيما يخص المسألة السورية غير مفهوم، وخاصة أن موقف الحكومة اللبنانية والمتنفذين في لبنان مؤيد بشكل كبير للنظام، وقد دعيتُ شخصيا للاجتماعات الأولية للأجندة الوطنية واعتذرت لأسباب أمنية، ولما اقترحت عليهم الاجتماع في الأردن أو مصر اعتذروا لأسباب مالية! ولما اقترحت عليهم تبني بعض رجال الأعمال السوريين الوطنيين لاجتماع في عمان أو القاهرة ولدفع تذاكر الطائرة لخبراء (الإسكوا) حتى يتسنى لنا دعوة أكبر عدد من غير الموالين من أصحاب الخبرات الدولية، أصر القائمون على (الأجندة الوطنية) على إبقاء جميع اجتماعاتهم في لبنان”.
“لبرلة” الدردري والغرب
ويعد الدردري عراب “لبرلة” الاقتصاد السوري، ضمن النظام الذي يدعي الاشتراكية في سياسته الاقتصادية، وبالتالي ربما ذلك نقطة مهمة لتقريبه من الغرب وتحديداً الولايات المتحدة، ليكون له دور في ملف “إعادة الإعمار”، وعن ذلك يقول القاضي: “الليبرالية الاقتصادية والليبرالية السياسية توأمان حقيقيان لا يستغني أحدهما عن الآخر، للأسف حاول السيد الدردري يوم كان رئيس هيئة تخطيط الدولة أو نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية خاصة في الخطة الخمسية العاشرة التسويق لفكرة (اقتصاد السوق الاجتماعي) بشكل مشوه، واصطدم ذلك النظام الألماني الاقتصادي بواقع الفساد وانعدام الشفافية وضعف الحكم الرشيد في سوريا في حينه، مما أدى إلى (لبرلة مجتزأة) لنظام (اقتصاد السوق الاجتماعي)”.
ويردف “لم يكن بالإمكان تطبيق سياسة اقتصاد السوق الاجتماعي في سوريا في ظل غياب عقد اجتماعي بين السلطة والشعب، وغياب فصل السلطات، وكان الفريق الاقتصادي حينها يغفل عمداً عن التصريح بدور الحريات السياسية والقضاء النزيه المستقل، والإعلام الحر، في دعم عملية التنمية الاقتصادية من أجل إنجاح سياسة اقتصاد السوق الاجتماعي، بل أنتجت تلك الليبرالية المشوهة شركات قابضة، قبضت على عنق الاقتصاد السوري وخنقته وأفقرت الشعب السوري وكرست احتكار القلة الأمر الذي حاربه اقتصاد السوق الاجتماعي بحزم، وكان مصير التطبيق المشوه هو الفشل، والنكوص الاقتصادي، وتمت إقالة الدردري، بل طلب بعض البعثيين علنا محاكمته ككبش فداء وذلك بحجة مخالفته للنهج الاشتراكي المنصوص عنه في الدستور، لابل حمّله البعض مسؤولية الانهيار الاقتصادي في سوريا، وحتى انتفاضة الشعب على الحكومة فيما بعد”.
ويختم الخبير الاقتصادي: “شخصياً، لا أعتقد أن للدردري أي دور قادم في سوريا. اللهم إلا وظيفته ضمن فريق خبراء المؤسسات الدولية، وهي وظيفة خاضعة لتقلبات التوازنات السياسية الدولية، ولك أن تتخيل أن (دي مستورا) و(الإبراهيمي) وغيرهم مع كل فرقهم الاستشارية لا وزن لهم رغم تكليفهم الدولي بالملف فما بالك بالدردري”.