لقاء – مشعل العدوي – الفيحاء نت
تعدّ مجموعة عمل اقتصاد سوريا، الشريك الأساسي الاقتصادي الوحيد مع مجموعة أصدقاء الشعب السوري المعني بإعادة إعمار سوريا بقيادة دولة الإمارات العربية وألمانيا، وعمل رئيسها د. أسامة القاضي، عن قرب، مع معاون وزير الخارجية الإماراتية للشؤون الاقتصادية والخارجية الألمانية وسكرتير مجموعة الأصدقاء، وكان رئيس الوفد الذي صاغ الرؤية الاقتصادية لسوريا الجديدة في برلين والتي تلاها بالنيابة عن المجلس على أسماع ممثلي ستين دولة، وعشر منظمات دولية في مؤتمر أبوظبي لإعادة إعمار وتنمية الاقتصاد السوري في 24 مايو/أيار 2012.
ما شكل الاقتصاد السوري الحالي، في ظلّ الكارثة الاقتصادية التي تعيشها سوريا؟ وكم من الوقت سيبقى الاقتصاد السوري ليتعافى بعد سقوط النظام؟
هذه الأسئلة وغيرها يطرحها (الفيحاء نت) مع د. أسامة قاضي رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا..
مجموعة عمل اقتصاد سوريا مجموعة بحثية مستقلة ومنظمة غير ربحية بدعم من بعض رجال الأعمال السوريين، مهمتها توعوية اقتصادية بالمقام الأول والحضور الدائم في المشهد الاقتصادي السوري إعلامياً، ومحاولة الحضور في المحافل الدولية ماأمكن لشرح تعقيدات المسألة الاقتصادية السورية، وقد قدمنا أربعة عشر تقريراً اقتصاديا تحت عنوان الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة، وهي تقدم رؤية أولية لخطة إسعافية وخطة متوسطة الأجل وخطة طويلة الأمد لما ينبغي على الحكومة السورية القادمة أن تفعله في عشر قطاعات اقتصادية بمافيها الزراعة والمياه، والنفط، والمواصلات، والإسكان، والصناعة وغيره. كما أننا قدمنا سبعة عشر اقتصادياً بعنوان المشهد الاقتصادي السوري تدرس هذه التقارير كيف تدار النواحي والمناطق السورية إدارياً واقتصادياً، بمعنى كيف يعيش أهلنا في إعزاز، والطبقة، وأرمناز، وحريتان ونواحي أخرى وماهي مواردهم الاقتصادية، كما قدمنا دراسة اقتصادية حول المنطقة الآمنة في شمال سوريا وإمكانياتها الاقتصادية والسكانية، وقدمنا مؤخراً سلسلة تقارير عن “الخارطة الزراعية السورية” تناولت قضايا مستقبل القطاع الزراعي السوري، من مثل غاباتنا والنظام البيئي والزراعة المحمية وصناعة البذور الهجينة وزراعة القطن والزراعات البديلة وغيرها من التقارير التي كتبها متخصصون بالزراعة السورية.
ماهي طبيعة ماتقدمه مجموعة عمل اقتصاد سوريا؟
فضلاً عن أننا كنا شركاء رئيسيون لأصدقاء الشعب السوري المعنية بإعمار سوريا التي ترأستها ألمانيا والإمارات وكنا الطرف السوري المعني بمؤتمرين أساسيين في أبوظبي مارس 2012، والآخر في دبي نوفمبر 2012 بعنوان “الاستثمار في سوريا المستقبل” وقد حضره مئات رجال الأعمال السوريين وغير السوريين، وتصدينا إعلامياً للشأن الاقتصادي السوري منذ اليوم الأول للثورة السورية وأجريتُ شخصياً مئات اللقاءات الصحفية والإعلامية، وقد كتبتُ “الخطاب الاقتصادي للثورة السورية” في الأشهر الأولى للثورة، وساهمتُ في القسم الاقتصادي في مشروع “اليوم التالي”، وترأستُ القسم الاقتصادي في تقرير “خطة التحول الديمقراطي” لرسم الملامح المستقبلية لاقتصاد سوريا.
هل لكم توصيف المشهد الاقتصادي السوري الحالي؟
المشهد الاقتصادي السوري مُرعب بامتياز، حيث لم يعد هناك واقعياً أية إدارة مركزية تحكم الاقتصاد السوري بكل محافظاته، وفَقدت “الحكومة” السورية أدواتها الإدارية المركزية، فضلاً عن فقدانها أدنى درجات السيادة على معظم الأراضي السورية، بما في ذلك فقدانها السيطرة على معظم المعابر السورية، وبالتالي فقدت إمكانية إدراتها للتجارة، وخرجت جُلّ الثروة النفطية من إدارتها، وكذلك الحال بالنسبة للثروة الزراعية والحيوانية، فمحافظات “السلة الغذائية” السورية – المحافظات الشرقية والشمالية الشرقية- خرجت معظمها من سيطرة النظام، يضاف لهذا أكثر من خمسة سنوات من التدمير المنهجي للمحافظات السورية، جوا وبرا وبحرا.
إن أجواء الحرب والفوضى في سوريا على مدى سبعة سنوات ساهمت انخفاض ناتج الدخل القومي لأقل من الربع، حيث خسر الناتج المحلي الإجمالي في أكثر التقديرات تحفظاً 163.3 مليار دولار أمريكي والخسائر الاقتصادية وصلت عام 2015 إلى 254.7 مليار دولار ، وكانت عاملا رئيسيا في تنفير المستثمرين والصناعيين، وقطّعت أوصال الطرق بين المحافظات، وزلزلت وضع القوى العاملة السورية الذي يفوق عددهاخمسة مليون عامل وموظف أو مرزارع، والتي بات معظمها إما نازحاً أو مهاجراً مع أهله هربا من انعدام الأمن، أو منخرطاً في صفوف الثورة العسكرية ، أو في الخدمة الإلزامية مع النظام وقد توقف تسريحه أو تم طلبه للخدمة مع القوى الاحتياطية، أو هارباً من السلطة الأمنية، أو أنه قبيع سجون النظام، أو جريح في إحدى المشافي الميدانية، أو خارج حدود سوريا، والتقديرات المتحفظة تقدر أن 45 بالمائة من السكان غادروا أماكن سكنهم (حوالي 10 مليون) ، نتج عن هذا الوضع المؤسف للاقتصاد السوري ارتفاع –نفس التقديرات – معدل بطالة وصل 52 بالمائة عام 2015 ،ولكنه فعلياً وصل في فاق الثمانين بالمائة عام 2016، ومعدل الفقر تجاوز ال 85 بالمائة عام 2015 ولكن مع استمرار القصف الروسي والنظام ودخول جحافل الفصائل العراقية وحزب الله فإن الأمر ازداد سوءا، ومع وصول التضخم لأكثر من 500 بالمائة وفي بعض المناطق المحاصرة لأكثر من 3000 بالمائة، وانخفاض قيمة العملة السورية أكثر من عشرة أضعاف ، وإغلاق معظم محلات الصرافة وتعرض معظم العاملين بها إلى السجن والملاحقة، كما تمخض عن هذا الوضع البالغ السوء ارتفاع مستوى التضخم في المتوسط 500 بالمائة، ووصل ارتفاع بعض أسعار السلع الغذائية لأكثر من 4000 بالمائة في بعض المناطق التي يحاصرها النظام.
في ظل وضع مأساوي كهذا لم يعد هناك معنى للحديث عن الاقتصاد كمفهوم مركزي وطني، وعودته ستكون صعبة جدا – وليس مستحيلة – بعد انتهاء الأزمة.
أن النموذج السوريّ بات فريداً في سمته التفكيكية اللامركزية الاقتصادية والإدارية، إذ انتقل من واقع “الاقتصاد السوريّ” إلى واقع “اقتصاد النواحي السورية”، وهو أخطر النماذج. ما سيجعل مهمة أيّ حكومةٍ انتقاليةٍ قادمةٍ، في ظلّ أيّ حلٍّ سياسيٍّ أو غير سياسيّ، غايةً في الصعوبة، فقد باتت معظم النواحي والمناطق السورية بمثابة جزرٍ منفصلةٍ غير مرتبطةٍ عضوياً بأيّ إدارةٍ مركزية . اقتصادياً، مشكلة سوريا الرئيسية هي وجود شلل جزئي أو كلي أصاب بشكل متفاوت كل القطاعات الاقتصادية على المستوى الوطني، فقد خرجت السلة الغذائية من يد الحكومة المركزية، وكذلك خرجت قريبا كل ثروتها النفطية والغازية، وخسرت سوريا أكثر من نصف قوتها العاملة المهنية والمؤهلة وفي بعض الاختصاصات الطبية والهندسية والنادرة –تقديرياً- لم يبق إلا أقل من عشرين بالمائة منها وهذه الخسارة البشرية لاتقدر بثمن، وكذلك خرجت عن السيطرة تقريباً كل معابرها التي تدرّ دخلا لايستهان به، وتضبط به مستورداتها وصادراتها، والاقتصاد السوري دخل في حالة تفكيكية فوضوية عبثية ، انتهى الأمر به للعودة إلى اقتصاد النواحي والمناطق ، وحتى إلى مرحلة الاقتصاد العائلي البدائي بهدف أن يبقى الناس على قيد الحياة.