وليد غانم: كلنا شركاء
أصدرت مجموعة عمل اقتصاد سوريا تقريرها الرابع من الخارطة الزراعية السورية بعنوان “الزراعة المحمية والصناعة الزراعية في سوريا المستقبل”، حيث ناقش التقرير وجوب تكامل الصناعة والزراعة لتحقيق النمو الاقتصادي.
ناقش التقرير وجوب تكامل الصناعة والزراعة لتحقيق النمو الاقتصادي، وسبل تطوير الزراعة المحمية.
كما ناقش التقرير سبل تطوير الزراعة المحمية مع طرحه للعديد من التوصيات، وطرح التقرير عدة توصيات آخذة بالاعتبار المرحلة الاستثنائية التي تمر بها سوريا، فأوصى الدكتور أسامة قاضي بضرورة اهتمام الحكومة القادمة بعد الوصول لحل سياسي ناجز بنقل التكنولوجيا والتقنيات الزراعية الحديثة لاستخدامها في مشاريع سوريا الزراعية البحثية والتنموية كبرنامج الزراعة بدون حرث.
وقدّم للتقرير الدكتور أسامة قاضي رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا حيث أكدّ على إعادة تقييم دور الزراعة في عملية التنمية وإعادة تقييمها من وجهة نظر مساهمتها في التصنيع وأهميتها لتحقيق التنمية المتناغمة والاستقرار السياسي والاقتصادي، كما أكد أن التصنيع الزراعي في سوريا يتطلب الحصول على التكنولوجيا الزراعية، وعلى خلق بيئة تشجّع البحث العلمي، كي تقوم سوريا بتطوير القطاع الزراعي وتصدير فوائضها بعد تغطية حاجتها الزراعية.
وأشار التقرير إلى السياسات الزراعية التي مارسها النظام، والتي رمت إلى إفقار الريف وتخلفه.
(كلنا شركاء) أجرت اتصالاً مع د. أسامة قاضي، والذي قال أن : الحكومة كان لديها إمكانيات كبيرة جداً من أجل النهوض بالزراعة السورية قبل عام 2011، لكن كان هناك إهمال للملف الزراعي، وعدم اكتراث بالأحوال المعيشية لسكان الأرياف خاصة في العقد الضائع (2000-2010)، حيث لم تكن الزراعة خلال ذلك العقد على أولوية لأية حكومة، ومساهمة الزراعة في ناتج الدخل القومي السوري هبطت خلال ذلك العقد من 20 في المائة إلى 14 في المائة (بينما كانت تشكل 33 في المائة عام 1963)، على حساب ارتفاع مساهمة الصناعة والتعدين والنفط ضمنا الذي بات يساهم بـ 34 في المائة من ناتج الدخل القومي، والذي زاد إنتاجه 28 في المائة، ومساهمة البناء والتشييد 6 في المائة، والذي ازداد إنتاجه 85 في المائة، والتجارة التي أصبحت مساهماً أكبر بحوالي 16 في المائة، والتي زاد إنتاجها في نفس الفترة 119 في المائة، والنقل والمواصلات مساهمته 11 في المائة… بمعنى آخر فإن الاقتصاد السوري بات واضحاً عليه السمة التجارية والصناعة التحويلية، ويعتمد على النفط في المقام الأول كدخل ريعي على حساب الاهتمام بالزراعة.
أما حول واقع تدهور الزراعة، فقال إن الواقع مخيف، والنظام أهمل الزراعة فأفقر أهلها، وعملياً وبالأرقام الرسمية وبالأسعار الثابتة لم تزداد قيمة الناتج الزراعي خلال ذلك العقد سوى 25 مليار ليرة سورية (من 337 مليار ليرة إلى 362 مليار ليرة)، وقد ارتفعت أسعار القمح خلالها 100 في المائة، من 10 إلى 20 ليرة للكيلو غرام، والشعير من 9 إلى 16 ليرة، والقطن من 30 إلى 45 ليرة، وأما الإنتاج فقد انخفض بطريقة مرعبة، حيث انخفض انتاج القمح منذ 2006 إلى 2010 من 4.9 إلى 3 مليون طن، وانخفض إنتاج الشعير من 1.2 مليون طن إلى 0.6 مليون، وانخفض العدس من 180 ألف طن إلى 77 ألف طن، وكذلك معظم بقية المحاصيل.
وفيما يتعلق بتصورات المركز أو رؤيته للمرحلة القادمة في سوريا، أجاب: “قدمنا 17 تقريراً أسميناه المشهد الاقتصادي السوري، معظمها تناولت الريف السوري (أرمناز، الطبقة، حريتان، عفرين، كفرزيتا، سلقين، الأتارب، إعزاز.. وغيرها)، وكل تقرير يصف بالتفصيل الوضع الاقتصادي لذلك الريف وطريقة إدارته، ووضعنا توصيات لتحسين حالته الاقتصادية، لكن الحقيقة إن الواقع يزداد تعقيداً، وتأخر الحل السياسي الناجز يزيد المسألة صعوبة، بحيث لا يمكن عملياً تصور دقيق مالم تتوقف آلة الحرب الجهنمية. ومن هنا ارتأينا بعد الانتهاء من 17 تقريراً حول بعض الأرياف السورية، أن نرسم ملامح الخارطة الزراعية السورية والتي ستضيئ لأية حكومة وطنية قادمة مواضيع مفصلية في القطاع الزراعي السوري، لذا فد نشرنا تقارير حول الزراعات الاستراتيجية في سوريا المستقبل، والزراعات البديلة، وتناولنا وضع الغابات السورية والتصور الايكولوجي البيئي، والتنمية المستدامة، والتقرير الأخير كان حول الصناعة الزراعية والزراعات المحمية”.
وحول التحديات التي تواجه المسألة الزراعية، قال إن “هناك تحديات كبيرة جداً ذكرناها في تضاعيف التقارير الزراعية التي كتبت بالتعاون مع الخبير الزراعي الدكتور عبد العزيز ديوب، وهي كثيرة تبدأ بصعوبة تأمين مستلزمات الإنتاج والتوزيع والتخزين ضمن ظروف انعدام الأمن، مروراً بالهياكل الإدارية والتشريعات القانونية الناظمة لعمل القطاع الزراعي، والفساد الإداري المستشري، وتلوث التربة بالمواد السامة من جراء القصف المستمر، وانتهاءً بضياع الموارد البشرية المؤهلة للزراعة والصناعة الزراعية في ساحة المعركة بين شهيد أو مقاتل، أو في المنافي وبلاد اللجوء، أو في السجون”.
وكان التقرير الرابع الذي صدر مؤخراً أشار إلى أن الزراعة المحمية التي تتسم بارتفاع الإنتاجية أحد الأساليب الناجحة للاستفادة القصوى من الموارد المائية، موضحاً أن الأهمية الاقتصادية للزراعة المحمية تكمن في إحداث تغيير حقيقي في البنية الزراعية من خلال تنويع القاعدة الإنتاجية بزيادة الإنتاج الزراعي المحلي.
وتبرز أهمية الاعتماد على الزراعة المحمية التي تستخدم فيها أحدث التقنيات الزراعية، نظراً لما توفره من فرص لإنتاج محاصيل الخضروات في غير موسمها، إضافة إلى غزارة في الإنتاج، بحسب التقرير.
وتطرق التقرير إلى الأسباب التي أدت إلى الانتقال للزراعة التكثيفية كبديل عن الزراعة النمطية، وأشار إلى أن الزراعة المغطّاة، الزراعة داخل البيوت البلاستيكية والزجاجية، والزراعة المائية، إحدى أهم أشكال الزراعة المحمية الواجب تطويرها في سوريا.
وأوضح التقرير أن إنتاج لحوم الدواجن يعتبر واحداً من الحلول المقترحة لتمكين شرائح متعددة من المجتمع وخاصة أصحاب الدخل المحدود من الحصول على اللحم البديل نظراً لغلاء أسعار اللحوم الحمراء.
كما تطرق التقرير إلى تربية الأسماك، مشيراً إلى أنها تعتبر متدنية في الوطن العربي وخاصة في سوريا، حيث بلغت كميات لا تفي بالاستهلاك المحلي والتي قدرت نصيب الفرد الواحد ب 0,7 كغ سنوياً، بينما بلغ متوسط نصيب الفرد عالميا 13 كغ.
ووضع التقرير عدة توصيات لمضاعفة إنتاج الأسماك في سوريا، منها توفير الكوادر الفنية، والقيام بدورات تدريبية تشمل المزارعين المهتمين بتربية الأسماك.
وأكد التقرير أن هناك مجالات واسعة للمساهمة في عملية التنمية المستدامة، مثل إنتاج النباتات العطرية والطبية في الحقول الصغيرة وكذلك في الحدائق المنزلية.
كما أوصى التقرير في اليوم التالي من نهاية الحرب الطاحنة التي يشنها النظام الاستبدادي على الشعب السوري بالتوسع في الزراعة المحمية وخاصة في المناطق الدافئة من سوريا، ترشيداً للطاقة، وتكريس الإنتاج في مشاريع زراعية صغيرة محلية، وتشجيع العمل الزراعي النباتي والحيواني ضمن إطار التنمية المستدامة.
وأشار التقرير إلى بعض السياسات الزراعية التي اتبعتها حكومات النظام، والتي هدفت إلى إفقار الريف السوري وتخلفه من خلال إبطاء عملية التنمية الشاملة والحيلولة دون الانتقال إلى سياسة التكثيف الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، إضافة إلى الحدّ من عملية التنمية المستدامة، والتي تساند التنمية الاجتماعية الشاملة وصولاً إلى رفع المستوى المعيشي للمزارعين.
يُذكر أن مجموعة عمل اقتصاد سوريا هي مؤسسة غير ربحية مستقلة يرأسها المستشار الاقتصادي أسامة قاضي، تُعنى بالأبحاث التي تتناول الاقتصاد السياسي السوري وقد أنجزت أكثر من ثلاثين تقريراً اقتصادياً في هذا المجال.