لندن – أجبر الخراب الذي لحق بمعظم المراكز التجارية في المدن السورية، التجار والمواطنين على البحث عن مراكز بديلة، تضمن الحد الأدنى من سبل التنقل، بعد دمار البنية التحتية والقدرة على نقل البضائع بين المراكز السكانية.
وأصبح رجال الأعمال والمستثمرون الصغار وأصحاب المشاريع المتوسطة يركزون على المناطق البعيدة نسبيا عن نقاط التوتر لإعادة تموضع مشاريعهم.
ويقول خبراء اقتصاديون إن خارطة مناطق التوتر والمعارك فرضت على التجار الانتقال من الأسواق المركزية إلى بدائل في فضاءات هامشية، رغم أن جميع مناطق سوريا تعاني من وطأة الحرب.
وتعد بلدة حريتان، التي تقع في ضواحي مدينة حلب، نموذجا لهذه الظاهرة الاقتصادية، فقد تحولت إلى مركز تجاري لمنطقة واسعة بعد أن كانت مجرد مركز ناحية فقط، قبل اندلاع الحرب، لأنها تقع على الطريق الدولية المؤدية إلى تركيا.
وأشار تقرير اقتصادي صدر مؤخرا عن “مجموعة عمل اقتصاد سوريا” إلى أن مصادر الدخل في القطاع الخاص في تلك المنطقة تأتي بالدرجة الأولى عن طريق الزراعة، حيث تنتشر المناطق الزراعية قرب بلدة حريتان.
وقال إن الكثير من أصحاب المعامل والورش الصناعية وأصحاب الحرف انتقلوا إلى البلدة بعد دمار مراكز نشاطهم في المدن الكبيرة وخاصة في حلب.
وذكر التقرير أن قطاع البناء لا يزال يمثل أحد مصادر الدخل رغم توقف الكثير من معـامـل إنتـاج مـواد البناء وتضـاؤل مصـادر الدخـل في هـذه الصناعـة نتيجـة توقـف معظم المعامل والمقالع الصخرية في تلك المنطقة.
وأضاف أن التجارة والخدمات التي تشمل تأمين آبار المياه الخاصة، أحد مصادر الدخل في المنطقة، إضافة إلى مولدات الكهرباء، التي تبيع الكهرباء للسكان والنشاطات التجارية والصناعية في المنطقة.
وأشار إلـى أن شبكات الاتصالات الخاصة، أصبحت تمثل نشاطا اقتصاديا رئيسيا للمستثمريـن والعـاملين فيهـا، حيـث تبيـع خدمـات الإنتـرنت وبطاقات الهواتف الجوالة، إلى جانب قطاع الوقود النفطي والحطب وقطـاع الصرافـة والاتجـار بالعمـلات.
وأكد أسامة قاضي رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا، ضرورة تقييم المشهد الاقتصادي الحقيقي لجميع المناطق السورية دون تجميل وبموضوعية ومهنية من أجل البحث عن حلول.
وأضاف في مقدمة التقرير الجديد “إن مجموعة عمل اقتصاد سوريا تقوم كعادتها بالتصدي للثغرات الاقتصادية التي تعاني منها سوريا”.
وذكر التقرير أن قطاع الزراعة يعاني من أسوأ المواسم وخاصة المحصولين الأساسيين وهما القمح والزيتون، حيث يعاني موسم القمح من الجفاف، ليس في حريتان وحدها بل في كل ريف حلب الشمالي الذي يعتمد الزراعة المعتمدة على الأمطار.
وأضاف أن إنتاج الهكتار تراجع من معدل يتراوح بين 1.5 و2.5 طن ليصل إلى نحو 50 كيلوغراما. وتضرر موسم الزيتون بسبب الصقيع في الشتاء الماضي.
وكان إنتاج الأراضي الزراعية التابعة إداريا لمركز ناحية حريتان، يصل في الأعوام العادية إلى 1000 طن من القمح، لكنه بلغ في العام الماضي نحو 100 طن، وسجل إنتاج الزيتون انخفاضا مماثلا.
أما الصناعة، فقد أشار التقرير إلى توقف معظم معامل الريف الشمالي منذ صيف عام 2012 نتيجة استمرار قصف النظام للمنشآت الصناعية في المنطقة، التي كانت تضم عددا من المعامل في الصناعات النسيجية والتحويلية كمعامل الخيوط والنسيج والصناعات المتممة لها.
وأضاف أن المنطقة الصنـاعية كـانت تضـم أكثر من ألف معمـل في الليـرمون وكفـر حمـرة وحريتان وحيان وبيانون المتاخمة لبلدة مغاولة، وأن معظمها توقف كليا أو جزئيا.
وفقدت معظم الأيدي العاملة نشاطها، حيث فقد سكان الريف الشمالي ومدينة حلب أكثر من 150 ألف فرصة عمل، كما فقدت أعدادا كبيرة من فرص العمل ضمن القطاع الصناعي بعد سيطرة قوات النظام على المدينة الصناعية في الشيخ نجار.
وأشار التقرير إلى واقع الخدمات السيء من حيث الصحة والاتصالات والكهرباء والماء، حيث أنه توقف ضخ المياه من مدينة حلب إلى بلدة حريتان. ودفع ذلك السكان إلى الاعتماد كليا على مياه الآبار.
وأشار التقرير إلى غليان التضخم جراء انهيار الليرة السورية وتذبذب الأسعار، ولم يعد المجلس المحلي قادرا على تقديم سوى خدمات ضئيلة لصيانة شبكة الكهرباء والصرف الصحي والنظافة.
ويحاول المجلس التابع لوزارة الإدارة المحلية في الحكومـة السـورية المـؤقتة التـابعة للمعارضة، تقديم الآليات الخاصة بالنظافة ودفع رواتب قسم من الموظفـين بالتعـاون مع منظمة سولداريتي الخيرية العالمية.
ويعدّ مركز الدفاع المدني في الريف الشمالي بمنزلة غرفة عمليات نشطة على مدار الساعة، ويضم عدة مراصد تحذر الثوار والأهالي في حال قرب خطر الطيران في الأجواء وتطمئنهم عن توفر الخدمات العامة، وذلك من خلال تردد الدفاع المدني على الشبكات اللاسلكية.
وشدد التقرير على ضرورة إعادة تشغيل المعامل في المنطقة ولو بالحد الأدنى، واتخاذ أساليب الاحتياط بنقل وسائل الإنتاج إلى مناطق أكثر أمنـا، لدعـم النـاس في بقائهم في مساكنهم وعدم تجدّد موجات النزوح الكبيرة.
ونـاشد المـؤسسات الدولية تقديـم المساعـدة لتحسين طــرق المـواصـلات ودعـم مشاريع الطـاقـة البديلـة مـن طـاقـة ريـاح وطـاقـة شمسيـة وتـوليـد الغـاز مـن النفـايـات، إضافـة إلى دعـم المـؤسسـات المـدنية والنقابات العلمية للمهندسين والأطباء والمعلمـين، لتـوفير الحـد الأدنى مـن الـدخل.