ملخص
بعد خمس سنوات من اتباع النظام السوري وحلفائه سياسة الأرض المحروقة، فإن التقديرات الأولية للخسائر تفوق 300 مليار دولار، وبات النموذج السوري فريدًا في سمته الاقتصادية والإدارية المفككة واللامركزية؛ إذ انتقل من واقع “الاقتصاد السوري” إلى واقع “اقتصاد النواحي السورية”، وهو أخطر النماذج؛ ما سيجعل مهمة أية حكومة انتقالية قادمة، في ظل أيِّ حلٍّ سياسي أو غير سياسي، غايةً في الصعوبة، فقد بات معظم النواحي والمناطق السورية بمثابة جزرٍ منفصلةٍ غير مرتبطة عضويًّا بأية إدارة مركزية.
ولعل إعادة إعمار سوريا وترميم مصانعها وإعادة الحياة الاقتصادية قد تكلف أكثر من ضعف مبلغ الخسائر، على مدى خمس سنوات بعد أن تنتهي الأزمة، وستحتاج الحكومة الانتقالية لحكومة وطنية مهنية تستعين بتكنوقراط وأفكار إبداعية وبدائل تمويلية وطنية، وشراكات مع الشركات العربية، ما أمكن، حتى لا تغرق سوريا بالديون بعد هذا الدمار الذي يفوق في حجمه الكارثة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية باعتراف رئيس النظام السوري نفسه.
مقدمة
المشهد الاقتصادي السوري مُرعب بامتياز؛ حيث لم يعد هناك واقعيًّا أية إدارة مركزية تحكم الاقتصاد السوري بكل محافظاته، وفَقدت “الحكومة” السورية أدواتها الإدارية المركزية، فضلًا عن فقدانها أدنى درجات السيادة على معظم الأراضي السورية، بما في ذلك فقدانها السيطرة على معظم المعابر السورية، وبالتالي فقدت إمكانية إدارتها للتجارة، وخرج جُل الثروة النفطية من إدارتها، وكذلك الحال بالنسبة للثروة الزراعية والحيوانية، فمحافظات “السلة الغذائية” السورية -المحافظات الشرقية والشمالية الشرقية- خرج معظمها من سيطرة النظام، يضاف لهذا أكثر من خمس سنوات من التدمير المنهجي للمحافظات السورية، جوًّا وبرًّا وبحرًا. وتجدر الإشارة أن هذه العجالة تتناول الواقع الاقتصادي الميداني حتى التدخل العسكري الروسي المباشر في سبتمبر/أيلول 2016.
إن أجواء الحرب والفوضى في سوريا على مدى أكثر من خمس سنوات أسهمت في انخفاض ناتج الدخل القومي لأقل من الربع؛ حيث خسر الناتج المحلي الإجمالي في أكثر التقديرات تحفظًا 163.3 مليار دولار أميركي ووصلت الخسائر الاقتصادية عام 2015 إلى 254.7 مليار دولار(1)، وكانت عاملًا رئيسيًّا في تنفير المستثمرين والصناعيين، وقطعت أوصال الطرق بين المحافظات، وزلزلت وضع القوى العاملة السورية التي يفوق عددها خمسة ملايين عامل وموظف ومزارع، والتي بات معظمها إما نازحًا أو مهاجرًا مع أهله هربًا من انعدام الأمن، أو منخرطًا في صفوف الثورة المسلحة، أو في الخدمة الإلزامية مع النظام بعد أن توقف تسريحه أو تم طلبه للخدمة مع القوى الاحتياطية، أو هاربًا من السلطة الأمنية، أو أنه قابع في سجون النظام، أو جريح في إحدى المشافي الميدانية، أو خارج حدود سوريا، والتقديرات المتحفظة تحصي أن 45 بالمئة من السكان غادروا أماكن سكنهم (حوالي 10 ملايين)، نتج عن هذا الوضع الضار بالاقتصاد السوري ارتفاع معدل البطالة -وفقًا للتقديرات المتحفظة- إلى 52 بالمئة عام 2015 (2)، ولكنه فعليًّا وصل أو فاق الثمانين بالمئة عام 2016، وتجاوز معدل الفقر الـ85 بالمئة عام 2015.
ولكن مع استمرار القصف الروسي وقوات النظام ودخول جحافل الفصائل العراقية المسلحة وحزب الله فإن الأمر ازداد سوءًا، مع وصول التضخم لأكثر من 500 بالمئة، وفي بعض المناطق المحاصرة لأكثر من 3000 بالمئة، وانخفاض قيمة العملة السورية أكثر من عشرة أضعاف، وإغلاق معظم محلات الصرافة وتعرُّض معظم العاملين بها للسجن والملاحقة (3، 4) ووصل ارتفاع بعض أسعار السلع الغذائية لأكثر من 4000 بالمئة في بعض المناطق التي يحاصرها النظام.
في ظل وضع مأساوي كهذا لم يعد هناك معنى للحديث عن الاقتصاد كمفهوم مركزي وطني، وتعافيه سيكون صعبًا جدًّا –وإن لم يكن مستحيلًا- بعد انتهاء الأزمة.
إن النموذج السوري بات فريدًا في سمته الاقتصادية والإدارية المفككة واللامركزية؛ إذ انتقل من واقع “الاقتصاد السوري” إلى واقع “اقتصاد النواحي السورية”، وهو أخطر النماذج؛ ما سيجعل مهمة أية حكومة انتقالية قادمة، في ظل أيِّ حلٍّ سياسي أو غير سياسي، غايةً في الصعوبة، فقد بات معظم النواحي والمناطق السورية بمثابة جزرٍ منفصلةٍ غير مرتبطة عضويًّا بأية إدارة مركزية.
اقتصاديًّا، مشكلة سوريا الرئيسية هي وجود شلل جزئي أو كلي أصاب بشكل متفاوت كل القطاعات الاقتصادية على المستوى الوطني، فقد خرجت السلة الغذائية من يد الحكومة المركزية، وكذلك خرج تقريبًا كل ثروتها النفطية والغازية، وخسرت سوريا أكثر من نصف قوتها العاملة المهنية والمؤهلة، وفي بعض الاختصاصات الطبية والهندسية والنادرة -تقديريًّا- لم يبق إلا أقل من عشرين بالمئة منها، وهذه الخسارة البشرية لا تُقدَّر بثمن. وكذلك خرجت عن السيطرة تقريبًا كل معابرها التي تدرُّ دخلًا لا يستهان به، وتضبط به مستورداتها وصادراتها، والاقتصاد السوري دخل في حالة تفكيكية فوضوية عبثية، انتهى الأمر به للعودة إلى اقتصاد النواحي والمناطق، وحتى إلى مرحلة الاقتصاد العائلي البدائي بهدف أن يبقى الناس على قيد الحياة (5).
إن سوريا تعيش أسوأ من اقتصاد الحرب، لأن إدارة الاقتصاد في زمن الحرب تبقى تحت سلطة مركزية، وعلى فرض وجود إدارات مستقلة، إلا أنها تكون بعلم السلطة المركزية، وتخضع لقوانين اقتصادية يلتزم بها الشعب، وتكون هناك سلسلة قوانين تقشُّف وقوانين “شد الحزام”، ولكن في الواقع السوري هي ليست حربًا أهلية بالمعنى الدقيق حيث يتم تحييد السلطة المركزية لأن القوى المسلحة الشعبية تعاني من اصطفافات متناحرة لا تستطيع معها السلطة الحفاظ على الأمن والاستقرار، بل إن السلطة الحاكمة في سوريا تحارب قطاعات عريضة من الشعب، وتعدها خصمها اللدود الذي يستحق القصف بالأسلحة الكيماوية والعنقودية والفوسفورية وغيرها، وتسلِّط فئة من الجيش على الجمهور ليدمروا البيوت فوق رؤوس أهلها. لذا أميل لتسمية هذا النوع من الاقتصاد “اقتصاديات نيرون” وهو المثال الوحيد الذي حدث عام 64 قبل الميلاد، أي منذ أكثر من 2000 سنة، عندما جلس المختل عقليًّا، نيرون، يتفرج على حريق سبعة أحياء في روما كي يعيد بناءها بطريقة جديدة، ومن ثم اتهم المسيحيين بارتكاب الجريمة، على عكس دعاية النظام السوري الذي يفخر بإنجازات “حماة الديار” بقصفهم للمباني فوق رؤوس أهلها وللأفران والمشافي وأكثر من 1400 مسجد.
في ظل اقتصاد نيرون انخفضت إنتاجية القطاع الزراعي للربع، وقلَّت الاستفادة من الإنتاج الزراعي في ظل تردد الفلاحين في بيع محصولهم الاستراتيجي للنظام الذي يقتلهم، ومع تقطع أوصال المحافظات لم تعد الطرق آمنة لا بين المحافظات، ولا ضمن المدينة الواحدة التي فيها عشرات الحواجز ما بين النظام والثوار. ورغم أنه لا أحد يستطيع أن يدَّعي معرفة حجم محصول القمح بشكل دقيق في العام الماضي مثلًا (2016)، لأن هناك أكثر من جهة اشترت القمح ثم باعته للخارج، ولكن التقديرات تشير إلى أن المحصول انخفض مليون طن عن السنة السابقة، ولكن القادم حسب التقديرات سيكون أسوأ، بسبب عدم توفر البذور لزراعته عام 2017، ولا توفر الأدوات الزراعية، ولا المبيدات، وشُحِّ مادة الديزل اللازمة، وكذلك انخفاض الأيدي العاملة الزراعية بسبب انخراط الأرياف السورية كلها في الثورة؛ حيث توزعوا بين مناضل وهارب ومسجون ومعاق وقتيل، فضلًا عن استمرار عملية الحرق والقصف(6).
يحتاج الوضع إلى ما لا يقل عن خمس سنوات بعد سقوط النظام كليًّا، وبعد كبح الآلة القمعية المسلَّطة على رؤوس السوريين، من أجل استعادة دور الإنتاج الزراعي الحيوي في الاقتصاد السوري.
الاقتصاد أحد محركات الصراع
لا يشكِّك أي مراقب في أن الثورة السورية بدأت كانتفاضة مدنية مطلبية ترنو لتحقيق الكرامة وترفض القمع وتكميم الأفواه وتصر على الحرية، ولكنَّ أحدًا لا ينكر أن هناك جذرًا اقتصاديًّا لهذه الثورة فاقم من الشعور بالظلم وإهدار الكرامة، من مثل: انخفاض مستوى دخل الفرد السوري، والفوارق المعيشية بين الفقراء والأغنياء، واتساع الفجوة بين الريف والمدينة، وانتشار الفضائيات التي أسهمت في توعية الإنسان السوري بحقه في المطلب الأسمى وهو العدالة، وقد كان نصف الشعب السوري تقريبًا تحت خط الفقر قبل الثورة، مما عزَّز من الشعور بانتفاء العدالة الاقتصادية من المجتمع. وقد كان انتشار الفساد في جنبات الحياة الاقتصادية في معظم مرافق الجهات البيروقراطية الحكومية، يضطر الموظف، بسبب انخفاض مستوى دخله، إلى الارتشاء، ففاقم الفساد من الشعور بإهدار كرامة المواطن وقلَّل من احترامه لنفسه، وكذلك عزَّز النظرة الدونية التي يمارسها المجتمع في حقه.
لعل التنبؤ بالكارثة الاقتصادية السورية لم يكن صعبًا لمن اطَّلع بالتفصيل على دراسة خارطة الفقر عام 2004 التي أجراها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة؛ حيث أظهرت انتشار الفقر بشكل عام في المناطق الريفية أكثر من المناطق الحضرية (62% في المناطق الريفية)، فكانت أكثر الاختلافات إقليمية؛ إذ ارتفعت معدلات وعمق وحدَّة الفقر في الإقليم الشمالي الشرقي (إدلب، وحلب، والرقة، ودير الزور، والحسكة)، بشقيه الريفي والحضري ( وهذه كلها انتفضت منذ بداية الحراك الثوري). أما الإقليم الجنوبي، فقد تميـز بانخفـاض مستويات الفقر، وإقليم الوسط والساحل بمستويات متوسطة من الفقر. وأن النمو لم يخدم الفقراء، فقد استفاد الأفراد من غير الفقـراء من نتائج النمو الاقتصادي أكثر نسبيًّا من غير الفقراء. كما زادت نسبة عدم المساواة في سوريا بشكل عام بين الأعوام 1997 إلى 2004؛ حيث ارتفع مؤشر جيني من 33.0 إلى 37.0. وفي عام 2003-2004، استهلك الـ20 % الأدنى من السكان 7% فقط من كافة الإنفـاق في سـوريا، واستهلك الـ20 % الأكثر ثراء 45%. ومرة أخرى، وبينما تدنى عدم المساواة في المناطق الريفية للإقليم الجنوبي، ازدادت سوءًا في المناطق الريفية للإقلـيم الشـمالي الشرقي، غير أن الاختلافات الريفية الحضرية كانت أيضًا ملحوظة؛ إذ ارتفع عدم المساواة بشـكل كبيـر بالمناطق الحضرية ولكنها لم تتغير في المناطق الريفية (7).
لقد تم توجيه عدة رسائل مفتوحة للرئيس السوري كان آخرها بعنوان “احذروا البطالة” نُشرت في صحيفة “كلنا شركاء”، والتي أنذرت بقدوم ثورة اجتماعية في سوريا قبل شهر واحد من الثورة السورية في فبراير/شباط 2011؛ حيث جاء فيها: “إن البطالة تعني الفقر، والفقر يجر الجهل، والجهل يؤدي إلى ثورة اجتماعية –وما حال تونس ومصر عنَّا ببعيد- أولها: المنطقة الشرقية وحلب حيث يسكن الناس بيوتًا طينية على بعد نصف ساعة من المدينة، وآخرها في دمشق حيث عُقد المؤتمر السابع للتمويل الأصغر، وأكاد أجزم أنه لو استمرت وصاية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على الهيئة فسيكون وضع المواطن السوري من سيء لأسوأ، بينما كان يمكن منح أكثر من مليون شخص غادر المناطق الشرقية بعض القروض البسيطة ليبدؤوا ببعض المشاريع الصغيرة لخدمة مدنهم التي أهملناها لمدة أربعين سنة، ولم ننصفهم إذ أخذنا منهم نفطنا، وسلتنا الغذائية، ثم تجاهلنا محنتهم، وهم في هذه اللحظة على حدود المدن في خيم يعصف بهم وبأطفالهم الشتاء القارس، كأنهم خارجون من حرب تهجيرية”(8).
رغم أن تقرير خارطة الفقر يحدد مبالغ غير واقعية كحدٍّ أدنى للدخل الكافي لمعيشة الأسرة شهريًّا (1664 ليرة سورية)، فإن عدد المواطنين الذين لم يتمكنوا من تغطية احتياجاتهم الأساسية من المواد الغذائية وغير الغذائية في سوريا عام 2003/2004 بلغ حوالي 2.02 مليون فرد (وهو ما يوازي 4.11% من السكان)، وارتفع الفقر الإجمالي في سوريا إلى 30.12% ليشمل 5.3 ملايين شخص(9).
لا شك أن الفقر مشكلة رئيسية، كانت وراء معظم الثورات في العالم، ولكنَّ هذا ترافق مع اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء بين الريف والمدينة عام 2011 (وما بعدها طبعًا) ، ويقدر الباحثون أن أكثر من نصف سكان سوريا كانوا تحت خط الفقر، وذلك انعكاس طبيعي لارتفاع معدلات البطالة قبيل الثورة، حيث تُبيِّن النشرة التنموية الاقتصادية الخاصة بالمؤشرات الربعية للربع الأخير من العام 2011 -الصادرة عن مديرية دعم القرار في رئاسة مجلس الوزراء- ارتفاع معدل البطالة وفقًا للشرائح العمرية بين الشباب، من الشريحة العمرية 15-24 سنة، إلى 35.8% عام 2011 مقابل 20.4% عام 2010، بنسبة زيادة سنوية بلغت حوالي 75.5%، إضافة إلى ارتفاع معدل البطالة أيضًا على المستوى التعليمي في فئة الأميين من 4.7% عام 2010 إلى 19.2% عام 2011، أي نسبة زيادة سنوية بلغت حوالي 308.5%، وازداد في فئة القادرين على القراءة والكتابة من 9.4% عام 2010 إلى 20.4% عام 2011 بنسبة زيادة سنوية بلغت حوالي 117.2%. وأوضحت الدراسة أن محافظة الحسكة جاءت في المرتبة الأولى على مستوى المحافظات في معدل البطالة والتي وصلت إلى 38.8%، تلتها دير الزور 23.5%، ثم السويداء 22.4%، فالرقة 21.9%، في حين جاءت أعلى نسبة زيادة في معدل البطالة بين عامي 2010-2011 في محافظة الرقة بنسبة بلغت حوالي 222.2%، ثم الحسكة 157%، ثم جاءت حمص بـ139.1%، وإدلب 124%؛ الأمر الذي يؤكد أن أكثر فئات سوق العمل التي تسهم في ارتفاع معدلات البطالة والمتأثِّرة بالأزمة هي الفئات التي تعمل في القطاعات غير المنظمة، مثل: العمال الموسميين والمؤقتين، وأغلبهم من فئة الشباب، ومن ذوي التعليم المنخفض والدخول المنخفضة(10).
غليان الفقر والبطالة وانتشار الفساد والمحسوبية وغياب الشفافية، كانوا بمثابة الجذر الاقتصادي لانتفاضة مارس/آذار عام 2011، لكن لم تكن السمة الطاغية على تلك الثورة أنها مجرد انتفاضة جياع وفقراء وعاطلين عن العمل، بل كانت تمظهرات تلك الانتفاضة كهبَّة شعبية طالبت بشعارات عامة كالكرامة والحرية، ولكن لا شك في أن المعاناة الاقتصادية والمعيشية هي الجذوة الملتهبة التي أشعلها إهدار الكرامة واللجوء لذل السؤال والعوز الذي يكون عادة ملهمًا لمعظم الثورات.
سرعان ما انتقل الحراك السلمي الذي يطالب بالحرية والمساواة والعدالة والكرامة إلى مرحلة حراك مسلح كردِّ فعل على فشل النظام السوري بالتعامل مع ذلك الحراك، بل اختار النظام السوري منذ اللحظة الأولى التعامل مع الثورة بالحديد والنار والاعتقالات والذبح والقتل، وبطبيعة حال الصراع المسلح تبحث الأطراف عن مساحات انتشار وتقاسم، أو اقتطاع أكبر مساحات يمكن أن يبسطوا سيطرتهم عليها، عندها فقط يصبح تقاسم الموارد أمرًا واقعًا من أجل استمرار السيطرة.
لعل أهم الموارد الاقتصادية التي تم النزاع عليها، هي: المعابر، والنفط، والزراعة (خاصة القمح) وصوامع الحبوب، وإدارة المناطق المسيطر عليها.
صراع المعابر(11)
هنالك ثمانية معابر حدودية نشطة بنسب متفاوتة عبر الحدود التركية-السورية التي تعد طويلة نسبيًّا حيث تبلغ 822 كم، وكذلك على الحدود الأردنية. وقد خاض الجيش السوري الحر والفصائل الإسلامية حربًا ضد النظام السوري من أجل السيطرة عليها (معبر باب الهوى، معبر باب السلامة، معبر أطمة، معبر الراعي، معبر جرابلس، معبر الوليد، معبر نصيب، معبر الرمثا)، وحتى فصائل المعارضة تنازعت فيما بينها من أجل فرض سيطرتها على المعابر في الشمال، وقد أُغلقت المعابر من قِبل تركيا غير مرة بسبب الاشتباكات بين الفصائل المسلحة؛ فعلى سبيل المثال قد أغلقت السلطات التركية معبر باب الهوى وذلك بعد تصاعد وتيرة الاشتباكات بالأسلحة الرشاشة بين الأطراف المسيطرة على المعبر، صباح يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، على إثر خلاف جرى في المعبر بين عناصر حركة أحرار الشام الإسلامية وعناصر جيش الإسلام وصقور الشام الذي انتهى بانسحاب عناصر كلٍّ من صقور الشام وجيش الإسلام من المعبر وسيطرة الأحرار على المعبر بشكل كامل.
المعابر | القوى المسيطرة |
1 | تنظيم الدولة |
8 | المعارضة السورية |
7 | النظام السوري |
5 | الميليشيات الكردية |
كذلك هنالك معابر مع الأردن، نصيب/جابر، سيطرت عليها جبهة النصرة وفصائل معارضة -معظمها إسلامية- في إبريل/نيسان 2015، وكذلك الجمرك القديم/الرمثا والذي سيطرت عليه جبهة النصرة وفصائل معارضة -معظمها إسلامية- في أكتوبر/تشرين الأول 2016، وأما معبر القائم في البوكمال على الحدود العراقية فيسيطر عليه تنظيم الدولة الإسلامية منذ يوليو/تموز 2014، وأما معبر اليعربية/ربيعة فسيطرت عليه فصائل كردية في أكتوبر/تشرين الأول 2014، وبقيت سبعة معابر أخرى خاصة مع لبنان تحت سيطرة النظام السوري، وهي: معبر القامشلي-نصيبين، ومعبر المصنع، ومعبر جوسية، ومعبر الدبوسية، ومعبر طرطوس، ومعبر تل كلخ، وأما معبر كسب فهو بمثابة معبر متنازع عليه (12).
خريطة القوى المسيطرة على المعابر الرئيسية السورية حتى النصف الثاني من سبتمبر/أيلول 2016
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
تُعد المعابر مصدرًا ماليًّا يُدرُّ دخلًا لا يستهان به للقوى المسيطرة عليه من خلال جباية الرسوم على الإمدادات، والإغاثات، وعبور المسافرين، كما أن خمسة منها تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية (عين العرب، الدرباسية، تل أبيض، رأس العين، سيمالكا).
وبسبب سيطرة تنظيم الدولة والميليشيات الكردية على المعابر فقد أغلقت الحكومة التركية معظم المعابر في الشمال اللهم إلا معبر باب الهوى ومعبر باب السلامة، لكن حتى هذان المعبران فقد تم إغلاقهما لأكثر من مرة بسبب عدم تنظيم المعابر مدنيًّا، وفوضى إدارتها من قبل الفصائل، وأحيانًا بسبب حدوث اشتباك مع عناصر الحدود التركية(13).
إن المطارات من أهم طرق التواصل مع العالم، ويسيطر النظام على المطارات الستة في سوريا بما فيها مطار دمشق الدولي، ومطار حلب الدولي، ومطار تدمر، ومطار دير الزور، ومطار اللاذقية الدولي، ومطار القامشلي الدولي، مما يحرم كل القوى المسيطرة الأخرى من التواصل جوًّا مع العالم وكذلك يحرمهم من المداخيل التي تدرها المطارات، والرسوم الجمركية التي يمكن تحصيلها والمنطقة الحرة وغيرها من النشاطات الاقتصادية التي يمكن تشغيلها في تلك المطارات بينما يستفيد منها النظام بشكل كبير، وخاصة بعدما سيَّر الخطوط الجوية الجديدة المملوكة لرامي مخلوف والمعروفة بأجنحة الشام والتي تهبط في أكثر من عاصمة عربية.
هنالك شريان اقتصادي حقيقي للنظام السوري مع العالم الخارجي لا يُستهان به وهو تحت سيطرته تمامًا، وهو المرافئ البحرية (مرفأ اللاذقية-مرفأ طرطوس)؛ حيث وصل حجم الكميات المستوردة عن طريق مرفأ اللاذقية عام 2010 إلى 7305 أطنان، وعن طريق مرفأ طرطوس 10717 طنًّا، وبلغت كميات المواد المصدَّرة لنفس العام عن طريق مرفأ اللاذقية 1363 طنًّا، وعن طريق مرفأ طرطوس 2732 طنًّا. لا شك أن هذه الكميات، التي كانت تنقلها حوالي 4500 باخرة سنويًّا منها حوالي 400 ناقلة نفط وغاز، قد هبطت لأقل من الربع بعد عام 2011 بسبب المقاطعة الاقتصادية للحكومة السورية وحالة الحرب وعدم الأمان، وبسبب انخفاض حجم النشاط الاقتصادي استيرادًا وتصديرًا، ولكن المنفذ البحري يظل منفذًا اقتصاديًّا مهمًّا جدًّا.
النفط
كان النفط يسهم بحوالي 40 بالمئة من ناتج الدخل القومي السوري، لكن الواقع تغيَّر كثيرًا بعد عام 2011؛ ففقدت وزارة النفط السورية السيطرة على أصولها ومواردها بشكل مطَّرد، إلى أن وصل الوضع لمرحلة حرجة جدًّا؛ حيث إن إنتاج النفط انخفض، حسب تصريح وزير النفط السوري، سليمان عباس، من 340 ألف برميل يوميًّا إلى 18-19 ألف برميل يوميًّا(14)، (ثم انخفض إلى 8000 برميل يوميًّا فقط بنهاية 2016)، إلى درجة يصبح معها وزير النفط أشبه ما يكون بوزير بلا حقيبة، بسبب عدم تمكنه من إدارة معظم الثروة النفطية السورية.
إن آبار النفط والغاز في سوريا تتنازعها ثلاث قوى رئيسية: تنظيم الدولة والميليشيات الكردية والنظام السوري، بينما هي خارج سيطرة بقية الفصائل الإسلامية والجيش الحر، ويعد النفط خلال أكثر من خمس سنوات الخسارة الاقتصادية الأكبر للاقتصاد الوطني السوري، فقد فقدت الإدارة الاقتصادية المركزية قابلية التحكم بموارد الخزينة من قطاع النفط.
إن 63 بالمئة من حقول النفط والغاز المشتركة هي تحت سيطرة تنظيم الدولة، فمن أصل أحد عشر حقلًا، تقع سبعة منها تحت سيطرة تنظيم الدولة، ولم يتبقَّ للنظام السوري سوى 18 بالمئة أو حقلين فقط، ولا يزال هناك حقلا: الهيل والشاعر المتنازَع عليهما على مدى سنوات. وواقع حقول النفط ليس بأحسن حالًا، فمن أصل 67 حقلًا نفطيًّا يسيطر تنظيم الدولة على 52 بئرًا بنسبة 77 بالمئة، ولا يسيطر النظام السوري إلا على 5 بالمئة من الحقول النفطية (أربعة آبار فقط)، بينما ارتفعت أعداد الحقول الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الكردية إلى عشرة حقول، كان آخرها في التاسع من يناير/كانون الثاني 2016؛ حيث خرج حقل الجبسة من يد تنظيم الدولة ليصبح تحت سيطرة قوى الميليشيات الكردية، ولا يزال هناك حقل النيشان متنازعًا عليه.
يسيطر النظام السوري على مصفاتَي البترول، وهو القوة الوحيدة التي تسيطر على المصافي، كما أنه يسيطر بقوة على 69 بالمئة من حقول الغاز الطبيعي في سوريا، بينما يسيطر تنظيم الدولة على ما تبقى من حقول الغاز، ولا يزال هناك حقل واحد متنازع عليه.
مصفاة بترول | القوى المسيطرة |
2 | النظام السوري |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
حقول الغاز والنفط (11) | القوى المسيطرة |
7 | تنظيم الدولة |
2 | النظام السوري |
2 | متنازع عليها |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
حقول النفط (67) | القوى المسيطرة |
2 | النظام السوري |
52 | تنظيم الدولة |
10 | الميليشيات الكردية |
3 | متنازع عليها |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
حقول الغاز (19) | القوى المسيطرة |
9 | النظام السوري |
10 | تنظيم الدولة |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
رغم استخدام الطرق البدائية في استخراج النفط وعدم توفر إمكانية تصديره بشكل رسمي وتعرُّض بعض الآبار وكذلك شاحنات النفط للقصف، إلا أن تحكم تنظيم الدولة بحصة كبيرة جدًّا من النفط السوري وفَّر له مصدر دخل لا يُستهان به جعله يستطيع تأمين الدعم المالي لآلته العسكرية الضاربة؛ حيث تُقدَّر الإيرادات بما بين 30-50 مليون دولار شهريًّا، وتُقدِّر الفاينانشيال تايمز أن تنظيم الدولة ينتج ما بين 34000–40000 برميلًا يوميًّا(15).
ولا شك أن خارطة القوى المسيطرة تتغير بشكل يومي بسبب استمرار الحراك العسكري على كل المحاور بوتائر مختلفة، وهي تتغير يوميًّا؛ فواقع الأمر أن خريطة القوى المسيطرة على حقول النفط السورية إلى غاية يونيو/حزيران من العام 2014 مختلفة تمامًا عمَّا هي عليه في الشهر التاسع من عام 2016؛ حيث كانت حقول الحباري جنوب الطبقة وحقل الثورة -على سبيل المثال- موزعة ما بين لواءي التوحيد والأحرار، لكنها باتت بعد يناير/كانون الثاني 2014 تحت سيطرة تنظيم الدولة. كذلك الأمر بالنسبة لحقول العمر وبعض حقول دير الزور والفرات والجفرا التي كانت تحت سيطرة جبهة النصرة (سابقًا) إذ باتت بعد يونيو/حزيران 2015 تحت سيطرة تنظيم الدولة، وعلى الأرجح فإن تنظيم الدولة مستعينا بالوسائل البدائية التي يستخرج بها النفط ويكرِّره، لم يتمكن من إنتاج ربع الكمية المنتَجة سابقًا والتي تُقدَّر حينها بـ350 ألف برميل يوميًّا.
إن تجارة مشتقات البترول تتعرض لمخاطر هائلة مما يجعل الاستفادة منها ماليًّا عند الحدِّ الأدنى؛ فهنالك مخاطر نقل كميات المشتقات النفطية المستخرجة، فضلًا عن بدائية تصفيتها؛ الأمر الذي يلعب دورًا كبيرًا في حجم وكفاءة الإنتاج.
وقد أسهم تركيز قوى التحالف الدولي على قصف شاحنات ناقلة للنفط تابعة لتنظيم الدولة في انخفاض الإنتاج والتوزيع؛ حيث قصفت قوى التحالف البوكمال في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 -طبقًا لمصادر وزارة الدفاع الأميركية- 116 ناقلة نفط، وكذلك قصفت أربع شاحنات نقل نفط قرب البوكمال، وثلاثة قُرب الرقة في الأول من سبتمبر/أيلول 2016، واثنتين قرب البوكمال، وست ناقلات قرب دير الزور في 19 أغسطس/آب 2016، وكذلك ضرب التحالف خمس شاحنات نفط في 28 أغسطس/آب 2016(16). كما قامت القوات الروسية بضرب محطات للتزود بوقود النفط، وخزانات نفط غير معروف عددها بالضبط في 1 يونيو/حزيران 2016 (17)، إضافة لضرب أربع منشآت غير نظامية لإنتاج النفط في حمص والرقة(18)، في السادس من يونيو/حزيران 2016. وقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية أكثر من مرة أنها تتقصد ضرب الاتِّجار بالنفط من قبل تنظيم الدولة (28 مارس/آذار 2016)(19)، وقد أعلن نائب وزير الدفاع الروسي، أناتولي أنتانوف، عن هذا صراحة في 14 ديسمبر/كانون الأول 2015(20,22,21).
إن التقديرات تختلف حول دخل تنظيم الدولة من النفط خاصة، والتي لا شك في أنها تأثرت بانخفاض سعر البرميل عمومًا، وارتفاع مخاطر انعدام الأمن من جرَّاء قصف التحالف أحيانًا لناقلات النفط، وازداد عامل المخاطرة بعد التدخل الروسي في سبتمبر/أيلول 2015؛ حيث أشار بعض التقديرات إلى أنه وصل في منتصف 2015 إلى حوالي 80 مليون دولار شهريًّا(23)، لكن في منتصف مارس/آذار 2015 انخفض إلى 56 مليون دولار بسبب انخفاض إنتاج النفط من 33 ألف برميل في منتصف 2015، إلى 21 ألف برميل في مارس/آذار 2016. ويُقدَّر حجم التعامل بين تنظيم الدولة والنظام السوري، حسب تقديرات صحيفة الوول ستريت، بحوالي 40 مليون دولار؛ حيث تكشَّفت حقائق دامغة عن تعامل النظام السوري مع تنظيم الدولة بعد أن ألقت القوات الأميركية القبض على رئيس ديوان الموارد الطبيعية في تنظيم الدولة المدعو: أبو سياف، وأشارت الوثائق إلى أن 72 بالمئة من أصل عوائد تجارة النفط -والتي وصلت 289.5 مليون دولار خلال ستة أشهر- جرت مع النظام السوري(24). لكن هنالك تقديرات تشير إلى أن النظام السوري يشتري 20 ألف برميل يوميًّا من تنظيم الدولة، وأن الوثيقة رقم 156 التي وُجِدت مع أبي سياف تشير إلى وجود اتفاق ما بين تنظيم الدولة والنظام على السماح لناقلات النفط والأنابيب النفطية بالمرور بأمان(25).
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
خريطة القوى المسيطرة على آبار النفط والغاز في سوريا حتى النصف الثاني من سبتمبر/أيلول 2016
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
أشار بعض المراقبين إلى أن هناك تنظيمات إجرامية لتجارة النفط السوري القادم من تنظيم الدولة داخل سوريا تنشط تحت غطاء من النظام، خاصة إذا ما علمنا أن من يدير تلك التنظيمات شخصيات من عائلة الأسد -تم تداول أسمائها من قبل- هم: إيهاب مخلوف وأيمن جابر وعمار الشريف وياسر عباس الذين يُصدِّرونه من ميناء طرطوس تحت إدارة تجار روس ينقلونه إلى أوروبا، ومن ميناء بانياس عبر الحكومة السورية نفسها، وفي الوقت الذي أعلن فيه التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الذي تقوده واشنطن أن عمليات قصف استهدفت آبارًا في الجزيرة ومصافي نفط تابعة لتنظيم الدولة، تثار شكوك حول فعالية تلك الضربات في الحد من قدرة التنظيم الإنتاجية. ولـ”نفط تنظيم الدولة” مشترون آخرون، فشمالًا تنشط سوق أخرى للتنظيم هذه المرة على الحدود مع تركيا، وتتم عبر وسطاء فيما يخص المشتقات النفطية وليس النفط الخام، عبر طريق يطلق عليه تنظيم الدولة: الطريق العسكري، يقع غرب مدينة جرابلس من قرية “عرب عزة” مدخل نهر الساجور إلى الحدود السورية-التركية، وتتم عمليات هذه السوق السوداء أيضًا عبر منطقتي “تل أبيض” و”سلوك” الحدوديتين اللتين يوجد فيهما العديد من مصافي التكرير والأنابيب الضخمة لتهريب النفط. هنالك دلائل على أن تنظيم الدولة يبيع النفط للوسطاء من مواقع منصات الإنتاج بمبلغ 12 دولارًا، ومن الحدود بسعر 18 دولارًا؛ حيث يشتريه التجار الأتراك المحميون من شخصيات سياسية تركية بمبلغ 18 دولارًا للمشتريات المباشرة من تنظيم الدولة ومن الوسطاء بقيمة 20 دولارًا، ليبيعوه بسعر 25 دولارًا لشركة النفط الوطنية التركية، وللشركات الخارجية بسعر 30 دولارًا (26).
تقديرات حجم إنتاج الحقول النفطية وسعر بيع برميل النفط من قِبل تنظيم الدولة أوائل عام 2016
اسم الحقل النفطي | (برميل يوميًّا) تقدير حجم الإنتاج | سعر البرميل (دولار/برميل) |
التنك | 11,000-12,000 | $40 |
العمر | 6,000-9,000 | $45 |
الطبقة | 1,500-1,800 | $20 |
الخراطة | 1,000 | $30 |
الشولة | 650-800 | $30 |
الديرو | 600-1,000 | $30 |
التيم | 400-600 | $40 |
الراشد | 200-300 | $25 |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
صوامع الحبوب والقطن
يُعد الخبز جزءًا مهمًّا من غذاء وثقافة السوريين مثلهم مثل كل المجتمعات الشرقية، تلك المادة الغذائية الرئيسية على موائد الشرقيين حيث تقوم الثورات باسمه من مثل: ثورة الخبز في مصر 1977، انتفاضة الخبز في تونس 1984، وثورة الخبز في الجزائر 1988، وثورة الخبز في الأردن 199. لذا يعد دعم مادة الخبز رمزًا لأبوية الحكومة في اعتنائها بالشعب، وتخزينه بشكل علمي ومهني في صوامع من ضمن الخطط الاستراتيجية للحكومة.
إن الطاقة النظرية لصوامع الحبوب في سوريا 3.5 مليون طن (27)، بينما كانت الصوامع ومخازن تجهيز الحبوب ومستودعات الحبوب والقطن تحت سيطرة إدارة مركزية واحدة في دمشق قبل 2011، باتت الآن يتقاسمها أكثر من قوة.
تسيطر الميليشيات الكردية على حوالي 45 بالمئة من صوامع الحبوب السورية، فمن أصل 36 صومعة حبوب وضعت القوى الكردية يدها على 16 صومعة، بينما سيطرت المعارضة المسلحة على تسع صوامع، وبقي تحت سيطرة النظام 6 صوامع للحبوب، وأما تنظيم الدولة فقد خسر الكثير من صوامع الحبوب بعد التقدم العسكري للميليشيات الكردية ولم يبق في يده سوى خمس صوامع. لا شك أن صوامع الحبوب لم تسلم من الدمار وقد بدأت عملية تدميرها مبكرًا، في 16 يناير/كانون الثاني 2013، في مدينة الباب يوم كانت تحت سيطرة الجيش الحر(28)، وكذلك قصف النظام صوامع الباب بالقنابل الفوسفورية في 6 يوليو/تموز 2013 (29)، كذلك قصف النظام صوامع خان شيخون في 24 مارس/آذار 2015 (30).
لم تسلم صوامع الحبوب حتى من قصف قوى التحالف حيث قامت بقصف صوامع بمحيط مدينة البوكمال بريف دير الزور الجنوبي الشرقي 11 يوليو/تموز 2016(31)، كما خرجت مطحنة الرشيد عن الخدمة في مدينة الرقة بعد أن تم قصفها وقصف بعض صوامع تخزين الحبوب عند المدخل الشمالي لمدينة الرقة في 5 مايو/أيار 2016(32). وكانت قوى التحالف قد قصفت الصوامع في مدينة منبج 29 سبتمبر/أيلول 2014(33)، وقد قام النظام بقصف صوامع الحبوب (الواقعة 7 كم شرق مدينة دير الزور) في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وذلك بعد يومين من نقل تنظيم الدولة لكامل محتوياتها بمئتي شاحنة معبئة بالكامل، إلى مناطق نفوذه بالأراضي العراقية، لبيعها إلى التجار العراقيين أو تخزينها في مناطق أكثر أمنًا(34).
كما قامت القوات الروسية، في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بقصف صوامع رئيسة في ريف الرقة الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة، صوامع “الشاهر” في ريف الرقة الشرقي، والتي يبلغ مخزونها 12 ألف طن من القمح، وكذلك صوامع “الدبسي” غرب مدينة الطبقة في ريف الرقة، وكذلك قصف الروس صوامع الحبوب في منطقة “الحوس” شرقي الرقة وأسفر القصف عن خروج الصوامع من الخدمة إثر تضررها بشكل كبير(35).
صوامع الحبوب(36) | القوى المسيطرة |
6 | النظام السوري |
5 | تنظيم الدولة |
9 | المعارضة |
16 | الميليشيات الكردية |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
بينما كانت 60 بالمئة من مستودعات الحبوب والقطن تحت سيطرة تنظيم الدولة عام 2015، والباقي للميليشيات الكردية، اختلفت خارطة القوى المسيطرة بحيث آلت -بعد دخول قوات سوريا الديمقراطية بقوة لانتزاع المناطق من تنظيم الدولة بدعم من التحالف- كل المستودعات الـ22 إضافة لمستودع قطن وصومعة زراعية إلى سيطرة الميليشيات الكردية، بينما بقي النظام السوري يسيطر على ثلاثة مخازن لتجهيز الحبوب ومنشأة معالجة القطن، وبسطت المعارضة المسلحة يدها على مخزنين.
مستودعات حبوب وقطن(22) | القوى المسيطرة |
22 | الميليشيات الكردية |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
مخزن تجهيز الحبوب(5) | القوى المسيطرة |
3 | النظام السوري |
2 | المعارضة |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
منشأة معالجة القطن | القوى المسيطرة |
1 | النظام السوري |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
مطحنة قطن | القوى المسيطرة |
1 | الميليشيات الكردية |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
مستودعات قطن(2) | القوى المسيطرة |
1 | تنظيم الدولة |
1 | الميليشيات الكردية |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
مركز قطن | القوى المسيطرة |
1 | تنظيم الدولة |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
صومعة زراعية | القوى المسيطرة |
1 | الميليشيات الكردية |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
مصادر المياه
يعد النظام صاحب اليد الطولى في السيطرة على 121 بحيرة وتجمعًا وخزان مياه، ومحطتي معالجة مياه إضافة إلى 42 سدًّا، بينما بقيت 24 بحيرة وتجمعًا وخزان مياه، و17 سدًّا تحت سيطرة المعارضة المسلحة، كما أن الميليشيات الكردية تسيطر على 20 بحيرة وتجمعًا وخزان مياه و7 سدود، ومحطة واحدة لتصفية المياه. لعل تنظيم الدولة يعد أضعف القوى المسيطرة على قطاع المياه في سوريا؛ حيث سيطر على 5 محطات تصفية مياه، ومحطة معالجة واحدة للمياه ومحطة تحلية مياه واحدة، و19 بحيرة وتجمعًا وخزان مياه، و10 سدود.
محطة تصفية مياه | القوى المسيطرة |
5 | تنظيم الدولة |
1 | الميليشيات الكردية |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
محطة معالجة مياه | القوى المسيطرة |
2 | النظام السوري |
1 | تنظيم الدولة |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
محطة تحلية مياه | القوى المسيطرة |
1 | تنظيم الدولة |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
نقاط وبحيرات تجميع مياه، وخزانات مياه | القوى المسيطرة |
121 | النظام السوري |
19 | تنظيم الدولة |
24 | المعارضة |
20 | الميليشيات الكردية |
1 | متنازع عليها |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
سدود | القوى المسيطرة |
42 | النظام السوري |
10 | تنظيم الدولة |
17 | المعارضة |
7 | الميليشيات الكردية |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
محطات شبكات كهربائية وشبكات فرعية | القوى المسيطرة |
52 | النظام السوري |
16 | تنظيم الدولة |
14 | المعارضة |
3 | الميليشيات الكردية |
10 | متنازع عليها |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
محطة الطاقة الحرارية | القوى المسيطرة |
3 | النظام السوري |
2 | تنظيم الدولة |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
محطة الطاقة الكهرومائية | القوى المسيطرة |
2 | تنظيم الدولة |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
محطة توليد الكهرباء | القوى المسيطرة |
6 | النظام السوري |
1 | متنازع عليها |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
محطة توليد كهرباء عسكرية | القوى المسيطرة |
1 | النظام السوري |
1 | متنازع عليها |
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |
اقتصاد النواحي والمناطق
إن هناك حوالي 200 ناحية من أصل 295 ناحية في سوريا خارج سيطرة النظام السوري، تدار بشكل ذاتي طبقًا لتوجه القوى العسكرية والمدنية التي تسيطر عليها أمنيًّا، سواء أكانت مع تنظيم الدولة، أو مع الفصائل المسلحة بكل أنواعها، وتتقاسم تلك القوى أكثر من 5000 قرية (من أصل 6363 قرية في كل سوريا)، بما فيها الموارد الزراعية والتجارية والصناعية والخدمية، وسنعطي بعض الأمثلة في هذه العجالة؛ حيث تقوم القوى المتصارعة بإدارة المناطق التي تسيطر عليها بطرق مختلفة، ولعل المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة تقدم ضرائب ورسوم ربما اكثر من أية قوة مسيطرة في سوريا؛ حيث تُقدَّر العوائد المالية من الضرائب لتنظيم الدولة بـ576 مليون دولار، وعوائده من النفط بـ365 مليون دولار سنويًّا (هبوطًا من 500 مليون دولار)، ودخله من بيع الآثار والأنتيكات 100 مليون دولار سنويًّا، إضافة للسطو على البنوك، والدخول من مبادلة الأسرى(36).
ويعد تنظيم الدولة الأكثر قسوة وتدخلًا في الشؤون الشخصية للسكان، ويقوم بتغيير القوانين الاقتصادية السائدة سابقا ومحاولة فرض رؤيته الأيديولوجية، من مثل ما حدث في مدينة الطبقة -تحت ما سُمِّي بولاية الرقة- حيث إن هناك أسواقًا محلية هي عبارة عن تجمع للمحلات التجارية كان أصحابها قد حصلوا على سكن مجاني منذ عشرات السنين، وبعد أن باعت الدولة عام 2000 المساكن للأهالي استمر صاحب كل محل تجاري باستثمار محله لقاء دفع قسط شهري إلى أن تملَّكَ المحل، ولكن منذ الشهر الثاني من العام 2015 فوجئ أصحاب المحلات التجارية، في الأحياء الأول والثاني والثالث، في أحد الأيام بعناصر التنظيم ومعهم أمر تملُّك المحال من الأمير؛ حيث تم نزع ملكية المحلات من أصحابها التي تملكوها بعد دفعهم الأقساط للنظام، وتم فرض رسم إيجار على من يريد أن يستمر في استثمار محله، وقد بلغ إيجار محل أحدهم (س) على سبيل المثال مبلغ 35000 (ليرة سورية) شهريًّا، عليه أن يدفعها لتنظيم الدولة كي يبقى في محله الذي يستثمره منذ أربعين عامًا. هذه هي صورة الحياة الاقتصادية لمعظم تجار الطبقة في محلاتهم، وقد زادت من تذمر السكان ودفعت من بقي منهم إلى التفكير بالهجرة والسفر خارج الطبقة أو خارج سوريا.
كرر التنظيم في الطبقة فرض قوانينه الصارمة التي تسري في أماكن سيطرته، مثل مخالفات التدخين وتحديد لباس النساء، حيث أوجب شكلًا معينًا للباس وفرض حجابًا، هو عبارة عن ثوب فضفاض بلون أسود فوقه ما يُسمَّى بالدرع. ويُمنع أي شكل أو نوع من الملابس النسائية الأخرى كالمانطو (المعطف) والجلباب والتنورة، ومنع الألوان كافة ما عدا الأسود، ومن تخالف تُسجَن وتُحال إلى دورة شرعية لمدة هم يحددونها، ويجب عليها شراء درع وجلباب تنظيم الدولة وأن تسلِّم المانطو مثلًا كي يحرقه التنظيم(37).
وقد قام تنظيم الدولة بتغيير المجلس المحلي في مدينة الطبقة إلى هيئة خدمة المسلمين، وهي تقوم بالخدمات المقررة تحت إشراف تنظيم الدولة، وتتبع هيئة الخدمات التي تقوم بعمليات النظافة وصيانة الكهرباء والماء وخدمات الاتصالات والمخابز.
إداريًّا، هناك عدة جهات وهيئات تقوم بالخدمة:
- هناك شرطة المرور الإسلامية وحوادث السير.
- وهيئة حماية المستهلك.
- وهيئة الحسبة، وهي قوة تنفيذية تتولى المخالفات في الشوارع كمخالفات لباس النساء، ولديها قوة خاصة من النساء للتعامل مع النساء، ومكافحة التدخين وبيعه. وهي هيئة مستفزة لمن بقي من أهالي الطبقة إلى حدٍّ بعيد.
- ديوان جباية الزكاة.
- المكتب الإعلامي.
- مكتب الانتساب.
- مكتب شؤون المجاهدين.
- المكتب الأمني(38).
وهذه الهيئات نفسها تقريبًا موجودة في مدينة الباب التي كانت واقعة تحت سيطرة التنظيم (39).
تتغذى الطبقة أساسًا بالكهرباء من محطة سد الفرات الموجودة داخل إقليمها، ولم تتأثر البنية التحتية للكهرباء بقصف النظام ولا بقصف التحالف، والكهرباء مجانية في الطبقة إلى أن سيطر تنظيم الدولة عليها في عام 2014، فصارت الكهرباء على مدار 24 ساعة لقاء رسم كهرباء 500 ل.س يدفعه المواطن لتنظيم الدولة. كما تُضخ المياه لمدينة الطبقة بالأصل من محطة ضخ أبو هريرة، ومعلوم هنا أن الطبقة على نهر الفرات، وحاليًّا تضخ يوميًّا 6 ساعات مقابل فاتورة شهرية ثابتة قيمتها 500 ل.س (بينما هي في مدينة الباب التي تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة أيضًا 200 ليرة سورية فقط)(40). وأُعيد تشغيل الهاتف الأرضي ومقسم الطبقة الهاتفي داخل المدينة، ويدفع الأهالي رسم هاتف 100 ل.س لتنظيم الدولة بدلًا لخدمات الاتصالات(41).
سيناريوهات مستقبلية
إن المعطيات الحالية متداخلة ومتغيرة بشكل سريع، خاصة فيما يخص التدخل العسكري الروسي المباشر منذ سبتمبر/أيلول 2015، وكذلك التدخل العسكري التركي المباشر لأول مرة مستخدمًا الجيش الحر بالتنسيق مع الأميركيين والروس؛ مما يفضي في المستقبل إلى تمكن المعارضة السورية من توسيع الرقعة التي تقع تحت سيطرتها، ويتراجع حلم بعض القوى الكردية ببناء كيان في المناطق السورية المتاخمة لتركيا.
تتسابق القوى المتصارعة إلى بسط سيطرتها على أوسع مساحة ممكنة، ويبدو من انتهاج النظام وحلفاؤه عمليات التطهير العرقي وإخراج السكان من مساكنهم في مناطق حلب وحمص ودمشق ومناطق أخرى، وإجبار الأهالي والعسكريين على الرحيل إلى إدلب، كأن النظام السوري يسعى بذلك إلى السيطرة مع حلفائه على ما أُطلق عليه: منطقة “سوريا المفيدة”، بحيث تتسع المساحة التي يسيطر عليها النظام لتشمل كل ريف دمشق وحمص.
بنفس الوقت تتسع المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال من خلال السعي التركي ومعظم المعارضة السورية إلى ما يطلق عليه: “المنطقة الآمنة”، والتي قد تفرضها تركيا بالقوة العسكرية وبمباركة دولية والتي تشمل أجزاء من حلب وإدلب حيث تشمل تلك “المنطقة الآمنة” 448 مدينة وقرية(42) وتجمعًا سكنيًّا وثلاثة معابر حدودية (الراعي، وجرابلس، وباب السلامة)، وثلاث صوامع (أخترين، ومنبج، وجوبان بيك)، وثلاث بحيرات وسدًّا واحدًا ومحطة قطار، ويُقدِّر الخبراء أن المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها “يمكن أن تكون بطول 110 كلم وعرض 65 كلم، ويمكنها استيعاب ما لا يقل عن مليون ونصف، وفي الحد الأقصى 2.5 مليون سوري(43)“.
أما مصير المناطق الشمالية الشرقية التي تحاول قوات سوريا الديمقراطية -التي يغلب عليها الطابع الكردي- السيطرة عليها، فهو مرهون أيضًا بما تحمله الشهور القادمة من مضمون التفاهمات سواء الروسية-التركية أو الروسية-الأميركية والقدرة على تطبيقها؛ حيث إن القوات الكردية تأتمر بأمر الولايات المتحدة وتُجري تحركاتها العسكرية تحت غطائها الجوي، وقد تلقت في الأسبوع الأخير من أغسطس/آب 2016 أوامر صارمة من الولايات المتحدة الأميركية بالانتقال إلى منطقة شرق نهر الفرات وتسليم ما تم تحريره من مدن كانت تحت سيطرة الدولة إلى قوات “درع الفرات” (المعارضة المعتدلة) التي تحميها تركيا(44)، والأرجح أن قوات درع الفرات ستكمل تمددها إلى باقي المناطق الشمالية الشرقية في عهد الإدارة الأميركية الجديدة عام 2017، وقد ألمح الأتراك غير مرة على لسان وزير الخارجية التركي، مولود جاوش أوغلو، أن أنقرة تعرض على واشنطن القيام بعملية خاصة مشتركة ضد المتشددين في سوريا لكن بدون قوات كردية تعتبرها تركيا “إرهابية” وتدعمها واشنطن(45).
المناطق الجنوبية التي يتقاسمها النظام والمعارضة ربما تبقى على ما هي عليه من اقتسام للموارد، ويبقى معبر نصيب بيد المعارضة، رغم أن محاولة تمدد النظام في المناطق الجنوبية قائمة خاصة مع استمرار قصف داعل(46).
أما فيما يتعلق بما منحه النظام سرًّا وعلانية من مشاريع وامتيازات للحكومة الإيرانية (سيارات(47)، خليوي(48)، فوسفات(49)، سياحة دينية(50)…)، وكذلك امتيازات أخطر للحكومة الروسية من مثل استثمارات وحقوق مفتوحة في كل سوريا للتنقيب عن النفط(51)، والبنية التحتية(52)، وغيرها، وكل تلك الامتيازات المعلنة والمخفية (الاتفاقات العسكرية المستقبلية مثلًا)، فهي رهن بما يتمخض عنه الحل السياسي الذي لا يبدو وشيكًا مع قصف النظام المستمر للمناطق خارج سيطرته، وقصف القوات الروسية، التي لم يكن آخرها قصف شاحنات المساعدة الإغاثية الأممية(53) في محاولة لوأد أي حل سياسي كسبًا للوقت خلال ما تبقى من عمر النظام الأميركي الذي سماه البعض: “الدولة العجوز”(54)، واستمرار رمي الأسلحة المحرمة مثل النابالم والصواريخ الارتجاجية(55) المزلزلة للمدنيين، والتي يعد استخدامها بمثابة جرائم حرب، ولكن المجتمع الدولي لا يبالي فيما يبدو -رغم الدعاية الإعلامية- بما سمَّاه البعض: “إبادة الشعب السوري”(56).
إن كل الأحداث السابقة وغيرها تشير إلى إغماض المجتمع الدولي العين عن الحل العسكري الذي يجري تحت غطاء إعلامي وسيل من التصريحات –لا يُقدِّم ولا يؤخِّر- عن التمسك بالحل السياسي، مُتيحًا للنظام وحلفائه فرصة القضاء على الحراك الشعبي الثوري السوري، والإبقاء على النظام السوري سواء تصريحًا أو تلميحًا، عن طريق الدول، أو معارضات تسعى لشرعنة وجود النظام السوري لضمان عدم محاكمته باعتباره جزءًا من الحل الانتقالي السياسي، وذلك عن طريق طرح ترؤسه الفترة الأولى من الانتقال السياسي، خلافًا للحل السياسي الذي طرحته الهيئة العليا للتفاوض على دول العالم في اجتماع الأمم المتحدة في نيويورك والذي يبدأ برحيل الأسد(57).
إن الشهور الأخيرة من عام 2016 كانت حُبلى بالكثير من التغيرات في خارطة اقتسام الموارد الاقتصادية على الأرض السورية، وقد لا تلبث خارطة 2016 للقوى العسكرية والثورية أن تتغير مع استقبال البيت الأبيض إدارة جديدة والتي قد تكون أكثر حسمًا، لكن واقع الأمر أنه لا يوجد أي ضمان حقيقي لأن تكون الإدارة الأميركية القادمة عام 2017 أصدق من سابقتها في دعمها للشعب السوري في الانتقال السياسي الحقيقي، وتحقيق حلمه في الحرية والكرامة والمساواة والعدل والتنمية الاقتصادية والحكم الرشيد. وما يمكن الجزم به من قراءة تطور الأحداث وكثرة الفاعلين الدوليين على الصعيدين السياسي والعسكري هو صعوبة أن تكون الخارطة الاقتصادية السورية عام 2017 تشبه صورتها بأي شكل ما كانت عليه قبل عام 2011.
خريطة القوى المسيطرة على الموارد الاقتصادية في سوريا حتى النصف الثاني من سبتمبر/أيلول 2016، وتشمل آبار النفط والغاز والمعابر والجسور وشبكات الكهرباء والسدود وصوامع الحبوب ومخازن القطن والبحيرات والمطارات
المصدر: مجموعة عمل اقتصاد سوريا 2016 |