كشف رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا” الدكتور “أسامة قاضي” في حوار مع “زمان الوصل” ديون سوريا لإيران وروسيا، مشيرا إلى أن ديون إيران تصل إلى 35 مليار دولار بينما تفوق ديون روسيا ذلك المبلغ.
وقال قاضي إن إعادة المساكن في سوريا إلى ما كانت عليه، قد يحتاج إلى 2 مليار دولار حتى الآن، لافتا إلى أن حلب تأتي بالدرجة الأولى من حيث الدمار تليها محافظة ريف دمشق.
ورأى قاضي أن الحل السياسي هو الحل الوحيد كي لا تخرج سوريا دولة مكبلة بالديون، إلا أنه ربط ذلك بقدرة وفد التفاوض في المعارضة السورية على طرح مثل هذه الملفات في أي عملية تفاوضية.. فإلى نص الحوار:
*عقود ومواثيق مع روسيا وإيران تدمر سوريا
-بلغت ديون سوريا لإيران وروسيا مليارات .. في حال التسوية السياسية ما هو وضع هذه الديون قانونيا؟
الحقيقة القانونية تقول إن الديون التي وضعها النظام على كاهل الشعب السوري ملزِمَةً بحكم أنه لازال لديه سفارات في العالم، وخاصة سفيره في الأمم المتحدة، لكن تلك الديون منوطة بطبيعة الحل السياسي، وتبعاً للقوة التفاوضية لوفد المعارضة، وعدم إهمال هذا الجانب.
وحقيقة إن الديون الروسية والإيرانية الضخمة خطيرة على مستقبل سوريا الاقتصادي، ولكن الأخطر هي العقود والمواثيق التي وقّعها النظام السوري وحكومته بعد مارس 2011، والتي كان آخرها إعطاء حق استثمار ميناء نفطي وأراضٍ بمساحة 5000 هكتار لإيران، فضلا عن دخولها سوق الخليوي وما لذلك من توابع أمنية واقتصادية، وكذلك بيع لمنشآت القطاع العام وأراضي حكومية، وكذلك العقود الموقعة مع روسيا والتي تعطي حق التنقيب واستخراج النفط في كل سوريا.
-هل هناك من حل حيال هذه الورطة؟
على الوفود السورية المفاوضة الإصرار على حل سياسي ناجز والتأكيد على وضع بند عدم التزام هيئة الحكم الانتقالي، أو الجسم الحكومي السوري القادم بأي عقود أو مواثيق وقّعها النظام بعد مارس 2011، لأن القبول بها سيكون كإبقاء قنبلة موقوتة يهدد انفجارها استقرار الدولة السورية القادمة، وقد يتسبب في أزمة دولية قادمة.
*14 تقريرا اقتصاديا لإسعاف الاقتصاد السوري
-أنتم في مجموعة عمل اقتصاد سوريا ماذا تقدمون لسوريا؟
مجموعة عمل اقتصاد سوريا مجموعة بحثية مستقلة ومنظمة غير ربحية بدعم من بعض رجال الأعمال السوريين، مهمتها توعوية اقتصادية بالمقام الأول والحضور الدائم في المشهد الاقتصادي السوري إعلامياً، ومحاولة الحضور في المحافل الدولية ما أمكن لشرح تعقيدات المسألة الاقتصادية السورية، وقد قدمنا 14 تقريراً اقتصاديا تحت عنوان “الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة”، وهي تقدم رؤية أولية لخطة إسعافية وخطة متوسطة الأجل وخطة طويلة الأمد لما ينبغي على الحكومة السورية القادمة أن تفعله في عشر قطاعات اقتصادية بما فيها الزراعة والمياه، والنفط، والمواصلات، والإسكان، والصناعة وغيره. كما أننا قدمنا سبعة عشر تقريرا اقتصادياً بعنوان “المشهد الاقتصادي السوري” تدرس هذه التقارير كيف تدار النواحي والمناطق السورية إدارياً واقتصادياً، بمعنى كيف يعيش أهلنا في إعزاز، والطبقة، وأرمناز، وحريتان ونواحٍ أخرى وماهي مواردهم الاقتصادية، كما قدمنا دراسة اقتصادية حول المنطقة الآمنة في شمال سوريا وإمكانياتها الاقتصادية والسكانية، فضلاً عن أننا كنا شركاء مجموعة أصدقاء الشعب السوري المعنية بإعمار سوريا التي ترأستها ألمانيا والإمارات، وكنا الطرف السوري المعني بمؤتمرين اساسيين في أبوظبي مارس 2012، والآخر في دبي نوفمبر 2012 بعنوان الاستثمار في سوريا المستقبل وقد حضره مئات رجال الأعمال السوريين وغير السوريين، وتصدينا إعلامياً للشأن الاقتصادي السوري منذ اليوم الأول للثورة السورية وأجرينا مئات اللقاءات الصحفية والإعلامية، وقد كتبنا الخطاب الاقتصادي للثورة السورية، وساهمنا في القسم الاقتصادي في مشروع اليوم التالي، وترأسنا القسم الاقتصادي في تقرير خطة التحول الديمقراطي لرسم الملامح المستقبلية لاقتصاد سوريا.
-كم تبلغ حتى الآن بشكل عام كلفة إعادة إعمار سوريا؟
للأسف كل يوم جديد من الدمار يزيد هذه التكلفة، إن التقديرات المتحفظة للخسائر الاقتصادية حوالي تتجاوز 300 مليار دولار، ولكن تكلفة إعادة الإعمار يعتمد في المقام الأول على دراسة إحصائية دقيقة ميدانية لا يمكن توفرها الآن لأسباب أمنية، لذلك أعد أن وجود مكتب إحصائي مركزي جديد يستخدم أحدث الطرق بمعايير عالمية أهم مسألة بعد انتهاء هذا الكابوس، وقد أفردنا له في المجموعة تقريرا مطولا خاصا به، وهي متعلقة بحكمة الحكومة السورية الانتقالية القادمة التي ينبغي برأيي أن تكون حصراً من المهنيين التكنوقراط المستقلين بكل شفافية ومسؤولية ورشادة، وليس محاصصة بين أطراف دولية أو حزبية سورية، وتخفيف تكاليف إعادة الإعمار منوط أيضاً بحكمة رعاة الحل السياسي، لأنه إذا كان الحل هو تقاسم كعكة إعادة الإعمار بغض النظر عن مصلحة الشعب السوري فستكون التكاليف كارثية، وقد قدرت الأسكوا- الأمم المتحدة تكاليف بناء المساكن بحوالي 700 مليار ليرة سورية، بمعنى أقل من ملياري دولار وهذا الرقم منخفض جداً.
-ما هي أكثر المدن المتضررة؟
حسب دراسة الأسكوا –الأمم المتحدة الأخيرة تعد حلب وريفها أكثر المدن المتضررة على الإطلاق، وخاصة بعد التدخل الروسي في سبتمبر 2015 واتباع سياسة الأرض المحروقة في حلب الشرقية خاصة، حيث دمر ما يقرب من نصف منازلها وتقدر بـ 424 ألف منزل مدمّر كلياً او جزئياً، تلتها ريف دمشق بدمار نصف منازلها أيضاً، والتي قدرت بـ 303 آلاف منزل، واحتلت حمص بحسب الدراسة المرتبة الثالثة في دمار المنازل بحوالي 200 ألف منزل مدمر. ثم جاءت إدلب في المرتبة الرابعة بحوالي 156 ألف منزل مدمر، ثم جاءت محافظة درعا في المرتبة الخامسة بتدمير حوالي 105 آلاف منزل، ولكن هذا الدمار لا يتضمن الأضرار السامة للقذائف على خصوبة الأرض والتي ستؤثر على الزراعة السورية لسنوات، وكذلك الأضرار على البنية التحتية من ماء وكهرباء وطرق ومدارس ومشافٍ وغيره من المرافق المهمة لتأمين حياة لائقة.
*طرق لا تكلف المواطن السوري دفع أي تكلفة
-في حال إعادة الإعمار ما هي الآليات وكيف تنعكس على مواطن سوري تهدم بيته؟
الآليات والسياسات التي ينبغي اتباعها هي في عهدة حكومة التكنوقراط السورية القادمة بما تمتلك من رؤية استشرافية بأعلى المعايير العالمية والحكم الرشيد، واستغلال هذا الظرف البائس لتلمس الأمل في إعادة تخطيط المدن السورية بأعلى درجات المهنية، بحيث تبدأ سوريا طريقها نحو بناء مدن عصرية صحية ومتصالحة مع البيئة مستخدمةً الطاقة البديلة، مستفيدة من تجارب العالم في هذا المجال. إن هنالك طرقا إبداعية تستطيع من خلالها الحكومة العتيدة القادمة عدم تكليف المواطن السوري أي تكاليف من خلال علاقاتها العالمية وخبراتها وذلك بشرط توفر الحد الأدنى من الأمن المقبول الذي يستطيع اجتذاب رؤوس الأموال السورية والعربية والعالمية، لأنه بطبيعة الحال لن تستطيع الحكومة إقناع مستثمر سوري أو غير سوري بالاستثمار في مجال الإسكان دون أن يأمن على نفسه وماله واستثماره، ويمكن خلال 5-7 سنوات الانتهاء من مشكلة إسكان كل النازحين والمهجرين في بيوت حضارية تعوضهم بعضاً مما لاقوه من عذابات، وهذا أقل ما تقدمه الحكومة القادمة للشعب السوري.
-تعلم حجم الدمار في حلب بتقديرك كم يكلف إعادة حلب على ما كانت عليه؟
الدمار كلمة ينضوي تحتها الإسكان والبنية التحتية والصناعة والفاقد البشري من عمال وفلاحين ومهنيين وموظفين، فإعادة تفعيل المنطقة الصناعية في منطقة “الشيخ نجار” وأكثر من 15 منطقة صناعية أخرى في حلب مهم بأهمية إعادة المساكن لأنها تخلق فرص عمل، وتعيد الحياة للمدينة كي يعود لها أهلها الذين خسروا الكثير، ولكن تدمير حوالي نصف مليون منزل في حلب قد يحتاج ما لا يقل عن خمسة مليارات دولار من أجل إعادة إسكانهم في بيوت حضارية محترمة، وليس سكناً عشوائيا كما كان عليه حال حوالي نصف مساكن سوريا، والذي قد يستغرق في المتوسط خمس سنوات.