د.أسامة قاضي: الاقتصاد السوريّ دخل غرفة الإنعاش.. والليرة السورية في حالةٍ غيبوبةٍ تعيش على “منفسة” البنك المركزيّ و”الصدمات الكهربائية”
مجلة صوَر تحاور الدكتور قاضي ليضعنا في صورةٍ بانوراميةٍ للاقتصاد السوريّ بعد خمس سنواتٍ من الحرب، ورؤيته الاستشرافية… فكان الآتي:
حاورته: رنيم سالم
أكاديميٌّ مستقلٌّ لم ينتسب إلى أيّ حزبٍ سياسيّ. مشرفٌ على الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة في أكثر من 10 قطاعاتٍ اقتصاديةٍ حيويةٍ. أسهم عام 2007 في الدراسة الاستشرافية مع البرنامج الإنمائيّ للأمم المتحدة، وتنبأ وقتذاك بأن سوريا عام 2025 ستكون مثل مصر عام 2005 بكلّ مؤشرات الفقر والفوارق الطبقية الهائلة بين الغنى والفقر وانتشار الجريمة والفساد وتعطل عجلة التنمية الاقتصادية.
معروفٌ برؤيته الاقتصادية الليبرالية الممزوجة بدورٍ للحكومات في حماية الطبقات الأقلّ حظاً. ترأس كلّ الوفود الرسمية في المؤتمرات الاقتصادية الخاصّة بالحراك السوريّ في برلين وأبو ظبي ودبي. وهو رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا، والتي تعدّ الشريك الاقتصاديّ الوحيد مع مجموعة أصدقاء الشعب السوريّ المعنيّ بإعادة إعمار سوريا، بقيادة دولة الإمارات العربية الشقيقة وألمانيا.
خلقت الحرب نماذج اقتصاديةً جديدة؛ كيف تقرأ النموذج الاقتصاديّ السوريّ في ظلّ الحرب؟
في ظلّ الحروب التي تخوضها الدول ضد عدوٍّ خارجيٍّ تصبح الإدارة الاقتصادية أكثر مركزيةً، وتقوم الحكومة بتوجيه معظم مواردها الاقتصادية والبشرية إلى دعم آلة الحرب العسكرية من أجل تحقيق انتصارٍ وطنيّ، وعندها يصحّ أن يسمّى ذلك النموذج بـ”اقتصاد الحرب”. لكن في واقع الأزمة السورية فإن الموارد توجّهت لمحاربة الشعب وتدمير موارد الوطن نفسه، واتبع النظام السوريّ سياسة الأرض المحروقة، وتبع ذلك فقدانه السيطرة على كثيرٍ من الأراضي السورية. إن هذا النموذج التدميريّ الذاتيّ من قبل الحكومة دفع إلى تفكك الاقتصاد السوريّ وخروجه عن نطاق أيّ سيطرةٍ للإدارة المركزية، بحيث بات معظم الوزراء بمثابة وزراء بلا حقيبة. فماذا يفعل وزير النفط أمام خروج أكثر من 95% من حقول النفط خارج سيطرته؟ أو ما الذي يقوم به وزير المالية والاقتصاد من مهامٍّ أمام خروج كل المعابر، اللهم إلا معبرٍ واحد، وخروج أكثر من ثلثي سوريا من سيطرة الحكومة المركزية وعدم إمكانية جباية أيّ رسومٍ أو ضرائب منهم؟
واقع الأمر أن النموذج السوريّ بات فريداً في سمته التفكيكية اللامركزية الاقتصادية والإدارية، إذ انتقل من واقع “الاقتصاد السوريّ” إلى واقع “اقتصاد النواحي السورية”، وهو أخطر النماذج. ما سيجعل مهمة أيّ حكومةٍ انتقاليةٍ قادمةٍ، في ظلّ أيّ حلٍّ سياسيٍّ أو غير سياسيّ، غايةً في الصعوبة، فقد باتت معظم النواحي والمناطق السورية بمثابة جزرٍ منفصلةٍ غير مرتبطةٍ عضوياً بأيّ إدارةٍ مركزية. وقد قمنا في مجموعة عمل اقتصاد سوريا بعشر دراساتٍ حول المشهد الاقتصاديّ السوريّ من أجل فهم طبيعة الإدارة اللامركزية الحالية في أكثر من ناحيةٍ ومنطقة، من مثل إعزاز وسلقين وأرمناز والطبقة وغيرها.
كيف تقيّم تجربة المجالس المحلية في ظلّ الحرب؟
أعتقد أن تجربة المجالس المحلية المنتخبة في المناطق خارج سيطرة النظام نقطةٌ مضيئةٌ في الحراك السوريّ. ورغم أن البعض أراد تشويهها من خلال فرض ممثلين لهم في مؤسّسات المعارضة من خارج تلك المجالس، إلا أن هذا لا يمسّ بأصل التجربة الوطنية الرائدة في تشكيل المجالس بأكثر ما يمكن توافره من أجواء الحريات وآليات الديمقراطية ضمن صعوبة الظرف القاسي. وقد تشرّفت بالإشراف على أوّل انتخاباتٍ ديمقراطيةٍ لمجلس مدينة حلب في آذار/مارس 2013 في غازي عنتاب. وكانت حدثاً مدنياً بامتياز. وحضرت حتى الفصائل العسكرية الموجودة وقبلت بالأنظمة الداخلية الخاصّة بالانتخابات وتعهدت بمساعدة تلك المجالس.
استخدمت فئات الصراع في سوريا “لقمة العيش” لمحاصرة بعضها وفرض شروطها؛ ما تأثير هذا النوع من الحرب على انحراف مسارات المعيشة وتدهورها وتشويه الاقتصاد؟
للأسف، تدوس قسوة الحرب كلّ القيم الإنسانية الأصيلة. قام النظام بحصار السكان، ابتداءً من منع الحليب عن أطفال درعا عام 2011 في بداية الحراك السلميّ إلى حصار المناطق في ريف دمشق كوسيلةٍ لتجويع الشعب الذي طالب بحريته. ورغم أن بعض الثوّار فرضوا حصاراً على مدنٍ مثل نبّل والزهراء، كنوعٍ من التعامل بالمثل، من أجل فكّ الحصار عن أهلنا في محافظة ريف دمشق وغيرها، إلا أن أهلها لم يموتوا من الجوع كما هو حال سكان المعضّمية وداريا والغوطة ومخيّم اليرموك… هذا الفعل اللاإنسانيّ الذي انتهجه النظام، وقابله بعض الثوّار بممارساتٍ مماثلةٍ بدرجةٍ أقلّ، شوّه ما تبقى من اقتصادٍ سوريٍّ مدمّر، وأمعن في زيادة معاناة السوريين الذين مات بعضهم من الجوع في المناطق التي حاصرها النظام، الأمر الذي لم يحدث منذ قرونٍ في تاريخ بلاد الشام.
انخفضت قيمة العملة السورية في عام 2015، وخسرت نحو 82% من قيمتها رغم ضخّ البنك المركزي ملايين الدولارات عقب كلّ جلسة تدخل؛ ما السبب وراء هذا الانخفاض المتتالي في سعر الصرف؟
سعر أيّ عملةٍ تحدّده قيمة السلع والخدمات التي ينتجها اقتصاد ذلك البلد، وليس الغطاء الذهبيّ للعملة كما يظن البعض. ودور كمية الاحتياطيّ، من عملاتٍ صعبةٍ أو ذهبٍ، هو زيادة ملاءة الدولة الائتمانية لو أرادت الاقتراض لتنمية اقتصادها، وجعلها أكثر مقاومةً لضغوطٍ اقتصاديةٍ مفاجئةٍ كهبوط أسعار النفط من 110 دولاراتٍ إلى 37 دولاراً، الأمر الذي يحدث الآن.
مشكلة سوريا أن شللاً جزئياً أو كلياً أصاب، بشكلٍ متفاوتٍ، كلّ القطاعات الاقتصادية على المستوى الوطنيّ. فقد خرجت السلة الغذائية من يد الحكومة المركزية، وكذلك خرجت تقريباً كلّ ثروات البلاد النفطية والغازية، وتقريباً كلّ معابرها التي تدرّ دخلاً لا يستهان به، وتضبط به مستورداتها وصادراتها. دخل الاقتصاد السوريّ في حالةٍ تفكيكيةٍ فوضويةٍ عبثية، فانتهى به الأمر إلى العودة إلى اقتصاد النواحي والمناطق، وحتى إلى مرحلة الاقتصاد العائليّ البدائيّ، بهدف أن يبقى الناس على قيد الحياة.
فإذا أخذنا في الاعتبار الصورة التراجيدية البائسة التي ذكرتُ آنفاً يبقى معها كلّ جهدٍ لدعم الليرة جهداً مهمته مساعدة الاقتصاد السوريّ الذي دخل غرفة الإنعاش، وصارت الليرة في حالةٍ غيبوبةٍ تعيش على “منفسة” البنك المركزيّ وعلى “الصدمات الكهربائية” عن طريق ضخّ ملايين الدولارات في كلّ مرّةٍ لمجموعةٍ من الصرّافين، غالبيتهم محسوبون على أشخاصٍ مقرّبين من النظام، كي يحققوا أعلى فائدةٍ حتى في هذا الظرف القاسي، ليحوّلوا مليارات الليرات -من شركات الخليويّ مثلاً- إلى عملةٍ صعبةٍ يمكن تهريبها وتخزينها. ثم يقوم المصرف المركزيّ بتعويم العملة لفترةٍ بسيطة، ويُلزم الصرّافين ببيعها بسعرٍ ثابتٍ، ويُلقى القبض على بعض الصرّافين ويوضعون في السجون لعدم التزامهم بهذا السعر. ثم يعود حاكم المصرف المركزيّ ليضخ كميةً جديدة، متجاهلاً أن اقتصاداً انخفض إنتاجه النفطيّ من 340 ألف برميلٍ إلى 9000 برميل، ومعدّلات نموّه سالبة، وانخفضت كمية إنتاجه من السلع والخدمات إلى أقلّ من الربع؛ لا يمكن أن تقوم له قائمة، وأن أصل مشكلة انخفاض العملة واستمرارها هو وجود هذا النظام، وأيّ مسكناتٍ وعلاجاتٍ ستكون مؤقتةً وغير مجدية.
كيف ترى تأثير المهاجرين على سعر الصرف؟ هل يمكن اتهامهم بهذا التدهور الذي طرأ على الليرة السورية؟
حاول النظام كعادته تعليق أخطائه على مشجب الشعب المسكين، فاتهم بعض مسؤولي النظام المهاجرين بالتسبّب في انخفاض العملة، متناسياً أن سياسة الأرض المحروقة والتجويع هي التي هجّرت أكثر من 15 مليوناً في الداخل والخارج. لا يعتقد النظام أن براميل المتفجرات، وصواريخه الفراغية، وأسلحته الكيميائية، وقتل عشرات الألوف من البشر في أقبية التعذيب؛ هي السبب الرئيسيّ في وجود ملايين اللاجئين في الأردن ولبنان وتركيا، وكأن هؤلاء خرجوا سياحة! بل لمّح إلى اتهامهم بالإرهاب والخيانة الوطنية! وهذا إنكار المسبّب الرئيسيّ في تدهور سعر الليرة وخروج التجار والصناعيين إلى مناطق أكثر أمناً.
يذكّرني منطق النظام السوريّ المريض في لوم الشعب دائماً بدراسةٍ أجريتها لصالح وزارة المواصلات عام 2005 عن سلامة الطرق في سوريا، لأن اللوم كان يعزو أيّ حادث سيرٍ إلى “سرعة السائق”! بمعنى أن المشكلة هي المواطن المسكين وليس الحكومة. فلما أجرينا دراسةً على أفضل طريقٍ في سوريا عام 2005، وهو أوتستراد حلب-دمشق “مفخرة أوتسترادات سوريا”، وجدنا فيه أكثر من أربعين خطأً قاتلاً. وطبعاً لم نجرِ البحث على طريق حلب-الرقة الذي كان السائقون آنئذٍ يسمّونه طريق الموت! ولا على طلوع التنايا!… قدّمنا الدراسة للوزارة وللمعنيين فبقيت حبيسة الأدراج واستمرّت الحوادث الطرقية. قارب عدد حوادث السير في سوريا رقماً مذهلاً، إذ وصل بين 2006 و2010، حسب الأرقام الرسمية، إلى أكثر من 142 ألف حادث. ترى هل كلها سببها سرعة السائق؟ توفي في تلك الحوادث المرعبة أكثر من 12500 سوريٍّ على الطرقات، وجرح أكثر من 75500 (هذا قبل الثورة!!)… كتبت مقالةً في عام 2005 بهذا الخصوص، وتساءلت حينها ترى ألا يستحق هذا الكمّ الهائل من الوفيات والجرحى إعادة النظر في السلامة الطرقية بشكلٍ حقيقيٍّ بعيداً عن الفساد والإهمال ولوم المواطن؟ إن هذا العدد من الوفيات والجرحى أكثر من عدد شهداء وجرحى السوريين في كلّ المعارك التي خاضتها سوريا، ثم قلت: “ليتنا نصلح الطرقات وندّخر شعبنا الذي يموت على الطرقات… من أجل تحرير الجولان!”.
في حال أردنا المفاضلة بين مناطق النظام والمعارضة والإدارة الذاتية وداعش؛ أيٌّ هي التجارب الاقتصادية الأفضل ضمن هذه المناطق خلال سني الحرب؟
كانت المجالس المحلية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام -قبل البدء بحملة رمي البراميل الهمجية- من أنجح التجارب نسبياً ضمن الظروف القاسية وضعف الدعم. فقد كان السوريون من المناطق التي تحت سيطرة النظام يذهبون ليتسوّقوا في المناطق الخارجة عن سيطرته، لتوافر السلع ولرخصها. ولكن رُميت عشرات الألوف من البراميل كي لا تكون هناك حاضنةٌ اجتماعيةٌ لتجربة التحرّر من ربقة النظام، بينما لم تُرمَ أيّ براميل فوق مناطق داعش، ضمن اتفاقيةٍ سُرّبت فيما بعد بين التنظيم والنظام يتمّ بموجبها تأمين ما يحتاجه الأخير من قمحٍ ونفطٍ وسواهما من مناطق التنظيم مقابل عدم رميه ببراميل متفجّرة. بل لا زال النظام يدفع رواتب موظفي تلك المناطق (الباب ومنبج مثالاً) حتى للمدرّسين الذين يقومون بالتدريس في مدارس غيّر داعش مناهجها، وذلك بقصد خلق حاضنةٍ اجتماعيةٍ للتنظيم، لإخافة العالم من وجود الإرهاب في سوريا لمظنّة أن البديل هو النظام. على كلٍّ هناك حياةٌ ونشاطٌ اقتصاديٌّ محليٌّ مقبولٌ ضمن ظرف الحرب. وقد أشرنا في تقاريرنا المعنونة “المشهد الاقتصاديّ” إلى الوضع الاقتصاديّ والإداريّ في مناطق كثيرةٍ في سوريا، تدل على عظمة الشعب السوريّ الأسطوريّ الذي ينتج ويبدع ليثبت مهنيته وعشقه للإنتاج.
ألا تعتقد أن نظام الأسد ومؤسّساته الاقتصادية صمدت فعلاً بفعل الدعم الإيرانيّ الروسيّ عبر الخطوط الائتمانية والضخّ المباشر في بنوك المصرف المركزيّ؟ وكيف ستسدّد سوريا فاتورة دينها لهاتين الدولتين؟
صمدت مؤسّسات النظام السوريّ فعلاً بفضل الدعم الكبير لحلفائه. ولكن ما فعلته هو إطالة عمر النظام، ولن تستطيع أن تحول دون انهيار الاقتصاد السوريّ، بدليل انهيار العملة من 50 ليرةً إلى 400 ليرةٍ للدولار الأمريكيّ، وخروج ثلثي سوريا خارج سيطرة النظام، وشلل الاقتصاد. وإن ما يرتّبه النظام من ديونٍ رسميةٍ سيوجد إشكاليةً قانونيةً في وجه الحكومة الانتقالية رغم إنكار الديون التي وضعها النظام السوريّ على كاهل الشعب منذ آذار/مارس 2011. لكن هذا، على الأغلب، سيُحلّ بطريقةٍ سياسيةٍ ودبلوماسيةٍ بعد انقضاء هذه المرحلة الحرجة من تاريخ سوريا.
قدّرت آخر دراسةٍ بحثيةٍ خسائر الاقتصاد السوريّ بـ250 مليار دولار، واعتبرت التجارة هي القطاع الأكثر تضرّراً من الحرب؛ ما تقديراتكم في مجموعة اقتصاد سوريا لخسائر الاقتصاد؟ وأيٌّ هي القطاعات الأكثر تضرّراً؟
الحقيقة إن أرقام الخسائر تتجاوز الـ200 مليار دولار. نحن أمام اقتصادٍ أصابه الشلل منذ أكثر من أربع سنين. فقد خرجت كلّ حقول النفط خارج سيطرة النظام ووزارة النفط السورية، وانخفض إنتاجه من 340 ألف برميلٍ يومياً إلى 9000 برميل، وخرجت المحافظات الشمالية الشرقية خارج حدود سيطرة النظام فخرجت معها السلة الغذائية، بمعنى القمح والشعير. وإذا أضفنا خروج معظم ريفي حلب وإدلب فهذا يعني كذلك خروج محاصيل القمح والقطن والشعير والزيتون وغيرها خارج سيطرة وزارة الزراعة التابعة للنظام، وخسارة المالية كلّ الدخل التي كان يمكن أن تدرّه الزراعة على الخزينة. لقد قام النظام برمي ألوف البراميل المتفجرة والصواريخ والقنابل بكلّ أنواعها بحيث تمّ تدمير عشرات ألوف المباني والمدارس والمساجد والمشافي والمصانع وغيرها، إضافةً إلى تدمير الطرق والجسور والبنية التحتية لأكثر من ثماني
محافظاتٍ مع أريافها. والآن، مع القصف الروسيّ الوحشيّ على المدنيين، أعتقد أن الخسائر تجاوزت الـ400 مليار دولار.
حدثنا أخيراً عن سيناريوهات الاقتصاد السوريّ في الفترة المقبلة، وهل يمكن أن تكون تجربة الاقتصاد الفيدراليّ مجديةً في هذا الصدد؟
لقد نشرنا في مجموعة عمل اقتصاد سوريا الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة عبر 14 أربعة عشر تقريراً اقتصادياً في أهمّ القطاعات الاقتصادية (الإسكان، الكهرباء، المياه، النفط، القطاع الصناعيّ، التشريعات الاقتصادية والمالية، القطاع العام، المواصلات….) عن رؤية ما يجب أن تقوم به الحكومة الانتقالية فور بدء المرحلة الانتقالية عبر ثلاث خططٍ (إسعافيةٍ في الأشهر الستة الأولى، ومتوسطةٍ في أول سنتين، وطويلة الأمد في خمس سنين). أمام أيّ حكومةٍ انتقاليةٍ بعد الأسد مهامٌّ جسامٌ أرجو أن تتاح لها الإمكانيات المادية الدولية اللازمة، فضلاً عن ضرورة تضافر جهود رجال الأعمال السوريين، ووقوف الشعب السوريّ وراءها ومساندتها والصبر عليها، بسبب شدة عظم الكارثة التي حلت بسوريا والمهام الثقيلة على عاتق الحكومة.
أما فكرة اللامركزية الإدارية فهي فكرةٌ مقبولةٌ من معظم السوريين، وقد ذُكِرت في أكثر من مكانٍ في وثائق الكثير من مراكز الدراسات (من مثل: خطة التحول الديمقراطي عن المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية) وكذلك تبنتها الكثير من جهات المعارضة السياسية. ولا تعني بالضرورة فيدراليةً، وبالطبع لا علاقة لها بأيّ أوهامٍ انفصاليةٍ مرفوضة، لكنها تتيح لأهل كلّ محافظةٍ اختيار مرشحهم كرئيسٍ للبلدية أو كمحافظ، وتتيح توزيعاً حقيقياً للثروة الوطنية، وتقدّم بوضوحٍ حاجات تلك المحافظة وتظهر طاقاتها الكامنة. وأعتقد أنها ستكون تجربةً فيها الكثير من عوامل النجاح التي تُشجّع على تبنيها. والحقيقة إن أهمّ ما يجب التأكيد عليه هو ضرورة تمسك الشعب السوريّ بتشكيل حكومةٍ وطنيةٍ مهنيةٍ من التكنوقراط بعيداً عن أيّ محاصصاتٍ كريهةٍ من أيّ نوع