اقتصاد – مال وأعمال السوريين .
إحدى التساؤلات التي تطرح نفسها على المراقب، أثناء رصد ما يظهر أنه دعم مالي واقتصادي إيراني حثيث للنظام السوري، في الآونة الأخيرة، هي: لماذا تغامر إيران بأموالها واستثماراتها مع نظام مُترنح ومعرض للانهيار؟
ذهبنا بأسئلتنا المتفرعة عن التساؤل الرئيس، إلى د. أسامة قاضي، الخبير الاقتصادي، ورئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، التي عكفت خلال السنوات القليلة الماضية على رصد الواقع الاقتصادي في البلاد، وآفاقه المستقبلية.
ويرى قاضي أن الاتفاقيات الاقتصادية الموقّعة مؤخراً بين النظام وطهران هي اتفاقيات ذات مضمون سياسي وإعلامي، أكثر منه عملي، وفي حدودها القصوى، غايتها تمويل ودعم النظام كي يبقى قادراً على الاستمرار في حربه ضد شعبه، وليس تأمين مستقبل استثماري آمن لإيران في سوريا.
ويعتقد قاضي أن إيران ستتخلى عن الأسد حالما تجد إرادة دولية جادة لإزاحته.
هذه الإرادة الدولية لا يتوقع الخبير الاقتصادي توافرها قبل مطلع العام 2017. ذلك في حال لم ينهَر النظام تحت ضغط المعارضة دون الحاجة لتدخل دولي جاد.
ويختم قاضي بأن الحل الأمثل لضمان استثمارات إيران بسوريا، هو تمرير حل سياسي لتقسيم البلاد، وهو أمر غير مقبول إقليمياً، ويصعب تسويقه دولياً.
نص الحوار كاملاً:
• ألا يخشى الإيرانيون أن يخسروا استثماراتهم الضخمة مع النظام، في حال تقدمت المعارضة وشكلت تهديداً جدياً للنظام بدمشق؟
أعتقد أن الحكومة الإيرانية متورطة في مراهنتها على حصان فاشل، ولم يعد أمامها سوى أن تخفف من خسائرها في حال استمرت سلسلة الخسائر العسكرية والسياسية والاقتصادية للنظام، وخاصة ضمن أجواء تفاهمات روسية أمريكية وعاصفة حسم ربما تكون قريبة، وكذلك درءاً لاحتمال سقوط مفاجئ للنظام الذي يبدو يوماً بعد يوم أكثر هشاشة من الداخل.
هذه الاتفاقيات تحمل مضمونا سياسيا وإعلاميا أكثر منه عملي، فما معنى توقيع اتفاقيات في مجالات الاستثمار والكهرباء والنفط، أين سيستثمر الإيرانيون؟، قطعاً ليس في أية محافظة في الشمال من المحافظات الستة، ومن المؤكد لن يستثمروا في القنيطرة ولا درعا ولا في ريف دمشق حيث يسيطر الثوار على مساحات شاسعة فيها، فضلاً عن عدم وجود الحد الأدنى من الأمان في المحافظات التسعة المذكورة، فهي مناطق حرب بالمعنى العملي على الأقل.
كذلك سيفكرون ألف مرة قبل أن يستثمروا في حمص خاصة بعد أن بات تنظيم “الدولة الإسلامية” يسيطر على تدمر، فضلاً عن أن مناطق ريف حمص لا زالت مشتعلة، وآخرها وقوع حقل الهيل في يد التنظيم.
ربما يفكر الإيرانيون في الاستثمار في طرطوس واللاذقية والسويداء بدرجة أقل، والضامن الوحيد لبقاء استثماراتهم –إن وجدت– هو أن يكون الحل السياسي عن طريق تقسيم سوريا، عندها فقط يمكن للنظام أن يتمترس في الساحل ويحمي تلك الاستثمارات، ولكن جبهة اللاذقية والزبداني وجبل التركمان تشتعل بين الفينة والأخرى مهددةً هذا الحل بالفشل.
واقع الحال أن الإيرانيين لايستطيعون الاستثمار في النفط لأن أكثر من 90 بالمائة من أصل 67 بئر نفط لا يوجد سوى أربعة تحت سيطرة النظام، وهي آيلة للسقوط بشكل كبير. ربما يستثمرون قليلاً في مسألة الغاز لأن النظام يسيطر على 13 حقل غاز من أصل 19 حقلاً. وكذلك لا معنى للاستثمار في الكهرباء، فمن أصل 95 شبكة فرعية للكهرباء يسيطر النظام على 52 منها، ومن أصل 16 محطة توليد يسيطر النظام على عشرة منها.
ربما الفائدة المتوقعة للنظام هو أن تكون تلك الاستثمارات بمثابة خط ائتمان يستطيع النظام استخدامه في غير هدفه الأصلي، وتفيده في تمويل حربه ضد الشعب المسكين.
• في حال صح ما يُشاع حول حجم الهيمنة الإيرانية على صنع القرار بدمشق، بعد إزاحة شخصيات أمنية كبيرة…فهل يعني ذلك أن إيران مستعدة للدفاع حتى النهاية عما استثمرته في دمشق وفي باقي المناطق السورية؟
ستظل إيران تدافع عن النظام لأسباب آيديولوجية وطائفية أكثر منها مالية، إلى أن تدرك أن هناك إرادة دولية بإزاحة النظام ورجاله عن الحكم، عندها ستتخلى هي وروسيا عن الأسد، وتحاول خطب ود الحكومة القادمة، ولكن لا أعتقد أن الإرادة الدولية ممكن أن تظهر بوضوح إلا بعد شهرين على الأقل من خروج أوباما من البيت الأبيض أواخر سنة 2016.
من الطبيعي أن الحكومة القادمة بعد انتهاء الأزمة لن تعترف بالديون الإيرانية على اعتبارها من الدول التي تصنف عالمياً أنها راعية للإرهاب وتعاملت مع نظام مشابه، فهي بحكم الساقط عدالته أصلاً، واللجوء للمحاكم الدولية لن يوصلها لاسترداد ماخسرته في استثمارها الأرعن مع نظام يقتل شعبه بطريقة غير مسبوقة في تاريخ البشرية.
• كيف تفسر إصرار الإيرانيين على دفع المزيد من المال فيما يظهر للمراقب من بعيد أنها مغامرة؟…هل تعتقد أن لديهم ضمانات دولية بعدم سقوط نظام الأسد بالطرق العسكرية؟
إن التفاهم النووي الإيراني الأمريكي الذي قد تعول عليه إيران، اتفاقٌ ولد ميتاً وليس له أي مستقبل، وخاصة ضمن معارضة الجمهوريين المهيمنين على الكونغرس، ومجلس الشيوخ الأمريكي، والذي سيكون منهم الرئيس القادم على الأغلب في أيلول 2016، إضافةً لمعارضة المنطقة ودول الخليج وتركيا لهذه الاتفاقية، فضلاً عن أن الاتفاقية تتضمن لجنة تفتيش ستستغرق سنين قبل التأكد من ضمان صحة التعاون الإيراني على الطريقة العراقية، لذا أعتقد أنه لا توجد للإيرانيين أي ضمانات، والضامن الوحيد المتبقي للإيرانيين هو تمرير حل سياسي لتقسيم سوريا، الأمر غير المقبول إقليمياً، ويصعب تسويقه دولياً، وماعدا ذلك فإن السياسة الإيرانية الخارجية الفاشلة ستجعل الحكومات الإيرانية القادمة تدفع ثمنه اقتصادياً وسياسياً لعقود قادمة، على حساب تدني المستوى المعيشي للشعب الإيراني، واقتصاده الذي يعيش بين فكي البطالة والتضخم.