العرب , دمشق .
قالت الحكومة المؤقته للمعارضة إن الحرب قد تكون كلفت سوريا نحو 300 مليار دولار، بعدما دمّرت البنية التحتية الصناعية والزراعية والاستثمارية فضلاً عن تدمير بنيتها العسكرية، ومقتل مئات الآلاف وتهجير أكثر من ثلث الشعب السوري.
يرى مراقبون أن سوريا قد لا تتمكن من استعادة دورها في المنطقة وإعادة بناء ما دمرته الحرب والوصول لمعايير الدولة الحديثة، حتى لو انتهت الحرب وعاد الأمن وتدفقت الاستثمارات ودارت عجلة التنمية.
لكن أسامة قاضي، مساعد رئيس الحكومة السورية المؤقتة للشؤون الاقتصادية، لا يبدو متشائما، وهو يربط إمكانية نهوض سوريا بوجود إدارة مهنية وإرادة دولية لمساعدة سورية.
وقال قاضي، الرئيس التنفيذي لوحدة تنسيق الدعم الإغاثي للائتلاف الوطني لقوى المعارضة، في تصريح لـ “العرب” إن استعادة مكانة سوريا السياسية والاقتصادية، رهنٌ بوحدة أراضيها وبسط الأمن وسيادة القانون والفصل بين السلطات كي لا تتغول سلطة على أخرى.
كما يربطها بوجود إدارة مهنية احترافية للبلاد ذات رؤية استراتيجية تؤمن بالشراكات مع العالم ولا تفتعل الأزمات، ويؤكد أن ذلك سيختصر الزمن لإعادة إعمار البلاد.
وشدد قاضي والذي يترأس أيضاً “مجموعة عمل اقتصاد سورية، التي أعدّت “الخارطة الاقتصادية لسورية المستقبل” أن على الحكومة الأولى بعد انتهاء الأزمة أن تكون بعيدة عن المحاصصة المميتة للنشاط الاقتصادي، ولابد من وجود رجال دولة حقيقيين لإدارة مؤسسات الدولة بعيدا عن أية اعتبارات أخرى.
تفاؤل مشروط
وأكد على أهمية وجود إرادة دولية وعربية بمساعدة سوريا لاسترداد عافيتها، وتبني خطة شبيهة بخطة مارشال وهو ما لا يمكن تحقيقه دون كفاءات وطنية مهنية يمكن للعالم بناء الثقة معها.
وعبر عن ثقته بأن سرعة استرداد عافيتها الاقتصادية وتتحقق المعجزة الاقتصادية السورية سيُبهر العالم، مثلما تحققت المعجزة الألمانية عقب الحرب العالمية الثانية.
وقال قاضي المستقل سياسيا والذي سبق أن اعتذر عن رئاسة الحكومة المؤقتة مرتين، إن “رواسب الاحتقان الطائفي والإثني يمكن أن تدمر فرص التنمية الاقتصادية وإعادة إعمار سوريا. ويؤكد وجوب تفعيل برامج السلم الأهلي وتعميم ثقافة العدالة الانتقالية وتطبيقها ونشر المشاريع الاقتصادية في أماكن التوتر لترميم النسيج الاجتماعي.
وأدت الحرب إلى تدمير الاقتصاد السوري وتوقف الإنتاج الزراعي وانهيار الصناعة واحتضار السياحة والنقل وفقدان الدولة السورية لمعظم مصادر دخلها .
ويرى قاضي، الذي يرأس المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية في واشنطن الذي أطلق تقرير “خطة التحول الديمقراطي” إن التصورات الاقتصادية التي ضمتها التقارير الاقتصادية العشرة التي نشرناها هي خطط عملية تركز على الشراكة مع العالم وتخلق فرص عمل للكوادر الوطنية.
وأضاف أن المشاريع المقترحة تحتاج لتمويل وطني من خلال الضرائب والاقتراض المحلي لتمويل بالعجز، شريطة أن تُدار بعقلية مهنية منفتحة على العالم. وتابع أن المشاريع لا تحتاج بالضرورة لتمويل أجنبي، بل تحتاج أكثر لثقة السوريين والعالم بالإدارة الوطنية، وأن التمويل سيكون متاحا إذا توفرت الثقة بالأداء.
وأقر بأن هناك قطاعات يصعب النهوض بها في السنوات الأولى بعد انتهاء الأزمة من مثل القطاعين السياحي والصناعي. وتوقع أن يعود النشاط الصناعي تدريجياً ليصل إلى 50 بالمئة في السنوات الخمس الأولى، شرط فرض الأمن وإيجاد حوافز للصناعيين السوريين لإغرائهم باستئناف انشطتهم وتوفير فرص لخفض البطالة.
وقال إن استعادة القطاع الصناعي لعافيته قد تستغرق 10 سنوات وهو يحتاج إلى الشفافية ومكافحة البيروقراطية ورفع كفاءة العمال، وتوفير الحوافز الضريبية وخطوط الائتمان المالي لتخفيف المخاطرة على المصنع السوري.
وتابع أن القطاعات العقارية والزراعية والنفطية والصحية ستكون من أوائل القطاعات التي ستنشط عقب الأزمة وأن إنعاشها ليس صعباً على الإطلاق. وأكد أن الشراكات مع العالم وتبني أساليب الحكم الرشيد بمعايير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة يمكن أن تنعش الاقتصاد، إذا تمت إدارتها بأيدي تكنوقراط سوريين وطنيين.
وقال إنه لا يتفق مع مقولة أن كل سنة حرب تحتاج 7 سنوات إعمار، وأنها “مقولة ليست مقدسة”. وأوضح أن “التراكم المعرفي والتقني الخاص بإعادة الإعمار إضافة للأدوات الاقتصادية المتوفرة عالمياً يمكن أن تختصر زمن إعادة الإعمار، شريطة توفر المناخ الملائم.
ورأى أن ظهور بوادر تعافي الاقتصاد السوري بنسبة تفوق 50 بالمئة، يمكن أن يستغرق 5 سنوات، شرط توفير الأمن وتخفيف الاحتقان الشعبي وسيادة العدالة الانتقالية في المراحل الأولية. وعبر عن تفاؤله بإمكانية استعادة عافية الاقتصاد السوري بنسبة تفوق 80 بالمئة خلال سنوات العشر التي تعقب انتهاء الأزمة.
وقال إن مفتاح الحل مرهونٌ بتسليم مقاليد إدارة البلاد لحكومة تكنوقراط محترفين بعيداً عن المحاصصات والتجاذبات السياسية والدينية والإثنية. وحذر من أن عدم توافق السوريين سيؤدي إلى عواقب كارثية، خاصة أن السنوات العشر الأوائل ستكون مخصصة لإعادة بناء وترميم ما تبقى من مؤسسات الدولة بعد الخراب الأسطوري لبنية الدولة السورية.
وأضاف أن الواقع الاقتصادي والسياسي والمجتمعي الهش بعد الأزمة لا يتحمل أية تجاذبات سياسية تزيد الأمر سوءاً، وعلى الشعب السوري أن ينتبه لهذا الأمر ولا يسمح به.
وتشير التقديرات إلى تدمير ما يصل إلى 2.5 مليون وحدة سكنية في سورية خلال الحرب، ولجوء ونزوح نحو ثلث سكان سورية، حيث يشكك المحللون بإمكانية عودة كل هؤلاء النازحين إلى بيوتهم.
ويقول قاضي مدرّس الاقتصاد في الجامعات الأمريكية وصاحب المؤلفات الاقتصادية إن أعداد المهجرين والنازحين بسبب الأزمة السورية يعد كارثة وطنية وإنسانية، لكن إعادة إسكان معظم السوريين من جديد وفي أبنية عصرية وحديثة ـ رغم التحديات الكبيرة ـ ممكن واقعياً خلال 5 سنوات.
ويضيف أنه من عقد شراكات مع المؤسسات العربية والعالمية العملاقة وما تبقى من شركات وطنية، إضافة الى الشركات السورية العاملة في الخارج والمتخصصة في البناء والتطوير العقاري، يمكنها تحقيق ذلك الهدف، إذا استطاع القائمون على إدارة البلاد تأمين الحد المقبول من الأمن والمناخ الاستثماري المقبولين.
وعن إمكانية إعادة بناء جيش وطني بعد الإنهاك والتدهور الذي اصاب الجيش السوري بإقحامه بهذه الحرب ودمار سلاحه وعقيدته القتالية، قال “إن وجود جيش وطني أمر ضروري وحيوي، وأن إنشاء جهاز أمن داخلي من الشرطة أمر في غاية الأهمية، وهو شرط لازم ولكن غير كاف لاستقدام المساعدات والشراكات وحتى الاستثمارات سواء الوطنية أو الأجنبية.
وأضاف أن “خارطة التحول الديمقراطي” التي أصدرها المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية طرحت خطة لإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية.
وأكد أنها وضعت توصيات الخبراء بشأن كيفية إعادة هيكلة أجهزة الدولة ليتم تشكيل جيش وطني من المتطوعين وهو الضامن الوحيد لحماية الوطن، وكذلك التأكيد على ضرورة اختصار الأجهزة الأمنية وضبطها من خلال وزارة الدفاع والداخلية، بحيث “لا تتغول في المجتمع″.