أي نظام اقتصادي ستعتمده سوريا الجديدة بعد سقوط نظام الاسد؟، سؤال مهمّ واساسي يجيب عنه بالتفصيل المستشار الاقتصادي الدولي الدكتور أسامة قاضي، مساعد رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية في الحكومة السورية المؤقتة ورئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا في الامارات العربية المتحدة، ورئيس المركز السوري للدراسات السياسية الاستراتيجية في واشنطن، وقد عمل العام 2007 مع البرنامج الانمائي للامم المتحدة وساهم في الجانب الاقتصادي لتقرير مستقبل سوريا عام 2025.
قاضي الذي يُعدّ الوجه الاقتصادي الابرز للمعارضة السورية، ومنظّر الخطاب الاقتصادي للثورة وصاحب فكرة «الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة«، يفصّل في هذه الحلقة رؤيته المدرجة في خطة «التحوّل الديموقراطي« لكيفية تحويل سوريا الى اقتصاد السوق الحر وتحفيز القطاع الخاص بالتزامن مع إصلاح القطاع العام، وكيفية محاربة روح الاحتكار والفساد وإصلاح القطاع المصرفي والبنى التحتية وإعادة هيكلة القطاع العام. ويتحدث عن أفكار وخطط وورش عمل للسنوات الخمس الاولى بعد سقوط النظام وتأمين فرص عمل.
يتحدث الخبير قاضي عن النظام الاقتصادي الذي سيتمّ اللجوء إليه بعد سقوط النظام فيقول «إن بوصلة الثورة الاقتصادية واضحة منذ أن وضعنا الخطاب الاقتصادي للثورة بعد شهرين من بدء ثورة الحرية والكرامة السورية، وأكدنا عليها في البيان الاقتصادي الذي ألقيته شخصياً على مسامع 59 دولة في مؤتمر أبو ظبي لمجموعة «أصدقاء الشعب السوري« المعنية بإعادة إعمار سوريا وتنميتها في 24 أيار 2012، وفصّلنا الرؤية في خطة «التحول الديمقراطي« التي أصدرها المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية والتي أعلنّا عنها في 21 آب 2013، والذي يعتمد على اربعة أسس: أولا، دعم اقتصاد السوق الحر وتحفيز القطاع الخاص المسؤول الاول عن خلق فرص عمل للسوريين ومن في حكمهم. وثانياً تبني معايير ومؤشرات الحكم الرشيد المتعارف عليها في الامم المتحدة (الفاعلية الحكومية، سيادة القانون، مؤشر مشاهدة الفساد…). وثالثاً إصلاح القطاع العام بما يضمن كفاءة الانتاج، والبحث عن سبل لتشجيع الرابح منه، وايجاد حلول آمنة اجتماعياً للخاسر منه. ورابعاً العناية بالطبقات الاقل حظاً في المجتمع (صحة مجانية وبأسعار مخفضة للطبقة الفقيرة، التعليم المجاني، تعويضات بطالة). إننا نعتبر أن المهمة الاقتصادية للدولة السورية يجب أن تكون تكثير سواد الطبقة المتوسطة الدخل وضمان تجاوز عتبة الفقر لكل السوريين.
أما عن طبيعة النظام الاقتصادي فيقول قاضي إن سوريا «لا تستطيع الوصول إلى الحرية السياسية الحقيقية بشكل منفصل عن الحرية الاقتصادية، على عكس النظام السوري البائد الذي دأب وفريقه الاقتصادي على فصل الليبرالية الاقتصادية عن الليبرالية السياسية ومعايير الحكم الرشيد المعتمدة من قبل البرنامج الانمائي للامم المتحدة، الامر الذي جعل سوريا قبل الثورة السورية – تتبوّأ مقعدها بين أسوأ الدول المتهالكة اقتصاديا وأكثر من نصف السوريين تحت خط الفقر وواحدة من أفشل خمسين دولة.
الاقتصاد السوري أولاً
إن النظام الاقتصادي السوري يعمل لتأمين قطاع خاص منظّم ويعمل لتأسيس اقتصاد سوق حر يسعى الى الاندماج العالمي بشكل تدريجي من خلال شراكات اقتصادية تحقق مكاسب للنهوض الصناعي والزراعي والتجاري، وتتحاشى الانفتاح غير المحسوب على الاسواق العالمية، وتحاشي أي انفتاح عالمي دون تأمين شروط النجاح للاقتصاد السوري تحت شعار «الاقتصاد السوري أولا« داخل مثلث الاهداف الثلاثة التي رفعناها في مجموعة عمل اقتصاد سوريا: حرية الانسان و تنمية الاقتصاد والحكم الرشيد.
النظام الاقتصادي السوري يكفل ايجاد آليات لتشجيع القطاع المشترك، مبنية على الثقة والشفافية ضمن فضاء الصحافة الحرة، ويعمل لخلق مناخ استثماري آمن وعادل، والعمل لان تتبوأ سوريا مكانها في المئة الاولى من الدول في العالم في السنوات الخمس الاولى بعد الثورة (تقرير أين تضع استثماراتك 2011 البنك الدولي- ترتيب سوريا الحالي قبل الثورة هي الدولة 144 من أصل 183)، كما يكفل التسهيل الحقيقي لاقامة استثمارات في سوريا (ترتيب سوريا 134/183) سواء استثمارات من قبل السوريين أو الاشقاء العرب، أو الاصدقاء.
تقوم الحكومة السورية في الشق الاقتصادي بمحاربة روح الاحتكار والفساد، وعرض فرص الاستثمار المتاحة بشفافية، وإصلاح القطاع العام، والعناية بالعمال في القطاعين الخاص والعام والمشترك من خلال رفع السوية المعاشية للعمال، ودعم القوة الشرائية للقوة العاملة السورية.(قبل الثورة 1,7مليون عامل معاشهم الشهري أقل من 200 دولار)، ووضع برامج فاعلة وعملية بالتعاون مع مؤسسات خاصة وعامة محلية وعربية وعالمية- لرفع كفاءة الموارد البشرية لرفع كفاءة العمال من أجل النهوض بانتاجيتهم. (أكثر من 70 في المئة من عمال القطاع الخاص الان يحملون الشهادة الابتدائية فقط)، كما يقوم على رفع كفاءة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل للاقتراب من الحاجات الماسة للعامل والموظف السوري، والاستعانة بالقطاع الخاص لرفد الوزارة بأحدث التقنيات لاحصاء العاطلين من العمل والباحثين عنه، وإنشاء شبكة علاقات هائلة مع الشركات السورية، وهذا يقوم جنبا الى جنب مع إعادة هيئة مكافحة البطالة إلى الصدارة تحت اسم هيئة التشغيل والتمتع بكل الاستقلالية ضمن ميزانية تحددها دراسة علمية، وتقاد من قبل كفاءات وطنية، تقبل استشارات الخبرات العالمية، وتتواصل للحصول على المنح الدولية، لخلق فرص عمل للعاطلين من العمل«.
القطاع المصرفي والبنى التحتية
ويضيف قاضي أن النظام الاقتصادي الحرّ «يعطي للحكومة السورية أهمية لرفع كفاءة الاسواق المالية وتعزيز الثقة بأدائها كي تعكس حجم النشاط الاقتصادي الحقيقي، وتنشيط عمل المصارف الخاصة، وتعزيز دورها الدولي، وتقوم بالاصلاح الحقيقي للنظام المصرفي، وتوسيع شبكاتها المحلية والعربية والعالمية، وتعطي اهتماما بالغا للنظام المصرفي الاسلامي، مع تأكيد على رفع كفاءة المصارف العقارية والزراعية والتجارية، كي تساهم بشكل حقيقي في سد حاجات السكن، وتشجع التجارة، وتنهض بالواقع الزراعي، وواقع الفلاحين السوريين بشكل حقيقي.
وهذا لا يتم دون رفع مستوى البنية التحتية الحالي بشق طرق جديدة وبناء الجسور والانفاق اللازمة، من أجل تسهيل انتقال البضائع واليد العاملة، ورفع مستوى الخدمات في الارياف للتخفيف من حدة هجرة الريف للمدن، والذي سبّب اختناق المدن، وخسارة استثمار الاراضي بشكل فعال ومنتج، ولا يتم من دون إصلاح النظام الضريبي بما يضمن العدالة الضريبية، ضمن إطار الشفافية الذي يطالب بالتصريح عن كل أملاك الموظفين الكبار في الدولة ابتداء برئيس الجمهورية إلى آخر موظف كبير في الادارة.
كما أنه من المهم تعزيز دور غرف التجارة والصناعة في تنشيط الاقتصاد، ومراقبة الانتخابات فيها للتأكد من التصدر للمناصب التداولية المحددة بسقف زمني يكون بحسب الكفاءات لا الولاءات، إضافة إلى تأكيد على دور الصناعة الحديثة، وتشجيع إدخالها لسوريا، ووضع السياسات الداعمة لها في مجال الانتاج والتسويق، بالتعاون مع الشركات العملاقة عالمياً، وهذا يتطلب تسهيل الائتمان المالي لقطاع الصناعة وخاصة الصناعات المصنعة، وبالاخص التي تخلق أكبر فرص عمل.
الزراعة والسياحة والملاحة الجوية
ويؤكد قاضي أن النظام الاقتصادي الجديد يعطي أهمية للقطاع الزراعي «لذا نرى أن علينا دعم القطاع الزراعي، ورفع كفاءة سياسات الري، لرفدها بأحدث الاجهزة العالمية، والاستعانة بالخبرات العالمية للنهوض بالقطاع الزراعي، ومعالجة حالات الجفاف بشكل مسؤول، وتفعيل دور المصارف الزراعية والنهوض بكفاءة الارشاديات الزراعية. (الحكومة الحالية عالجت مغادرة 1,3 مليون شخص هجروا المناطق الشرقية بقمة اللامسؤولية ومن دون أي خطة لمعالجة الكارثة، وستجهز الثورة خطة اقتصادية لاعادة أبناء المنطقة الشرقية وخلق فرص عمل لهم مكرمين في بيوتهم)، كما يجب إصدار حزمة من القوانين الداعمة لاقتصاد المعرفة ورفدها بما تتطلبه من تقنيات حديثة، وكذلك تشجيع صناعة السياحة وتسهيل دورها التنموي، وتأمين المرافق والخدمات العامة اللازمة، وتأمين ائتمان ميسّر لضمان خطة تسويقية سياحية عالمية.
بعد تهميش قطاع الملاحة الجوية خلال خمسة عقود، فالنظام الاقتصادي عليه رفع كفاءة الطيران السوري، ورفده بأحدث الطائرات والتعاقد مع كبرى الشركات العالمية للبدء بتسويق الطيران السوري ليكون بمصاف أفضل الخطوط الجوية العالمية، عن طريق تشجيع القطاع الخاص للدخول بقوة للمنافسة على هذه السوق مما سيخلق فرص عمل كثيرة ومتنوعة، بعد تأهيل مطاراتنا التي هي دون المستوى حالياً«.
أقرب الى الاقتصادين الكندي والألماني
ويوضح قاضي أن النظام الاقتصادي المطلوب لسوريا الجديدة «أقرب ما يكون إلى النظام الاقتصادي الكندي والالماني بمعنى أن هناك دوراً أبوياً للحكومة في العناية بالطبقات الفقيرة، مع مراعاة عدم التدخل ما أمكن في العملية الاقتصادية، وانسحاب الحكومة من الحياة الاقتصادية. إنه نظام اقتصادي ليبرالي ولكن ليس الليبرالية المتوحشة، وهو أقرب ما يكون للتطبيق غير المجتزأ لاقتصاد السوق الاجتماعي التي تبنتها الخطة الخمسية العاشرة ولكن بحزمتها الخماسية التي تشمل: احترام حقوق الانسان، سيادة القانون وتطبيقه بحزم، المشاركة الشعبية في العملية السياسية، نظام اقتصادي على طريق اقتصاد السوق الاجتماعي، تدابير حكومية ذات توجه تنموي. لقد شوه النظام كل شيء بما فيه اقتصاد السوق الاجتماعي الذي كان وراء المعجزة الاقتصادية الالمانية.
حقيقة الامر أن النظام الاقتصادي عقب انتصار الثورة يحاكي الجوانب الايجابية في التجربة السورية الاقتصادية في بعدها المُشرق مع تحاشي سلبياتها لفترة ما بعد الاستقلال إلى قبيل الوحدة 1958، من حيث تعبئة الرأسمال الوطني أولا، بهدف أن تصل الطبقة المتوسطة محركة الاقتصاد لتشمل أكثر من ثلثي الشعب السوري«.
نظام «احتكار القلّة»
وكيف يمكن الانتقال من النظام الاشتراكي الراهن الى نظام السوق؟ يجيب قاضي:
«لم يكن النظام الاقتصادي السوري نظاما اشتراكيا بالمعنى الاقتصادي للاشتراكية الذي يرنو للعدالة والنهوض بالطبقة العاملة، والبعد عن الفساد، كذلك لم يكن نظاماً ليبراليا بالمعنى الليبرالي الذي لا يفصل الحرية الاقتصادية عن الحرية السياسية، بل كان نظاما اقتصاديا متخلفا أشبه بنظام الالوغابولي أو «احتكار القلة« وتلك القلة هي مجموعة من الشركات القابضة التي تمتهن الفساد والافساد وتعيّن مسؤولين لخدمة مصالحها فقط، حتى لو خالفت كل معايير الحكم الرشيد، ضمن إطار تحالف سياسي- أمني- اقتصادي- عسكري يطبّق على جسد سوريا الاقتصادي، وبالمناسبة فالقطاع الخاص وظّف ثلثي العمالة السورية، لذا فسوريا حقيقة لا تنتقل من اقتصاد اشتراكي الى اقتصاد السوق، بل إن اقتصاد سوريا بعد الثورة يحاكي طبيعة الانسان السوري التاجر والمصنّع والمهني والمحترف، إن الانسان السوري دفع أثمانا باهظة ثمنا لحريته فهو حر في السياسة وكذلك حرٌّ في اقتصاده، ولا يناسبه سوى الحرية، لانه ابن عبقرية طريق الحرير، وعراقة صناعة النسيج والاصبغة.
إن عملية التحول في النظام الاقتصادي ينبغي أن تكون تدريجية أخذا في الاعتبار الاثار الكارثية الاقتصادية للازمة السورية، ولكن وبسبب ضعف هيكلية الدولة ومؤسساتها فإنها فرصة نادرة للبدء ببناء نظام اقتصادي حر على أسس سليمة ومنهجية تحقق للمواطن السوري أفضل مستوى معاشي ممكن، وتحقق تنمية حقيقية للاقتصاد السوري.
القطاع العام
وعن التصوّر لاعادة هيكلة القطاع العام يشرح قاضي:
«رغم أن القطاع العام وظّف نحو ثلث العمالة السورية، ولكن النظام أساء إدارته بتوظيف مبالغ فيه مما اضطر الادارة الى تجاهل مسألة الكفاءة الانتاجية، والتغاضي عن الخسارات الفادحة، بحيث تحول القطاع العام شبه جمعية خيرية وباباً من أبواب الفساد، خاصة أن معظم الادارات غير كفؤة حيث روعيت المحسوبيات والولاءات الحزبية في التعيين، مما جعل إصلاح القطاع العام واجباً فوريا على كل الادارات اللاحقة، خاصة مع الارقام الخيالية التي أنفقت ولاتزال عليه، والذي كلف الميزانية السورية مليارات الليرات وكان في معظمه خاسراً.
إن القطاع العام الصناعي في وضع صعب جداً، ولا يقوى على المنافسة، ولا على العمل بكفاءة، بدليل أن معظم الصناعات التي دخل فيها القطاع العام بإدارة حكومية قد انخفض انتاجها بشكل كبير. لقد دخل القطاع العام الصناعي في 93 نوعا من أنواع الصناعة التحويلية- بحسب المجموعة الاحصائية السورية 2009- انخفض انتاج 54 صناعة منها ما بين عامي 2004 و2008، مما يدلّ على حالة انتاجيتها المتدهورة، وإداراتها التي تراوح بين السيئة والفاسدة، إضافة إلى ضعف إمكاناتها التنافسية، وخسارتها للسوق المحلية فضلا عن العالمية لصالح القطاع الخاص، فلقد انخفض على سبيل المثال انتاج القطاع العام في مجال الكونسروة أكثر من النصف من 8841 طناً سنوياً إلى 3509 أطنان ما بين العامين نفسيهما، فمثلا في مجال الاجهزة التلفزيونية حدثت كارثة انتاجية ما بين العامين نفسيهما حيث انخفض الانتاج من 111 ألف قطعة إلى 19 ألفا عام 2008! والمحركات الكهربائية في وضع أسوأ فلقد انخفض انتاجها بشكل ساحق من 30 ألف محرك عام 2004 إلى 418 محركاً فقط عام 2008! وكذلك حال انتاج الاطارات والدهانات، والجلود، والكابلات، والجلود، والمحولات، والخشب وغيرها«.
فرص العمل
وعن التكلفة المتوقعة لنهوض سوريا اقتصاديا من جديد وكم من الوقت ستستغرق العملية يجيب قاضي:
«تقوم مجموعة عمل اقتصاد سوريا كمؤسسة استشارية اقتصادية مستقلة غير ربحية على رسم ملامح الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة والتي شارفت الانتهاء، ولان الخارطة مشروع وطني بتمويل سوري خاص، فقد تم التعاقد مع عدد من الخبراء السوريين داخل سوريا ومن الذين يتمتعون بالخبرة في مؤسسات الدولة في أكثر من عشرة قطاعات حيوية للعمل على ايجاد دليل عمل للحكومة القادمة، حيث تتم كتابة رؤية إسعافية تخص الاشهر الستة الاولى، ورؤية لسنتين ثم رؤية مستقبلية لخمس سنوات. وكذلك لوضع المواطن السوري في صورة الطاقات الكامنة لاقتصاد بلده تنفع لمعايرة أداء الحكومات القادمة حيث يصبح أداة رقابية على كفاءة الحكومات.
وقد تم نقاش ست أوراق- سياسات عملية لستة قطاعات مع خبراء سوريين ودوليين وبحضور ممثلين (مهنيين حصرا حسب الحاجة كمهندسين زراعيين ومحامين وغيرهم) عن المجالس المحلية من كل المحافظات في غازي عنتاب في 18 شباط في قطاعات الزراعة والمياه والتشريعات الاقتصادية والمالية والاسكان والسياسة النقدية والمالية والعمالة والتعليم.
وقد نشرت المجموعة سبعة تقارير وستنشر ستة تقارير تباعا إن شاء الله – وهي موجودة تحت عنوان الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة على الصفحة الالكترونية www.syrianeconomic.net، وتقوم على استكمال أوراق بقية القطاعات الاقتصادية خلال الشهرين القادمين حيث سنعقد سبع ورشات عمل في سبعة قطاعات اقتصادية أخرى، فسوريا بحاجة الى رؤية تفصيلية بعد سقوط النظام ومن ثم رؤية تنموية تشاركية مع العالم تنهض بسوريا وتضعها في مصاف الدول الصاعدة.
لدى مجموعة عمل اقتصاد سوريا ثلاثة مشاريع جاهزة من أجل خلق مليون فرصة عمل لسوريا في السنوات الخمس الاولى وبأموال سورية حتى نستطيع الخروج بسوريا إلى الحالة المدنية، فالشاب الذي حمل السلاح ليحمي أهله وعرضه علينا أن نكافئه بأن نخلق له فرصة عمل تليق به وبأهله، ومن حقه أن يكون له ولأولاده مستقبل مريح له.
إن دور رجال الاعمال السوريين حيوي في المرحلة الانتقالية، في إعمار سوريا، حيث سيكون القطاع الخاص قاطرة التنمية الاقتصادية، من دون إغفال دور القطاع العام الذي ينبغي أن يخضع لاصلاحات إدارية لرفع كفاءته، فكما أن القطاع الخاص يقوم بتوظيف ثلثي العمالة السورية لان هنالك 1,3 مليون موظف في القطاع العام، يجب أخذهم في الاعتبار، وأي إعمار وإصلاح اقتصادي قادم يجب أن يكون مدروساً بعناية بحيث يتحاشى أي كارثة اجتماعية، وأنا متأكد أنه بوجود حكومة وطنية مهنية احترافية يمكن أن يتحقق الاستقرار الاقتصادي خلال خمس سنوات، وتتحقق المعجزة الاقتصادية السورية خلال عشر سنوات على الاكثر«.
«اقتصاد نيرون»: البطالة بلغت 70 في المئة
المشهد الاقتصادي السوري الراهن مرعب بامتياز. لم يعد هناك إدارة مركزية تحكم الاقتصاد السوري. فقدت «الحكومة« معناها وهيبتها في سوريا فلا هي تسيطر أو تدير معظم المعابر السورية، وبالتالي فقدت إمكانية إدارتها للتجارة، ولا هي تسيطرعلى معظم الثروة النفطية، ولا الثروة الزراعية والحيوانية، فمحافظات «السلة الغذائية« السورية خرجت معظمها من سيطرة النظام، يضاف الى هذا أكثر من سنتين ونصف السنة من التدمير المنهجي للمحافظات السورية، جواً وبراً وبحراً، وتنفير المستثمرين والصناعيين، وتقطيع أوصال الطرق بين المحافظات، وتنفير اليد العاملة التي بات معظمها إما نازحاً أو مهاجراً مع أهله هربا من انعدام الامن، أو منخرطاً في صفوف الثورة العسكرية أو هارباً من السلطة الامنية، أو قابعاً في سجون النظام، أو جريحاً في أحد المشافي الميدانية أو خارج حدود سوريا. هذا المشهد الاقتصادي الكلي السريع نتج عنه ارتفاع معدل بطالة فاق السبعين في المئة، وانخفاض قيمة العملة السورية لاقل من 20 في المئة من قيمتها، وإغلاق محال الصرافة بعد سجن أصحابها وملاحقتهم. كما تمخض عن هذا الوضع البالغ السوء ارتفاع مستوى التضخم في المتوسط 200 في المئة، حيث وصل ارتفاع بعض أسعار السلع الغذائية لاكثر من 500 في المئة.
في ظل وضع مأسوي كهذا لم يعد هناك معنى للحديث عن الاقتصاد كمفهوم مركزي وطني.
فتقديرات خسائر قطاع الاسكان فقط كمبانٍ من دون حساب مقتنيات العائلات تصل لاكثر من 42 مليار دولار، ولكن الخسائر تزيد وتتغير كل يوم، فالتدمير لم يتوقف يوماً واحداً، وخسارة ناتج الدخل القومي، وخسائر الفوضى الامنية وسرقة المعامل وتدميرها، والخسارة الناجمة عن الفوضى الاقتصادية تفوق المئة مليار دولار.
لم يشهد التاريخ أن سلّط حاكم على رؤوس كل أهل البلد وليس فئة إثنية أو عرقية معينة براميل ديناميت وصواريخ سكود وأسلحة كيميائية وراجمات صواريخ ومدافع دبابات على أهل البلد، لذا يمكن تسمية هذا النوع من الاقتصاد «اقتصاديات نيرون« وهو المثال الوحيد الذي حدث العام 64 قبل الميلاد أي منذ أكثر من 2000 سنة عندما جلس المختل عقليا نيرون يتفرج على حريق سبعة أحياء في روما كي يعيد بناءها بطريقة جديدة…ومن ثم اتهم المسيحيين… على عكس وقاحة النظام السوري الذي يتغنى بإنجازات «حماة الديار« بقصفهم للمباني فوق رؤوس أهلها وللافران والمشافي وأكثر من 1400 مسجد.
في ظل «اقتصاد نيرون« انخفضت انتاجية القطاع الزراعي للربع، وتراجعت الاستفادة من الانتاج الزراعي في ظل تردد الفلاحين في بيع محصولهم الاستراتيجي للنظام الذي يقتلهم، وفي ظل تقطع أوصال المحافظات فلم تعد الطرق آمنة لا بين المحافظات، ولا ضمن المدينة الواحدة التي فيها عشرات الحواجز ما بين النظام والثوار. ورغم أنه لا أحد يستطيع أن يدّعي دقة حجم محصول القمح هذا العام مثلا لان هناك أكثر من جهة اشترت القمح ومنها بيعت للخارج، ولكن التقديرات أن المحصول انخفض مليون طن عن السنة الماضية، ولكن القادم للاسف أسوأ، بسبب عدم توفر البذار لزراعته من أجل العام القادم، ولا توفر الادوات الزراعية، ولا توفر المبيدات، وشح مادة الديزل اللازمة، وكذلك انخفاض اليد العاملة الزراعية بسبب انخراط الارياف السورية كلها في الثورة«.