في الجزء الثاني من الحوار مع عضو المجلس الوطني السوري أسامة قاضي، أكد الأخير أنّ مجموعة كبيرة من المعارضة توحّدت تحت مظلة المجلس. وقال قاضي إن العقوبات الإقتصادية شرط أساسي لإضعاف النظام، لكنها غير كافية لإسقاط نظام عسكري.
حذر أسامة قاضي عضو المجلس الوطني السوري بعض القيادات الكردية من استغلال وضع الثورة في تمرير نوايا انفصالية، بما سمّي “تقرير المصير”. وفي حواره مع “إيلاف”، أكد قاضي أن توحيد المعارضة “أكذوبة ودلالة على عورة النظام العالمي الذي لا يستطيع حماية المدنيين”.
وحول العقوبات الإقتصادية المفروضة على سوريا، أكد أنها غير كافية لإسقاط نظام عسكري، مثل نظام الأسد، لكنها تساعد على إسقاطه.
دكتور أسامة قاضي، كيف تنظرون في المجلس الوطني السوري إلى مساعي توحيد المعارضة في كيان سياسي موحد، وإلى أي حد يؤثر وجود أطراف من المعارضة غير منضوية في المجلس الوطني؟
لا يوجد في العالم شيء اسمه “توحيد المعارضة”… هذه أكذوبة، أراد العالم أن يلهي بها المعارضة السورية، التي لم تستطع ممارسة السياسة خلال خمسة عقود، والغاية منها أن نكفّ عن مطالبة دول العالم القيام بواجب حماية المدنيين، ورغم ذلك تحققت المعجزة، وتوحد طيف كبير من المعارضة تحت مظلة المجلس الوطني السوري في 21 آب (أغسطس) 2011، ومن بعدها اكتملت تركيبة المجلس في 15 أيلول (سبتمبر) 2011 بالانضواء الرسمي تحت راية مجلس إعلان دمشق، الذي يضمّ أكبر طيف سياسي في سوريا، ففيه الليبرالي (رياض سيف)، والشيوعي (رياض الترك)، والإسلامي (غسان نجار)، والمحافظ والعشائر (نواف البشير).
كما ضم المجلس الوطني رسمياً الإخوان المسلمين، والأكراد، والعشائر، والآشوريين المسيحيين، والمستقلين، والكتلة الوطنية المؤسسة للمجلس، والأهم من كل هؤلاء مجموعة من ممثلي الحراك الثوري من الشباب، والتي ينضوي تحتها أهم ثلاثة أطياف من الحركات الشبابية الثورية.
فكرة “الإجماع” غير متحققة إسلامياً، والمسلمون في تاريخهم الفقهي والعقائدي، لم يجمعوا سوى على الشهادة بوحدانية الله جلّ وعلا، ومن ثم اختلفوا على صفاته، فتهمة إجماع المعارضة تهمة واهية، وهي دلالة على عورة النظام السياسي العالمي، الذي لا يستطيع حماية الإنسان على هذا الكوكب، فطالما أن مع المجلس الوطني السوري ممثلين عن كل أطياف ومكونات الشعب السوري، فهذا أكثر من كاف، علماً أن المجلس الوطني هو مجرد جسر يعبر عليه السوريون ليصلوا إلى حريتهم، وينتهي دوره مع أول دورة سياسية سورية، وأعضاء الهيئة التنفيذية لا يحق لهم دخول الدورة السياسية الأولى في سوريا، فالمجلس ليس برلماناً حتى يقوم كل شخص ويطلب تمثيله شخصياً.
لا شك أن هناك كثيرًا من المناضلين الشرفاء خارج المجلس الوطني، وهم يساندون الثورة، ونحن نحترمهم، وقد عرضنا على بعضهم عضوية المجلس في بداية تأسيسه، وأصرّوا على الدفاع عن المجلس من خارجه؛ لأنهم سيكونوا أصدق وأقوى في الدفاع عن ممثل الثورة، وهؤلاء ترفع لهم القبعات، ونكنّ لهم كل الاحترام، والثورة لن تنسى لهم صنيعهم.
في المقابل، فإن إلحاق بعض الشخصيات سيئة السمعة، بمثابة حصان طروادة ضد الثورة السورية، قد يضعف مكانة المجلس الوطني، وقد رفعت لافتات ضدهم، وشككوا في وطنيتهم، خاصة بعض ظهورهم الدائم على فضائيات معادية للثورة، وهم بذلك حرقوا سفنهم مع الثورة السورية، فخروجهم على الفضائيات، واتهامهم المجلس الوطني بأنه لم يوحّد المعارضة لأنه لم يشملهم، سوف يزيد من إصرار المجلس على تجاهلهم.
ما موقفكم من حقوق الأقليات العرقية (وتحديدًا الأكراد) والدينية، وكيف تتعاملون مع حساسية هذا الملف في ظل التركيبة العرقية والدينية المعقدة في سوريا؟
الأكراد مكون أساسي ومحترم من مكونات الشعب السوري، وكنا منذ اللحظة الأولى لتشكيل المجلس وافقناهم على كل طروحاتهم العادلة، شريطة أن تكون تحت إطار “وحدة التراب السوري”، فهذا خط أحمر، للأسف قام بعض من يعدّون أنفسهم من القيادات الكردية، وقالوا إن الأكراد غير ممثلين، رغم أن الأخوة الأكراد كانوا من أول لحظة في تشكيلة المجلس، وكتبوا بأيديهم بندين خاصين بهم في ما يتعلق بالقضية الكردية في الوثيقة السياسية للمجلس، ولهم أربع مقاعد في الأمانة العامة، وأكثر من 30 شخصاً في الهيئة، لكن أعتقد أن ما قصده ذلك “القيادي” هو أنني إذا لم أكن أنا في الأمانة العامة إذاً فالأكراد غير ممثلين!!.
علماً أن الأخوة الأكراد لديهم أكثر من 13 حزباً! فمن تمثل؟ وكيف تريد توحيدهم؟
أحذر بعض الأخوة الأكراد من استغلال وضع الثورة في تمرير نوايا انفصالية بما سمّي “تقرير المصير”، فإنه مرفوض شكلاً ومضموناً، وغير متفق عليه، وهو نقض لاتفاق وقع في آب/أغسطس 2011، وعلى الفئة التي تمتلك نوايا سيئة – وأدّعي أنهم قلة – أن يعوا بأن المجلس لا يمكنه أن يحتمل أي خطوة في هذا الاتجاه، وإنني أطالب بإعادة تسمية “المجلس الوطني الكوردي في سوريا” تسمية أكثر وطنية، وهي “المجلس الوطني السوري الكوردي”، فقولهم “في سوريا” لها دلالة خطرة على عدم اعترافهم بهويتهم الوطنية، التي نحارب معهم لأجلها، وقلنا لهم إن الإدارة اللامركزية أمر إداري، ومتبع في كثير من بلاد العالم، ومن الممكن دراسته، ولكن حق تقرير المصير مرفوض شكلاً ومضموناً، ولا نريد من أصحاب النوايا السيئة أن يبدأوا بسياسة ليّ الأذرع في هذه المرحلة الحرجة من الثورة؛ لأن الأخوة الأكراد في عيوننا، وقلوب كل السوريين، ومن غير المقبول أن يبدأ أحد بالمساومات في هذا الاتجاه بأي حال من الأحوال.
ما أعلمه هو أن الأحزاب الكلاسيكية الكردية – وخاصة صاحبة تقليعة حق تقرير المصير- ليست بالضرورة هي محركة الشارع، ولكن قوى الشباب الكردي الأبطال السوريين الوطنيين من أمثال مشعل التمو، الذي افتتح مؤتمر الإنقاذ، لا يرضون عن تصرفات بعض الأحزاب الكوردية، التي تلمح بالانفصال، فهم سوريون من أبناء سوريين أحرار. أنا متفائل من أننا سنصل بمساعي الدكتور عبد الباسط سيدا وحكمة فريقه السياسي الكوردي إلى توضيح هذه المسألة، وإزالة أية غشاوة وضبابية تتعلق بهذه المسألة.
ماذا عن التنسيق أخيرًا بين المجلس الوطني والجيش السوري الحر، وما هي آفاقه ومجالاته؟
لقاء المجلس الوطني في تونس حدد ملامح جديدة لتوجهات المجلس، من خلال تعيينه مستشاراً عسكرياً للمجلس، وحدد أهدافه بالدفاع عن المدنيين والثوار، وأسس لعلاقة أكثر مؤسساتية مع الجيش السوري الحر، حتى يكون المجلس الغطاء السياسي لما يقوم به. وحددت في اللقاءات المتكررة آليات التواصل مع المجلس، من خلال تعيين مكتب ارتباط بين المجلس والجيش، بحيث يكون التنسيق على أعلى مستويات، وأهم خطوة مقبلة هي ضبط العمليات العسكرية على الأرض، وتنظيم أفراد المتطوعين من المدنيين في صفوف الجيش الحر، وكذلك كل المسلحين، الذين دفعهم النظام إلى التسلح للدفاع عن أعراضهم وبيوتهم، حتى يقف المجلس حائلاً دون عسكرة الثورة، ويسهل تجميع السلاح بعد انتصار الثورة، وكذلك ليعرف الجيش الحر إمكانياته الحقيقية، ويحسن استغلالها في حماية المتظاهرين، ويقدم طرقاً إبداعية في استقطاب المزيد من الوطنيين في الجيش السوري، الذين ينوون الانشقاق عقب رفضهم أوامر بقتل أهلهم.
هل تعتقد أن العقوبات الاقتصادية يمكن أن تسقط النظام السوري؟
العقوبات الاقتصادية والضغوط المالية شرط لازم، ولكن غير كاف للأسف، لأننا نتعامل مع نظام عسكري، يستخدم أساليب أكثر همجية من البربر، ونظام يستبيح الأعراض، ويذبح طفلاً عمره أربعة شهور، ويهدم أماكن العبادة، وغير معني بموت نصف الشعب جوعاً وتشريد مدن كاملة، فالأزمات الاقتصادية عموماً تُسقط حكومات “مدنية”، فشرط المدنية ضروري، ولكنها لا تسقط حكومات عسكرية، وإنما تساعد على سقوطها.
هل يمكن إطلاعنا، باقتضاب، عن ورقتكم التي قدمتموها في مؤتمر المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية الذي ترأسونه؟
عقد المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية –مقره واشنطن- بالتعاون مع المبادرة العربية للإصلاح، مؤتمراً عنوانه: “تحديات المرحلة الانتقالية: دستورياً وسياسياً واقتصادياً وصحياً وتعليمياً وأمنياً”، في تونس في 21-22 كانون الأول (ديسمبر)2011، وقد قدمت فيه أوراق عدة في المجال الدستوري والسياسي والاقتصادي والأمني والصحي لدراسة السياسات البديلة لمرحلة ما بعد سقوط النظام.
قمتُ بتقديم ورقة اقتصادية بعنوان “السياسات الاقتصادية السورية بعد الثورة”، توضح أهم التحديات أمام الاقتصاد السوري، والحلول المقترحة، من بطالة ورفع كفاءة العاملين، واستقطاب رؤوس الأموال، وإصلاح القطاع العام، وتشجيع القطاع الخاص، وتسهيل العمليات الائتمانية لتشجيع الاستثمار بعد إصلاح النظام المالي والنقدي، وتنمية الريف، ورفع مستوى الخدمات في المحافظات، ووضعنا خطة نحتاج فيها مساعدة العالم من أجل رفع سوية البنية التحتية في كل سوريا، وطبعاً هناك تحديات آنية بعد الثورة مباشرة، مثل إعادة إعمار البلاد، التي دمّرتها دبابات النظام ومرتزقته الأمنية، وتأمين كميات القمح اللازم في صوامع الحبوب السورية، وتوزيع الوقود بشكل كاف على كل المحافظات، وتأمين مستلزمات المستشفيات، وإعالة أهالي الشهداء والمتضررين من القمع الأمني للثورة.