خاص – نداء سوريا
واصلت الليرة السورية انخفاضها مؤخراً بالتزامن مع التطورات المتسارعة عسكرياً وسياسياً، كما قام نظام الأسد بالحجز على عدد مهم من أذرعه الاقتصادية كرامي مخلوف وغيره، في سابقة هي اﻷولى من نوعها، وسط تقارير عن “فاتورة كبيرة” طلبتها روسيا عاجلاً.
ولا يزال النظام السوري يعاني من عقوبات أمريكية مفروضة عليه، وتضييق كبير في استيراد المحروقات وغيرها، كما تفرض واشنطن فيتو غير معلن على دول عربية لمنعها من التطبيع السياسي والاقتصادي معه، وما يزال مؤشره المالي في انخفاض مستمر، مؤثراً بشكل سلبي على حاضنته الشعبية وكافة السوريين الذين يعيشون تحت سيطرته.
وفيما يلي حوار أجرته شبكة “نداء سوريا” مع الدكتور “أسامة قاضي” رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا حول الملف.
– ما هي أسباب عودة الليرة السورية إلى الانخفاض خلال الفترة اﻷخيرة؟
بسبب شدة ضعف الليرة السورية فإنها باتت حساسة لأي حركة سياسية أو أمنية أو اقتصادية غير طبيعية داخل السوق مهما صغرت هذه الحركة، فحجم السلع والخدمات هو الداعم الحقيقي لأي عملة والوضع الاقتصادي السوري المحاصر والذي استنزف محلياً وعالمياً بفواتير آلته العسكرية الجهنمية لم يعد بمقدوره أن يؤمن جواً حقيقياً للنمو الاقتصادي.
عملياً وصل سعر الليرة إلى حوالي 630 ليرة سورية للدولار الواحد مؤخراً، ورغم أنه انخفض أكثر من مائة ليرة سورية منذ أول العام إلا أنه تقريباً نفس سعر الصرف في الشهر الخامس 2016؛ حيث وصل في 15 الشهر الخامس 2016 إلى 645 ليرة سورية للدولار الواحد؛ ما يدل على أن سعره لم يكن حقيقياً ولم يعكس حجم النشاط الاقتصادي، وأن القبضة الأمنية هي التي تحدد سعر الليرة ولو تركت الليرة للتعويم لتجاوزت سقف الألف ليرة سورية.
استمرار دعم التوجه العسكري في حسم الصراع داخل سوريا بدل اللجوء للحل السياسي ومطالبة الدول الحليفة للنظام ببعض الدفعات التي ما فتئت تنهك البنك المركزي المرهق كلها عوامل أسهمت في انخفاض الليرة السورية، ويبدو أنها طالما لديها نفس التوجه الدموي في حل القضية السورية فلن تتركه حتى ينهار بشكل كامل.
– ما مدى دقة التقارير التي تتحدث عن طلب روسيا فاتورة بمليارات الدولارات من نظام اﻷسد، وهل هي المرة اﻷولى؟
لا يوجد ما يؤكد هذه التقارير وربما لها أصل لكن فيها بعض التضخيم، حيث وردت أنباء كثيرة أن محمد مخلوف (الأب) وإياد ورامي مخلوف تحت الإقامة الجبرية، ورغم أنه ليس هناك مصادر موثوقة تؤكد هذا الخبر، ولكن إذا كان هذا صحيحاً فسيكون بأوامر روسية.. بَيْدَ أن محمد مخلوف مقيم في موسكو من سنوات، ومعظم الأموال المهربة واستثمارات آل مخلوف هي ما بين موسكو وبيلاروسيا، وموسكو لا أعتقد أنها تحتاج محمد مخلوف ليعود لسوريا لهذا الأمر كي تعطي الأوامر باحتجازه، بل كان من الممكن أن تخبره بالمبلغ المطلوب وإن لم يفعل تحجز على أمواله المودعة في بنوكها ، وتضع يدها على استثماراته في روسيا وبيلاروسيا.
– هل من علاقة بين “الفاتورة الروسية” وبين انخفاض سعر صرف الليرة؟ وهل هي مقابل القصف على إدلب؟
الفاتورة العسكرية الروسية مثلها مثل العقود التي وقَّعتها حكومة النظام مع روسيا غير معروفة على وجه التحديد، والفاتورة تكبر كل يوم، ويسعى أحياناً الروس في تضخيمها حتى تثقل النظام بفاتورة أكبر، مثل ما صرحت به قاعدة حميميم أن الروس قاموا بـ60 ألف طلعة جوية خلال 100 يوم، بمعنى أنهم قاموا بطلعة كل 3 دقائق خلال 24 ساعة متواصلة على مدى 100 يوم، وهو ما قد يبدو فيه تضخيم من أجل أن تزيد حجم الديون العسكرية على النظام السوري، وربما على سوريا في المستقبل، وتكبل بعقود اقتصادية؛ أملاً في دفع فواتير لا قِبَل لها بها على مدى عقود قادمة.
بحسب تقرير للمعهد البريطاني للدفاع “أي.إتش.إس جينز”، أصدره في 26 أكتوبر 2015، ونشرته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، أي بعد أقل من شهر على بَدْء الطلعات الجوية الروسية في سماء سوريا، فإن موسكو أنفقت ما بين 2.3 مليون دولار و4 ملايين دولار يومياً على عملياتها العسكرية في سوريا، وذلك معناه أن الروس منذ 15 سبتمبر 2015 إلى اليوم وخلال 1445 يوماً أنفقوا حوالي 5 مليارات دولار، ولكن مع تضخيم حجم العمل العسكري واستمراره قد يفاجأ السوريون بأن مبلغ الدين العسكري قد يصل إلى أكثر من 50 مليار دولار حسب نظام “الفوترة” الروسي، فضلاً عن الديون الإيرانية طبعاً.
– ما هي رؤيتك للمستقبل المنظور لليرة؟ انهيار/ انخفاض مستمر/ ثبات؟
الليرة السورية انعكاس لواقع عسكري وسياسي وأمني، وسيظل سعر الليرة غير حقيقي ومضبوط بالأدوات الأمنية للمصرف المركزي حتى يكون هناك حل سياسي، ولطالما سمعنا حاكم المصرف المركزي الأسبق أديب ميالة عندما قال إنه لن يتجاوز سعر صرف الليرة حدود 300 ليرة سورية للدولار الواحد ووصل فعلا إلى أقل من 300 ليرة في مايو 2015 بسبب سجن الصرافين وإحكام القبضة الأمنية على سعر الصرف، ولكن سرعان ما تبين فشل هذه السياسة وها نحن نشهد ضعف سقف الـ300 ليرة حيث وصل إلى 637 ليرة، وواقع الأمر أنه مع شدة حدة التدويل في القضية السورية، فإنه لا يمكن لليرة السورية أن تعكس قيمتها الحقيقية وتثبت دون حل سياسي حقيقي بين الأطراف الدولية الفاعلة داخل سوريا.
– ما مدى تأثير العقوبات الأمريكية على الملف؟
مهمة العقوبات الأمريكية والأوربية إظهار موقف أخلاقي رمزي أمام المشهد الدموي السوري؛ حيث تضع عقوبات على حوالي 300 شخصية سورية وبعض المؤسسات التي تدعم النظام، وهي تنفر المستثمرين من الدخول الفعال في إنعاش الاقتصاد السوري قبل وجود حل سياسي حقيقي، وآخرها كان تهديدين في 23 و29 أغسطس 2019 للشركات التي تشارك في معرض دمشق الدولي، بحيث تزيد هذه التهديدات من الضغط على النظام السوري وتعرقل جهود الحسم العسكري الروسي والإيراني للقضية السورية.
وفي النهاية الشعب السوري هو الذي يدفع ثمن استطالة أمد التدمير في وطنه، وينعكس هذا على تدهور جديد في الاقتصاد السوري الذي يعيش على شفير الهاوية في غرفة الإنعاش الإيرانية الروسية منذ 9 سنوات.